ماكرون يأمل بـ«ثورة بيضاء» عشية الانتخابات التشريعية الفرنسية

  • 6/10/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يتوجه الفرنسيون غدا الأحد للمرة الثالثة إلى صناديق الاقتراع في الدورة الأولى من الانتخابات النيابية التي يتوقع لها أن توفر للرئيس الجديد أكثرية نيابية مريحة ستمكنه من أن يضع موضع التنفيذ برنامجه الرئاسي الذي انتخب على أساسه. وتجمع استطلاعات الرأي على أن حزب «الجمهورية إلى الأمام» أي حزب إيمانويل ماكرون، وحليفه، حزب الديمقراطيين الذي يرأسه وزير العدل فرنسوا بايرو سيكتسحان الانتخابات القادمة التي ستجرى دورتها الثانية «والأخيرة» يوم الأحد 18 يونيو (حزيران) الجاري. وبنهايتها، يكون ماكرون قد أحدث ثورة سياسية «بيضاء» لم تشهد فرنسا لها مثيلا في تاريخها الحديث. ففي 15 شهرا، أطلق ماكرون وكان وزيرا للاقتصاد في آخر حكومة للرئيس فرنسوا هولاند، حركة سياسية أعطاها اسم «إلى الأمام» في أبريل (نيسان) من العام الماضي، ثم استقال من الحكومة في شهر أغسطس (آب) ليعلن لاحقا ترشحه للانتخابات الرئاسية متحديا بذلك ولي نعمته الرئيس هولاند ورئيس الحكومة مانويل فالس. وما كان يعتبر عند ترشحه «فقاعة إعلامية»، أصبح سريعا الرقم الصعب في المشهد السياسي الفرنسي ليفوز في 7 مايو (أيار) في الانتخابات الرئاسية مهمشا بذلك الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار، وطارحا أرضا مارين لوبن، مرشحة اليمين المتطرف في الدورة الإثنية من الرئاسيات. تبين استطلاعات الرأي وآخرها أجري لصالح القناة الإخبارية «فرانس إنفو» أن ماكرون يمكن أن يستند إلى أكثرية نيابية تزيد على 400 نائب (من أصل 577) في الجمعية الوطنية القادمة ما يعني أنه سيكون سياسيا حر الحركة وذلك لخمس سنوات كاملة. ويبدو هذا التقدم كبيرا إلى درجة أن الاستطلاع المشار إليه يبين أن نسبة مرتفعة من الناخبين لن تتوجه إلى صناديق الاقتراع غدا باعتبار أن الأمور محسومة سلفا. وفيما كان حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل يمني النفس بأن يمحو هزيمة مرشحه فرنسوا فيون الرئاسية، إلا أن الأرقام والنسب المتوافرة دفعت فرنسوا باروان، عضو مجلس الشيوخ والمشرف على الحملة الانتخابية إلى التحذير من «هيمنة الحزب الواحد». كذلك قال أحد قادة الحزب، رئيس الحكومة الأسبق جان بيار رافاران، إنه «ليس من الصحي» أن تكون لحزب واحد مثل هذه السيطرة على البرلمان لأنه عندها «سيرفض الالتفات إلى ما يقوله النواب الآخرون وسيغيب النقاش من الندوة البرلمانية». حقيقة الأمر أن الأسباب التي تشرح الموجة الماكرونية متعددة أولها أن الناخبين الفرنسيين، وفق ما بينت استطلاعات الرأي، يريدون أن يمنحوا الرئيس الجديد الوسائل التشريعية التي تمكنه من أن يحكم فرنسا وأن يوفر الاستقرار السياسي. والسبب الثاني أنه يستفيد من تضعضع الأحزاب التقليدية «الحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريون» ومن الهزيمة التي ألحقها بمارين لوبان. يضاف إلى ذلك سبب ثالث أساسي وهو أن ماكرون لعب بمهارة عندما عين رئيس حكومته من اليمين وأعطى