العودة إلى الفجيرة، وذكريات المحل الأول، حاجة ضرورية، ومحطة تتخطى مدلول الزيارة الرمضانية، بالنسبة للدكتور سليمان الجاسم، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمناء، في مؤسسة العويس الثقافية، حيث نشأ وترعرع وقضى عقوداً زاهية في العطاء والمسؤولية، في تلك الإمارة قبل أن يستقر، الآن، في دبي، لكنه مع أسفاره الخارجية المتعددة والمتتالية، يبقى واحداً من أكثر العابرين للطريق الداخلي الذي يفصل بين الإمارتين، دبي والفجيرة، ذهاباً وإياباً. - «رمضان فرصة لنعود لأصحاب الفضائل علينا فنزداد في ودهم ووصالهم». - «يمر بأيامه الـ30 وكأنه لم يلبث فينا سوى أيام قلائل أو سويعات». - « كنوز الموروث الثقافي في الفجيرة بحاجة ماسة إلى أرشفتها وجمعها». «قلعة الفجيرة» هي من أبرز الأماكن الأثيرة والملهمة لدى الجاسم، الذي عاصر حقب مختلفة من تاريخ الفجيرة، قبل وبعد الاتحاد، حتى إنه خبر دروبها، وعرف مسالكها المتعددة عبر ذاكرة عشقت المكان وتفاعلت معه بكل مكوناته، لينظر إلى هذه القلعة بمفهوم يتجاوز «الحصن» الدفاعي، ويتخطاه إلى الحصن والمظلة الثقافية والفنية الجامعة. من هنا فإن السؤال عن خصوصية الشهر الفضيل لدى الجاسم يعني في جانب منه الإحالة إلى خصوصية المكان، من جهة، وتجاوزه من جهة أخرى، حيث تنقل الجاسم في مسيرته العملية، بين محطات متنوّعة، سواء في المجال التربوي والتعليمي أوالدبلوماسي، والثقافي، ومديراً للديوان الأميري بالفجيرة، ومديراً لجامعة زايد، ووزير الدولة المفوض في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية، وغيرها. وفي ما يتعلق بخصوصية نشاطه خلال شهر رمضان المبارك، قال الجاسم لـ«الإمارات اليوم»: «الشهر الفضيل هو النافذة التي نعود فيها لأصحاب الفضائل علينا، فنزداد في ودهم ووصالهم، في حين تبقى مجالسه العامرة بمثابة الزاد الروحي، والمعين الفكري، الذي يؤثر في قناعاتنا ترسيخاً وثراءً». وتابع: «أحرص في رمضان على زيارة مجالس أصحاب السموّ حكام الإمارات، وشيوخنا الأكارم، ومجالس الشخصيات الاجتماعية والثقافية التي نفخر بها، حيث تحفل دوماً تلك المجالس بكل مفيد ومحرض على صيرورة التنمية، سواء الذاتية للفرد، أو المجتمعية للوطن». وأضاف: «هذه هي عادتي الرمضانية الأبرز، وأعني بها زيارة المجالس الرمضانية، وفيها نلتقي بشخصيات، بعضها قد يمر رمضان إلى رمضان دون أن نظفر بلقائه، لتشكل هذه المجالس في حد ذاتها، فرصة لود أصدقاء ومعارف وشخصيات عديدة». «احتفاليات رمضان»، حسب تعبير الجاسم أيضاً واحدة من المظاهر والطقوس التي يحرص عليها خلال الشهر الفضيل، «البرامج الدينية التي تفردها المراكز الثقافية والمساجد تبقى فرصة لمضاعفة الزاد الروحي، وهو بُعد تلعب فيه الثقافة أيضاً دوراً رئيساً، لنعايش جماليات تطويع الثقافة لتغذية هذا الجانب المهم في تكوين الفرد