لأن كلمتيّ الصيام والصوم في اللغة العربية تطلقان على كل امتناع أو إمساك طوعي عن فعل أو قول، فلقد ظهر في عصر الإنترنت مصطلح «الصيام الالكتروني»، وهو مصطلح جديد يشير إلى الإمساك لفترة زمنية عن استخدام الأجهزة الحديثة ذات الشاشات، ولاسيما أجهزة الألعاب الالكترونية والأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت.والواقع أن فكرة «الصوم الالكتروني» تبدو مطلوبة ومنطقية كعلاج في ظل تفشي ظاهرة الإدمان على الانترنت، وهي الظاهرة التي باتت تحتاج إلى معالجة نفسية في بعض الحالات. وبتعبير آخر، يمكن القول إن ذلك الإدمان قد فرض استحداث هذا النوع من الصوم عن العالم الافتراضي.ومثلما هو الحال في الصيام الرمضاني الذي يهدف إلى تهذيب النفس والروح من خلال الطعام والمفطرات الأخرى، فإن الصوم الالكتروني يسعى إلى كسر دائرة الانغماس المتواصل في العالم الافتراضي، وذلك بهدف وقاية الشخص من السقوط في فخ الإدمان الالكتروني. وبهذا المعنى، فإنه يتعين على من يرغب في ممارسة الصوم الالكتروني أن يمتنع تماما لفترات متواصلة أو متقطعة عن تصفح شبكة الانترنت وعن جميع الألعاب الالكترونية، مع الاكتفاء بالحد الالكتروني الأدنى متمثلا في الاتصالات المتنقلة التي لا تعتمد على شبكة الإنترنت، وتحديدا المكالمات الصوتية والرسائل النصية القصيرة.وكان صحافي ألماني يدعى كريستوف كوك هو أول من دعا إلى فكرة الصوم الإلكتروني، وذلك عندما أطلق قبل بضع سنوات مبادرة شخصية رائدة قام بموجبها بالإمساك لمدة شهر عن استخدام شبكة الإنترنت والهاتف النقال. وأوضح كوك آنذاك أنه قرر خوض ذلك النوع من الصوم بعد أن انقطعت خدمة «دي إس إل» الإنترنتية عن خط هاتفه المنزلي لبضعة أيام ولم يعد قادرا على متابعة بريده الإلكتروني وتصفح الانترنت من خلال محركات البحث. ولاحظ كوك أنه بدأ يعاني خلال تلك الأيام من أعراض «انسحابية» كتلك التي يعانيها مدمنو المخدرات والكحوليات عندما يتم حرمانهم من مسببات إدمانهم. فخلال اليومين الأولين من فترة انقطاع خدمة الإنترنت، أصيب كوك بأعراض كان من بينها الصداع والعصبية والملل.وبهذا النوع من الصوم، أراد الصحافي الألماني أن يفطم نفسه عن ذلك «الإدمان» من خلال تعويدها على التعايش مع الحياة في ظل غياب الانترنت والتطبيقات الالكترونية.ويحتاج الصوم الالكتروني إلى متطلبات تشبه إلى حد كبير متطلبات الصيام الرمضاني. فالصوم الالكتروني يحتاج إلى أن يعقد الشخص «النية» متمثلة في أن يستجمع عزيمته وإرادته ويتخذ قرار الصوم عن «المفطرات الافتراضية» المتمثلة في التطبيقات الالكترونية والإنترنتية التي تستنزف معظم وقته. وعلى غرار الصيام الرمضاني أيضا، يحتاج الصوم الالكتروني إلى تحديد مواقيت زمنية لبدء «الإمساك» وانتهائه، مع الالتزام بتلك المواقيت التي قد تمتد أحيانا إلى بضعة أسابيع متتالية.ومثلما يسهم الصيام الرمضاني في تحسين صحة البدن والنفس والذهن، أكد كثيرون ممن مارسوا الصوم الالكتروني أنه منحهم نتائج نفسية إيجابية لمسوها في التحسن الذي طرأ على أنماط حياتهم وعلى علاقاتهم الاجتماعية.
مشاركة :