خطبة الجمعة ونظام المكافأة المقطوعة

  • 6/6/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الخطابة أحد الفنون النثرية، وقد شاركت الشعر في الإقناع والتأثير، وإن كانت دونه في الانتشار بحكم أن الذاكرة تميل إلى حفظ الشعر المنظوم أكثر من الحفظ المنثور، والخطابة موهبة كبرى لها أصولها، ولقد فاق العرب غيرهم من الأمم في جودة العبارة وروعة الأداء، وكان إمامنا وقدوتنا (عليه السلام) من أخطب العرب، وكانت وظيفة الأمم من المرسلين والأنبياء وكثير من العلماء والوزراء وقادة الجيوش العظماء كما يقول ابن سيناء، وعندما نعرِّج على حاضرنا اليوم فإننا نستمع إلى ٤٨ خطبة جمعة في العام الواحد وحضورها يزيد ولا ينقص، بعكس المحاضرات والندوات، إذ كل من دخل المسجد انتظر الصلاة استجابة لأمر الله، وإن كان منهم ممن لا يشهدون صلاة الجماعة إلا أنهم يشهدون صلاة الجمعة، ونظام الأئمة كما هو معروف محكوم بنظام قديم يحتاج إلى تجديد، فهو يقوم على مبدأ المكافأة المقطوعة التي لا تخضع لنظام الخدمة المدنية، وبما أن الإمام هو الخطيب فهو إذن القدوة والمسؤول ومنبره منبر إرشادي، لاسيما ونحن في زمن الاتصالات الحديثة التي تساعد الخطيب على الحديث عن مشكلات المجتمع أو عن القصور المنتشر بين الناس في العبادات أو المعاملات بعيداً عن عمليات النسخ واللصق التي تقرأ من ورقة وهو ربما لا يعرف شرحها، أو ربما قيلت قبل قرون ولا تمت بصلة لهموم وحال مجتمعنا اليوم، بينما نحن لدينا مشكلات وقضايا كثيرة يتهربون منها ولا يصارحون الناس بها، ومنها على سبيل المثال المخدرات والحوادث المرورية وجرائم القتل والسرقات والبطالة والفساد والعنف الأسري واحترام نظافة الأماكن العامة إلخ، بل إن بعضهم يرى أبناءنا وقد تجاوزوا مرحلة الامتحانات هذا العام ومقبلون على الإجازة الصيفية وهو لا يتطرق إلى قضاياهم ولا يضع الحلول المناسبة لاستغلال وقت فراغهم، ولا يشير في خطبه إلى تحقيق أدنى هواياتهم من خلال الأسرة أو الأندية أو المراكز وغيرها، ونحن نرى في الوقت نفسه الإعلام مثلاً يستعد لشهر رمضان شهر الصوم والقرآن بإعلانات منمقة لمسلسلاته الحصرية وبرامجه الدعائية ومسابقاته الربوية وخطباؤنا يتحدثون عن مواضيع بعيدة عن هموم الناس وليست قريبة من حال شبابنا عُدة الحاضر وأمل المستقبل، حتى أن بعضهم يقول أعرف ما سيقوله الإمام، ولذا فلا غضاضة إذا رأيت معظم الشباب يجلسون في الصفوف الخلفية متكئين على الجدران كالنائمين لا يوقظهم إلا دعاء الإمام الأخير الذي يحفظونه، أو نداء إقامة الصلاة، وما بالك بعد بالمثقفين والدعاة والمتعلمين الذين يتمنون خطيباً حسن الهيئة مبتسماً لا متجهماً لا يلبس بشتاً ولا يقرأ من ورقة وتكون خطبته قصيرة ولا لبس فيها ولا تكرار، بعيدة عن الأخطاء اللغوية وخاصة تلك التي تغير المعنى، ولكن وهيهات! يقال: سُئل الحسن البصري عن الخطباء والوعاظ ما بال بعضهم تؤثر فينا موعظته بينما الآخر لا يهز منا شعرة؟ فقال: إذا خرج الكلام من القلب بلغ الجنان، وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان، وصفوة القول يا أيها الخطيب مهما كانت خطبتك قوية ومؤثرة فلن تدخل القلوب غالباً إذا لم تكن سليمة من الأخطاء النحوية. الغصن الأخير: في الوقت الذي تستعد فيه جوامع ومساجد الطائف لاستقبال شهر رمضان المبارك، أتذكر جامعنا جامع الأمير عبدالرحمن الذي هُدم قبل نصف عام وقد تزيد، ولم نكن نصدق أن بيتاً من بيوت الله سيُهدم لأي غرض كان خاصاً أو عاماً، لاسيما وأنه لا عيب فيه ولا خوف منه، وكيف أصبح الحي كاملاً بلا جامع، فلا هم تركوه للصلاة فيه طوال تلك الفترة، ولا هم الذين بدأوا في بنائه حتى كتابة هذا المقال، على الرغم من أن ذلك الجامع الذي ما زالت منارته الجميلة شاهدة على ذلك قد تم ترميمه وتكييفه وفرشه وكان كاملاً وكافياً، فإن كانت إدارة أوقاف محافظة الطائف الموقرة تعلم فتلك مصيبة، وإن كانت لا تعلم فالمصيبة أعظم، وللتبرير منتظرون!!

مشاركة :