والمجتمع». وهكذا ما بين النشاط الاجتماعي، والزاد الروحي، وصلة الأرحام، والتردد على الأماكن المثيرة للحنين، تنقضي أيام الشهر الفضيل، حيث يضيف الجاسم: «يمر رمضان بأيامه الـ30، وكأنه لم يلبث فينا سوى أيام قلائل لا تتجاوز أسبوعاً، أو ربما سويعات سريعة النفاد، ليكون تساؤلنا جميعاً في يومه الأخير: هل حقيقة مر رمضان وطاف». «قلعة الفجيرة» من أبرز الأماكن الأثيرة والملهمة لدى الجاسم، الذي عاصر حقب مختلفة من تاريخ الفجيرة، قبل وبعد الاتحاد، حتى أنه خبر دروبها، وعرف مسالكها المتعددة، عبر ذاكرة عشقت المكان وتفاعلت معه بكل مكوناته، لينظر إلى هذه القلعة بمفهوم يتجاوز «الحصن» الدفاعي، ويتخطاه إلى الحصن والمظلة الثقافية والفنية الجامعة. ويعود الجاسم الى ماضي الفجيرة غير البعيد، ليشير إلى أن «المبادرة الرسمية الاتحادية الأولى في المجال الثقافي كانت عام 1976، من خلال الموسم الثقافي الذي كان عبارة عن لقاء موسمي يستقطب المفكرين والأدباء والسياسيين، بالتنسيق حينها مع وزارة الإعلام والثقافة وديوان الرئاسة ووزارة الخارجية.. لتستقطب الفجيرة آنذاك زيارات لكتّاب ومفكرين، وحتى ساسة مهمين». ويرى الجاسم، الذي تقلد سابقاً منصب مدير الديوان الأميري بالفجيرة، أن «موقع الإمارة العبقري والخلاب وإطلالتها الفريدة على شواطئ الخليج.. كان لها الأثر في زخم قاعة الديوان الأميري بنشاط ثقافي حافل». ويؤكد الجاسم أن «الكنوز التي ترتبط بالموروث الثقافي الذي تزخر به الفجيرة، بحاجة ماسة إلى جهود أرشفتها وجمعها، وتقديمها إلى الأجيال المعاصرة، في قالب معاصر، لاسيما أن تلك الكنوز تبدو معرضة للضياع، بتوالي الأجيال». ويرتبط اسم الجاسم أيضاً بتأسيس مسرح الفجيرة الوطني، ليصبح رئيساً فخرياً له في عام 1977، وحينها كان عرض مسرحية «كاسك يا وطن» للفنان السوري دريد لحام، بمثابة تظاهرة ثقافية لا ينساها أهل الفجيرة، الذين غصت بالكثيرين منهم قاعة مسرح الفجيرة الوطني.. فكان مسرح الفجيرة بمثابة منارة ثقافية حينها يلتف حولها الجمهور. ولدى الجاسم تجربتان مسرحيتان رائدتان، هما «سبعة صفر»، و«غلط في غلط»، حيث تعدّ الأولى محاولة لكتابة عمل مسرحي يستلهم روح الاتحاد، في حين تعدّ «غلط في غلط» بمثابة نقد لواقع سياسي عربي سائد، وهي المسرحية التي حظيت برؤيتين إخراجيتين الأولى للفنان عبدالله المناعي، والثانية للفنان عبدالله الأستاذ، ليبقى النبأ السار في هذا الاطار هو أن خيار العودة للكتابة للمسرح، لايزال قائماً لدى الجاسم، على الرغم من مرور أكثر من عقدين على عرض آخر كتاباته. وكما أن الولد سر أبيه، فإن الابنة أيضاً سر أبيها، بشكل عملي بالنسبة للجاسم، حيث تخوض كريمته (علياء)، تجربة، سبقها إليها، في المجلس الوطني الاتحادي، لتنضم إلى عضوية المجلس الموقر الحالي، في تجربة تحظى ولاتزال بدعمه وتشجيعه.
مشاركة :