عندما تأتي بعثة صندوق النقد الدولي إلى لندن لإجراء تقييمها الاقتصادي السنوي، فإن حكاية مطالبة الخبراء بأن تضرب الحكومة مفاصلها، وتدفع الوزراء إلى بذل قصارى جهدهم للرد على النقد، بات من باب رقصة أقرب إلى حد كبير من مجرد خرافة. في أكثر الأحيان، يكون وزراء المالية سعداء لتلقي مشورة صارمة من صندوق النقد الدولي، فهو ينسجم مع حججهم داخل الحكومة، ويوفر الغطاء الخارجي بالنسبة لهم، لمهاجمة المصالح الراسخة المحلية. كان الربيع الماضي مختلفاً. في ذلك الحين، كانت الأسطورة الشعبية حقيقية هذه المرة. جاء الصندوق إلى المدينة مع استنتاجه السياسي الرئيسي: ينبغي على المملكة المتحدة أن تبطئ من برنامج خفض العجز في ميزانيتها – وهو القرار الذي جاء أصلاً كالنقش في الحجر. مهما كان اللطف الذي تم فيه تسليم هذه الرسالة، فإن الأمر دائماً ما كان يتسبب بفضيحة. كان جورج أوزبورن يتألم بالفعل بعد أن قال أوليفييه بلانشار، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي: إن بريطانيا "تلعب بالنار" في حال فشلت في اتباع نصيحة الصندوق حول التقشف. واعترض وزير المالية على الأمر، وتجاهل صندوق النقد الدولي. بعد مرور عام، ليست هناك حاجة إشعال نار الحديث حول الموضوع على هذه الأرضية مرة أخرى، لأن صندوق النقد الدولي اعترف بأن تقييمه للعام الماضي كان معيباً. من المناسب تماماً المطالبة باعتذار تذلل عندما يسلم الصندوق حكمه يوم الجمعة، لكن دور صندوق النقد الدولي التقليدي في المساعدة على وضع إطار النقاش الاقتصادي المعقول لمستقبل بريطانيا، أكثر أهمية بكثير. مع الانتخابات العامة التي ستبدأ بعد أقل من عام، يمكن للصندوق أن يلعب دوراً حيوياً في مساعدة الأحزاب السياسية الرئيسية، على تقديم البيانات الرسمية المعقولة، التي تتجنب تعهدات للحفاظ على أسوأ ملامح الاقتصاد البريطاني. لن يشعر الجميع بالسعادة. المسائل الدستورية هي عش الدبابير، ولكن سيكون مصير جهود صندوق النقد الدولي الفشل إذا لم يوضح أن أكبر المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد البريطاني، ناتجة عن عدم اليقين بشأن الاحتمالين التوأم: استقلال اسكتلندا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في نطاق الاقتصاد الكلي، ينبغي على الصندوق توجيه القول بشكل واضح لبنك إنجلترا عن موعد رفع أسعار الفائدة، لكنه يحتاج إلى أن يشرح للجمهور أن أسعار الفائدة عند 0.5 في المائة، ليست بالشيء الذي ينبغي النظر إليه على أنه أمر عادي أبداً. من شأن ذلك أن يعطي لجنة السياسة النقدية مجالاً أكبر للمناورة. وبقدر ما يتعلق الأمر بالعجز في الميزانية - لا يزال 6.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013-2014- يمكن لصندوق النقد الدولي الآن أن يصطف وراء خطط الإنفاق الحكومي، والتي تمتد إلى 15-2016، على اعتبار أن معدلات النمو السنوي ستتجاوز 3 في المائة. وإذا اقترح صندوق النقد الدولي الحاجة إلى زيادة الضرائب كجزء من مزيج السياسات المستقبلية، في السنوات التي تعقب العامين 2015-2016، فإن من شأن ذلك أن يساعد جميع الأطراف السياسية، حيث لا تزال السياسة المالية العامة قادرة على الحركة. خارج نطاق الاقتصاد الكلي، فإن الموضوع المهم هو استدامة النمو ورفع الازدهار، الذي يمكن فيه لصندوق النقد الدولي تسليط الضوء على بعض الحقائق الداخلية الأكثر إلحاحاً. سوق الإسكان المختلة في بريطانيا هي الشاغل الأكثر إلحاحاً من الناحية الاجتماعية في هذا العصر، حيث إنها تعمل بدون ضرورة على حبس الفقراء والشباب في منازل ضيقة ومكلفة، وإخضاع الاقتصاد الأوسع لدورات الائتمان الخطرة. من المرجح أن ينصح صندوق النقد الدولي بتحديث تقديرات التقييم الذي اعتاد تحديد المعدل عند الضريبة التي يفرضها المجلس، أي الضريبة على الأملاك في بريطانيا. ويمكن أن يشير أيضاً إلى زيادة عبء الضرائب على الممتلكات في المنازل الأكثر تكلفة. صدر عن المفوضية الأوروبية ضوضاء مشابهة. هذا موضع ترحيب، ولكن يجب أن يكون مدعوماً من قبل توصيات لمعالجة الخلل الأساسي في سوق الإسكان في بريطانيا، ورفع القيود السخيفة على العرض والبناء في الأماكن التي يريد الناس أن يعيشوا فيها، في جميع أنحاء لندن وغيرها من المدن الكبيرة. إذا حكمت قيود التخطيط على العديد من أصحاب الدخول المتوسطة والعالية بالعيش في ظروف السكن السيئة، فإنها سوف توقف أيضا التحسينات الواضحة في البنى التحتية الحيوية في البلاد. مطار هيثرو، قد يفتتح محطة ركاب جميلة أخرى هذا الأسبوع، ولكن بهجته لن تعوّض الإحباط اليومي الناجم عن تأخير عمليات الهبوط، التي سببها نقص قدرات المدارج. بعد مهاجمة التخطيط، ينبغي على صندوق النقد الدولي تقديم رسالة رسمية ضد التلاعب مع عناصر النظام الضريبي، حيث يهم الاستقرار فيها لتحقيق تخطيط طويل الأجل من جانب الأسر والشركات. سواء كانت بدلات الاستثمار في الضريبة على الشركات أو إعفاءات على ضريبة المعاش أو سعر انبعاثات الكربون، تعتبر الحكومات عرضة لتلاعب سخيف. جزء كبير من هذه النصيحة يستهدف التفكير السائد في داخل وزارة المالية، ولكن السياسة والمصالح الخاصة تخنق النقاش العقلاني. ليست هناك حاجة إلى الاعتذار من صندوق النقد الدولي - ولكن إذا كان ذلك يساعد الصندوق على أن يتم الاستماع إليه في هذه القضايا التي تعتبر أكثر أهمية، فإن القليل من التذلل لن يكون في غير محله.
مشاركة :