إن قدرة أجهزة الكمبيوتر واسعة النطاق على تشغيل البرمجيات لا تقتصر على محاكاة أنماط التفكير البشري، بل تقوم في الواقع بالتعلّم والتفكير والتكيّف مع الأوضاع القائمة، وهذا يضع أمامها فرصا هائلة ومشاكل عديدة على حدّ سواء. وفي هذا الصدد، يكشف أدريان بريدجواتر عن مدى إمكانية أن تصبح أجهزة الكمبيوتر أكثر ذكاءً من البشر.أكدّت التطورات التي شهدتها صناعة التكنولوجيا العالمية أن الذكاء الاصطناعي بات أخيرًا واقعًا ملموسًا؛ فقد بدأت أجهزة الكمبيوتر في استيعاب الأمور بطريقةٍ مختلفة لا تقتصر على قدرة البرمجيات على «التعلّم» فحسب، بل تتعدّى ذلك للبدء في «التحليل المنطقي» وإصدار الأحكام بنفسها.وبالنظر إلى الفرص التي يتيحها لنا ذلك في سبيل المساعدة وتقديم الدعم في العديد من جوانب الحياة، أليس من المفترض أن تكون لدينا القدرة على الاستفادة من موارد الذكاء الاصطناعي في خدمة المصلحة العامة؟ أليس من المفترض أن تكون لدينا القدرة لتوجيه تركيز عمليات التفكير الحاسوبي نحو حلّ القضايا الإنسانية وتوفير حياة أفضل على كوكب الأرض؟ أليس من المفترض كذلك أن يساعدنا الذكاء الاصطناعي في إيجاد الأطفال المفقودين وحلّ مشاكل الجفاف وإنقاذ الأنواع البحرية المهددة بالانقراض؟الذكاء الاصطناعي وتأثيره على المستقبلأكّد تقرير عن التعلّم الآلي صادر عن الجمعية الملكية وتمّ نشره أخيرًا في لندن على انتشار أوجه استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية. وركّز التقرير أيضًا على السبل التي يمكن من خلالها للمجتمع الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتطوره في المستقبل، حيث يتم تحقيق فوائد كبيرة في مجالات مختلفة تشمل الرعاية الصحية.ويتمثّل التحدي الراهن الذي نواجهه في إقناع قطاع التكنولوجيا بالتوقف عن النظر إلى هوامش الربح الناتجة عن هذا المجال وبدء التركيز على القضايا الخيرية. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن شركة جوجل العملاقة تنفق ما يقدّر بحوالي 100 مليون دولار أميركي سنويًا على الأعمال الخيرية. كما شهد العام الماضي قيام شركة جوجل بعقد شراكة مع فيسبوك وأمازون وآي بي إم ومايكروسوفت تحت عنوان «الشراكة حول الذكاء الاصطناعي لفائدة الناس والمجتمع».وفي السياق نفسه، بدأ العمل على تطوير ما يُعرف باسم «البرمجيات المفيدة للمجتمع» والذكاء الاصطناعي، رغم كونها بداية بطيئة نسبيًا. ويعتقد الكثيرون أن الأهمية تكمن في رؤية الانفتاح في الأبحاث التي يتمّ إجراؤها في هذا الصدد وإضفاء طابع ديموقراطي عليها، الأمر الذي من شأنه المساهمة في النظر في مختلف المشاكل المجتمعية والتجارية وعلاجها تمامًا. وعلى الرغم من البيانات الضخمة المتاحة لدى جوجل وفيسبوك، إلا أنه لا تزال هناك نقاط غامضة، وبالتالي، فقد ينتج عن حصر عمليات تطوير الذكاء الاصطناعي بين مجموعة من الشركات العملاقة المعنية بتكنولوجيا المعلومات، تطوير نظام متحيز بطبيعته.قطاع الرعاية الصحيةيقول أوس إسماعيل، المؤسس المشارك لتطبيق «بيك للتوظيف» المعني بالتصدي لحقيقة أن حوالي 90 في المئة من الموظفين يتركون وظائفهم في غضون 18 شهرًا بسبب عدم التأقلم ثقافيًا مع بيئة العمل: «تشكّل المساعي المبذولة من أجل الخروج بالابتكارات التكنولوجية التجارية من سوق العمل والاستعانة بها في علاج المشاكل الإنسانية قضيةً استراتيجيةً حتميةً لجميع الشركات، لاسيما تلك التي تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي الناشئة».