تعود الفنانة الفاتنة آنجلينا جولي هذه الأيام الى الصالات السينمائية بعد غياب يرى محبّوها أنه قد طال أكثر مما يجب... غير أن عودتها لا تتعلق بفيلم معاصر في أحداثه، إجتماعي في رسالته كما كان كثر يتوقعون وإنما في فيلم مبني على أسطورة عتيقة تُروى عادة للصغار، وعنوانه «مالفينست». وعلى رغم أن أبطال الفيلم يحملون أسماء كلاسيكية تنتمي الى عوالم الأسطورة الإغريقية مثل: مالفينست وأورورا، إلا أن نهاية تلك الحكاية المعروفة بعنوان «الجميلة النائمة» تأتي في الفيلم مخالفة للحكاية الأصلية. ليس غريباً على انجلينا جولي التي عُرف عنها بعض الأطوار الغريبة، كغرامها بالتوابيت مثلاً أو الأفاعي مثلاً! أن تلعب هنا دوراً يتأرجح بين الشر والخير. فنراها بقرنين يشبهان قرني التيس وجناحين ضخمين سوداوين ما يجعل صورتها تتآلف مع صورة الجنيّة في المخيال الشعبي والخرافي. وذلك تحديداً في فيلم يستلهم الحكاية القديمة ليقدمها بحلّة جديدة مستفيداً من التقنيات الرقمية التي تتميز بها استوديوات هوليوود للوصول الى صورة ساحرة تتلاءم مع خيال الطفل وتهيء تفكيره للمستقبل. بداية الفيلم كلاسيكية بامتياز «كان يا ما .. كان هنالك مملكتان متجاورتان...»، لكن منحى الحكاية سرعان ما يتغير لمصلحة صنع حبكة جديدة، بغاية مخالفة «المألوف»، وتقديم رؤية عصرية جديدة تعرّي المثاليات التي تقوم عليها الحكايا، بعيداً من لبوس الأوهام، لتكون واقعية قدر الأمكان. في النصف الأول من الفيلم يُقاد الجمهور إلى التماهي مع مالفيسنت (جولي) ويستلطفها الى درجة ان يتواطأ مع شرّها الذي ينفجر واضحاً في الذروة الدرامية للفيلم، عندما تظهر بحلتها السوداء وتلقي اللعنة على الطفلة الشقراء في سريرها محوّلةً حياة مملكة كاملة، إلى كابوس سيدوم ستة عشر عاماً. والملاحظة البارزة هنا هي ان الفيلم يعتمد حيلة تقليدية لتبرير تحوّل الجنية الجميلة والطيبة مالفيسنت إلى جنية شريرة، ما يعني أن الفيلم يتحدى القواعد التي تنطبق عادة على البطل الشرير، وذلك من خلال النزاع المدمر بين عاشقين. مالفسينت التي تعيش قصة حب تظنها حقيقية تستسلم لعواطفها، لتصحو على حقيقة أن حبيبها ليس إلا شاباً يطمح الى الزواج من ابنة ملك المملكة المجاورة لمملكتها. الملك الذي وضع شرطاً لمن يتزوج ابنته أن يقتل الجنيّة مالفيسنت. وهذه بدروها تخسر جناحيها بسبب طيبتها وصدق مشاعرها. ويصب هذا كما هو واضح، في مصلحة الفكرة «الجديدة» التي يقدمها الفيلم من خلال حكاية «قديمة»، عبر تغيير في منحى الحكاية المعروفة التي تنتصر لمصلحة قبلة الحب الحقيقي. وهنا تكمن الواقعية «الفجة» التي يتبناها الفيلم. لكن المؤلف يُمرّرها بذكاء بالغ: «الحب الحقيقي بين رجل وامرأة غير موجود». وفي المقابل يغلّب الفيلم كفّة «المحبة» الأمومية على كل أنواع الحب الموجودة في العالم. في النهاية لا شك في أن الفيلم أتى عملا ممتعاً يتضمن جماليات بصرية أخاذة إضافة إلى رؤى جديدة غير معتادة في الحكايا الموجهة للمراهقين أو الأصغر سنّاً في شأن الحب. عمل يذكرنا بما قاله يوماً الفيلسوف الألماني نيتشه: «على الذي يريد أن يكون خلاقاً في الخير كما في الشر، أن يتقن قبل كل شيء فن الهدم، وتفجير القيم». وهذا الفيلم يأخذ على عاتقه هدم رومانسية الحب وتحديداً «قبلة الحب الحقيقي» ومعتبراً ان هذه الفكرة خرافية وليست حقيقة. أي أن الفيلم يحمل نيّة واضحة لتغيير الأفكار السابقة في شأن الحب ويعمل على زرع القوة العاطفية المقابلة في الجيل الجديد من خلال تسليط الضوء على مثالب العواطف البشرية. لكنه يفعل ذلك بلغة سينمائية ساحرة. أما من جهتها فلا شك في أن انجلينا جولي لعبت في هذا الفيلم واحداً من أجمل أدوارها وأكثرها ملاءمة لملامح وجهها التي تجمع بين الطيبة والشر في آن. سينماأنجلينا جولي
مشاركة :