وزارتين أساسيتين هما الاقتصاد والمالية لوزيرين من حزب «الجمهوريون». يضاف إلى ذلك كله أنه فتح أبواب الترشح داخل حزبه «الجمهورية إلى الأمام» أمام المجتمع المدني وترجم رغبته في إدخال دماء جديدة إلى الحياة السياسية الأمر الذي لاقى استحسانا كبيرا من الفرنسيين. ويبقى أن ماكرون، في المدة القصيرة التي انقضت على وصوله إلى قصر الإليزيه، أثبت أنه «جدير» بالمنصب وأنه قادر على التحاور، رغم صغر سنه (39 عاما) مع كبار هذا العالم الذين التقاهم في قمتي الأطلسي ومجموعة السبع فضلا عن استضافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر فرساي قبل أيام قليلة. هكذا تبدو الأمور في فرنسا، حيث ينتظر أن تشهد المرحلة القادمة تفسخات وانشقاقات داخل الأحزاب الموجودة. وبحسب الاستطلاعات، فإن حجم اليمين التقليدي في البرلمان سيتقلص إلى ما يزيد قليلا على مائة نائب بينما ستتراجع الكتلة الاشتراكية التي كانت تملك الأكثرية في البرلمان المنتهية ولايته إلى نحو ثلاثين نائبا. ومن جانب آخر، فإن حزب الجبهة الوطنية، رغم وصول مرشحته إلى دورة الرئاسية الثانية وحصولها على 33 في المائة من الأصوات، لن يكون لديه سوى حفنة من النواب لن يزيد عددهم، في أفضل السيناريوهات، على 15 نائبا (كانت تملك نائبين في البرلمان الأخير). أما اليسار المتشدد الذي يقوده المرشح الرئاسي جان لوك ميلونشون، فمن المنتظر أن يرسل إلى الندوة النيابية عددا يتراوح ما بين 11 إلى 21 نائبا. مع انطلاق ما اصطلح على تسميته «فضيحة ريشار فران» وزير الإدارة المحلية والنائب المقرب من ماكرون وأمين عام حزب «الجمهورية إلى الأمام» توقع الكثيرون تراجع شعبية ماكرون وتأثر نتائج الانتخابات بها. لكن ما تشير إليه نتائج الاستطلاعات المتواترة يدل على عكس ذلك. لكن في اليومين الأخيرين اندلعت قضية أخرى وهي تتناول شريك حزب ماكرون في السلطة أي حزب «الديمقراطيون» حيث عمدت النيابة الفرنسية إلى فتح تحقيق في اتهامات تتناول نواب الحزب في البرلمان الأوروبي الذين يظن أنهم استوظفوا أشخاصا مساعدين لهم في عملهم البرلماني بينما عمل هؤلاء الأشخاص للحزب. ويذكر ذلك بفضائح مرشح اليمين فرنسوا فيون التي كانت أحد أسباب إخراجه من المنافسة الرئاسية منذ الجولة الأولى. وسارع رئيس الحكومة أدورا فيليب أمس إلى الدفاع عن وزير العدل ورئيس «الديمقراطيون» كما فعل سابقا في الدفاع عن الوزير فران. لعل ما سيميز السلطة التشريعية القادمة أنها ستشهد وصول وجوه جديدة تصل للمرة الأولى إلى الندوة البرلمانية، مرد ذلك ليس فقط ترشيحات «الجمهورية إلى الأمام» التي لم ترشح على لوائح سوى عدد قليل جدا من النواب السابقين، بل لأن قانون منع تراكم المناصب الانتخابية دخل حيز التنفيذ، وبالتالي فإن الكثير من النواب فضلوا الإبقاء على ولايتهم كرؤساء بلديات على التنافس غير المضمون على المقعد الانتخابي. وفي أي حال، فإن النواب الذين سيفوزون في المنافسة سينتظرهم عمل تشريعي مكثف نظرا لرغبة ماكرون بالسير سريعا في ترجمة وعوده إلى مشاريع قوانين سيعجل بطرحها على الندوة البرلمانية القادمة.

مشاركة :