مايك لي: قليل من التاريخ كثير من الارتجال والجوائز في الانتظار

  • 6/6/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لم يغص المخرج الإنكليزي – من أصول روسية – مايك لي في تاريخ بريطانيا سوى ثلاث مرات في مساره السينمائي الذي تجاوز عمره ثلث القرن. ففي مرة نجده لا يبتعد زمنياً أكثر من خمسين عاماً ليتوقف عند عام 1950 في فيلم أسبق له هو «فيرا دراك» (2004)، وفي مرة تسبقها نجده يتجاوز في تراجعه الزمني، نهاية القرن قبل الفائت ليصل إلى أواخره حيث موضع الحكاية التاريخية المتحدثة عن كاتبي وملحني الأوبرا الشعبية الإنكليزية جيلبرت وساليفان ومعاناتهما أمام فشل متكرر دفعهما إلى اقتباس الفن الياباني في أوبرا أسمياها «ميكادو»، وذلك في فيلم «توبسي - تيرفي» (1999)... وهو في المرتين حقق نجاحاً كبيراً أبعده بعض الشيء عن الملامح الاجتماعية لعمله السينمائي ككل. أما المرة الثالثة والأخيرة حتى الآن، فنتيجتها فيلم «مستر ترنير» تحفته السينمائية الأخيرة التي أعطت ممثله الأثير تيموثي سبال جائزة التمثيل الرجالي في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي. وطبعاً لم تكن هذه، المرة الأولى التي يشارك فيها مايك لي في مسابقات «كان»، بل نعرف أنه حصل على السعفة الذهبية من المهرجان نفسه في عام 1996 عن تحفة اجتماعية سابقة له هي «أسرار وأكاذيب»، كما أنه نال جائزة الإخراج عن فيلمه «عارياً» في عام 1993 مع جائزة التمثيل – مؤمّنةً انطلاقة عالمية – لممثل الفيلم دافيد ثيوليس. غير أن المرة الأسوأ في تاريخ مشاركات مايك لي «الكانيّة» فكانت في عام 2010 حين عاد فيلمه «عام آخر» خالي الوفاض بعدما كان طوال أيام المهرجان، المرشح الأوفر حظاً لما لا يقل عن السعفة الذهبية. يومها قضت «قواعد اللعبة» بأن تسفر مشاركته عن خيبة له وغضب لمحبي سينماه، وهم كثر بالتأكيد، وتوقع كثر ألا يشارك بعد ذلك. لكنه شارك هذا العام بالسيرة السينمائية المدهشة - على رغم كلاسيكيتها - «مستر ترنر». صحيح أن الفيلم نفسه خرج خالي الوفاض على رغم كل التوقعات، لكن جائزة التمثيل ذهبت إلى بطله تيموثي سبال ما أكد من جديد، بعد حالة ثيوليس في «عارياً» بنحو عقدين، أن مايك لي مدهش في إدارته ممثليه بقدر ما هو مدهش في إدارته أفلامه. ومايك لي يدير العالمين معاً بقوة تعبيرية متميّزة، منذ بداياته كسينمائي محترف في عام 1971 في فيلمه الروائي الطويل الأول «لحظات قاتمة» الذي سرعان ما فاز بجائزة الفهد الذهبي في مهرجان لوكارنو. لقد حقق هذا الفيلم يومها نجاحاً نقدياً كبيراً جعل منتجه الممثل البيرت فيني يغض الطرف عما تسببه له من خسائر مالية إذ كان هو مموله. ولكن على رغم النجاح النقدي – المهرجاني اضطر مايك لي إلى الانتظار سبعة عشر عاماً قبل أن يخوض تجربته السينمائية التالية في فيلم «آمال كبيرة» الذي حققه في عام 1988. لكنه في السنوات السابقة كان قد اشتغل على فيلمين تلفزيونيين من إنتاج «بي بي سي» كانا هما ما مكناه من العودة إلى السينما. ومن جديد كان النجاح النقدي والمهرجاني في انتظار طلّته الجديدة حيث أن «آمال كبيرة» أعجب أهل مهرجان البندقية بأسلوبه الواقعي وسخريته من السياسة الثاتشرية التي كانت قد بدأت تعيش غروبها، فنال الفيلم جائزة أساسية في المهرجان الإيطالي العريق. وبعد ذلك بخمسة أعوام أخرى كان موعد لي مع المسابقة الرسمية في مهرجان «كان» وجائزتي الإخراج والتمثيل لـ»عارياً» الذي رسم فيه، هذه المرة، صورة شديدة القسوة لحياة الحثالة في حضيض لندن وضلال لياليها. ومنذ ذلك الحين بات مايك لي وقد بلغ الخمسين من عمره، اسماً كبيراً في السينما الإنكليزية يقارن عادة مع كين لوتش من ناحية اهتمامهما المشترك، ولكن غالباً من مواقع أيديولوجية تفترق نسبياً عن بعضها البعض، بتصوير الحياة اليومية لدى شتى الطبقات الإنكليزية... وكذلك من مواقع جمالية تضبط لوتش في لغة كلاسيكية وتعبير ينتمي إلى وضوح الواقعية النقدية في تسييس للموضوعات يشتطّ أحياناً، فيما تتسّم لدى لي بتجريبية تخفّ وتزيد حسب المواضيع، لكنها غالباً ما تقوم على عمل ارتجالي جماعي موروث لديه من تكوينه المسرحي. والحال أن من يشاهد التالي من أفلام مايك لي، لن يغيب عنه هذا البعد الارتجالي الذي يغمر أفلامه التي حققها قبل «عارياً» وبعده... وجعلت له مكانة أساسية في سينما اليوم: من «الحياة حلوة» (1990) إلى «مستر ترنر» مروراً بأعمال تفاوتت جودة ونجاحاً مثل «بنات المهن» (1887) و»توبسي - تيرفي» (1999) و»كل شيء أو لا شيء» (2002) الذي يمكن اعتباره الأكثر درامية والتزاماً اجتماعياً من بين أفلامه، و»فيرا دراك» (2004)، و»كوني سعيدة» (2008) المعتبر الأكثر تفاؤلاً وطرافة بين أعماله، وصولاً أخيراً إلى عمليه الكبيرين الأخيرين «عام آخر» و«مستر ترنر». سينما

مشاركة :