وأضاف معلّقا: «لقد أثبت قطاع الرعاية الصحية في العالم العربي نفسه باعتباره من أول القطاعات التي تبنت الذكاء الاصطناعي وأظهرت الإمكانات الكبيرة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي من خلال استخدام سماعات الواقع الافتراضي لتدريب المتخصصين الطبيين على التعامل مع سيناريوات فرز المرضى والتعامل مع إصاباتهم. ومن الطموحات العالية التي يمكننا تخيلها أن يصبح بمقدور التكنولوجيا قريبًا ربط العلامات الحيوية للمرضى بنظام الذكاء الاصطناعي وتشخيص حالاتهم عن بُعد مع تقديم خدمات الإسعاف إليهم».وفي هذا الصدد، يقترح إسماعيل الوقوف عند نقطة يمكن من خلالها تعزيز مهاراتنا البشرية باستخدام الذكاء الاصطناعي في حالات محددة.وفي مقال له على شبكة الممارسات الإنسانية (Humanitarian Practice Network)، قال الصحافي عبد الحق أميري: «في منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، يُنظر إلى المجتمع الإنساني الدولي والأمم المتحدة على أنهما خاضعان لسيطرة العالم الغربي، وبالتالي فهما لا يتمتعان بالخبرات الكافية للعمل في العالمين العربي والإسلامي، حيث تستند تقاليد العمل الإنساني إلى القيم الإسلامية المتمثلة في الأعمال الخيرية والزكاة وصلة الرحم».وربما تقودنا ثقافتنا وموقعنا الجغرافي إلى تطوير واعتماد نهجٍ مناسبٍ لدعم العمل الإنساني العربي مع الاستفادة من القدرات الإضافية التي باتت أجهزة الكمبيوتر تتمتع بها حاليًا. وربما يمكننا أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي وشبكة الإنترنت للوصول إلى المراكز العالمية لتحليل البيانات، على أن نحدد البيانات الضرورية لنا استنادًا إلى احتياجات الشعوب العربية ومتطلباتها المحددة. وربما يمكننا أيضًا تعزيز الالتزامات الدينية والأخلاقية المركزية للثقافة الشرق أوسطية، وذلك من أجل تقديم الدعم والمساعدة للجميع، بغض النظر عن عرقهم أو جنسهم أو عقيدتهم.أزمة غير تقليديةنظرًا للتحديات السياسية والاقتصادية الخاصة التي تواجهها منطقة الخليج العربي وبقية منطقة الشرق الأوسط، فبإمكاننا أن نتصور ظهور تطبيق جديد للذكاء الاصطناعي من شأنه التركيز على التغلب على التحديات الإنسانية الكبيرة والصغيرة على حدٍ سواء. وفي حين تميل البرامج الإنسانية التقليدية إلى التركيز على قضايا محددة، مثل القضاء على الجوع والأوبئة والهجرة البشرية، تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل بخدمات اجتماعية قوية وفعالة نسبيًا، حيث يتمتع العديد من الدول بالازدهار والرفاهية النسبية.وبالتالي، لابدّ لنا من توجيه محركات الذكاء الاصطناعي الإنسانية نحو مجالات، مثل تحليل ردود الأفعال على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من أجل دراسة ما يعبّر عنه السكان العرب في دعواتهم التالية للاحتجاج. وفي هذا الصدد، يشير صندوق النقد الدولي إلى أن منظومة التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتسم بعدم الفعالية وعدم المساواة بدرجة كبيرة، فهل يشكّل ذلك مشكلةً أخرى لابدّ من التصدي لها أيضًا؟وكما هو الحال بالنسبة لجميع الأدوات الهائلة من هذا النوع، غالبًا ما تترتب على هذه القوة العظيمة مسؤوليات أعظم. فعند البدء بتطبيق مبادرات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي واستخدامها في حلّ القضايا الإنسانية التي تواجه العالم العربي، لابدّ لنا أن نتذكر دائمًأ أن أجهزة الكمبيوتر تعمل وفقًا لبيانات وحسابات خوارزمية محددة. فقد ترى الآلة الأمور بصورة خاطئة، وجميعنا نعلم أن ما يُطلق عليها «الإيجابيات الزائفة» ستنطوي دائمًا على «نتائج خاطئة» تبدو وكأنها صحيحة في الظاهر.لقد أصبح وشيكاً البدء باستخدام أدوات التعلم والذكاء الاصطناعي غير البشرية من أجل حلّ المشاكل الإنسانية والتعامل مع كلّ ما يمت للإنسان بصلة. فلا يمكننا بناء عالم أفضل، ولو حتّى من الناحية النظرية، إلّا عندما نستخدم الذكاء الاصطناعي لدراسة السلوكيات الاجتماعية بأعلى مستوى ممكن.* متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا
مشاركة :