تعد آراء الناقد والكاتب السعودي سعيد السريحي علامة فارقة في المشهد الثقافي، إذ عرفته الحركة الثقافية في السعودية كأحد وجوهها التي لا يمكن تجاهلها. ولا يزال السريحي شاهداً على حقبة ثقافية مهمة تشهدها المملكة، وهنا نطرح عليه بعض الاتهامات التي تدور حوله خلال مسيرته الثقافية، نفى السريحي بعضها، وصادق على الأخرى، فإليكم نص الحوار:• يؤكد علي العميم أنك لست من رواد الحداثة، وإنما ريادتك مع الدكتور عبدالله الغذامي في نقد البنيوية، ما رأيك؟•• لست أزعم الريادة في أي مضمار من المضامير، بل إنني أنفي مفهوم الريادة عن أي شخص كان، الحداثة حركة، والحركة ليس لها رواد، إنما هي موجة تستمر عبر الأجيال، تخفت حينا، وتصعد حينا آخر، وما حدث هو نوع من الكتلة التاريخية التي تضافرت للقيام بما نهضت به الحداثة، كنا نقادا وشعراء وقصاصين وإعلاميين وإداريين في الأندية نتضافر لحمل هذه الموجة على أكتافنا، وكل من يدعي الريادة فيها، فهو ينسب لنفسه ما ليس له.• هل تقصد الدكتور عبدالله الغذامي عندما كتب عن تجربته مع الحداثة؟•• أقصد كل من يرى في نفسه أنه الرائد في هذا المجال.• يصفك بعض النقاد بـ«الندواتي»، أي أنك تفرغت لتقديم الندوات، وقبول الدعوات، حتى إن البعض يذهب إلى أنك لا تعتذر عن ندوة، وتتحدث في شتى المجالات؟•• بدءاً أنا أخجل من أن أعتذر من جهة وثقت بي ووجهت لي الدعوة، وأخجل من أن ينتظرني قوم فأعتذر عن أن ألتقيهم، ثم ما الذي تحدثت به، هل تحدث في الطب، أم تحدثت في الجيولوجيا، أم لعلي سهوت وتحدثت في الهندسة. أتحدث في ما يتصل بحق للمعرفة أنى كان مضمارها، فأنا رجل يشتغل على الخطاب في تجلياته المختلفة التي تتبدى لمن لا يعرف معنى الخطاب أنها مختلفة، بينما هي متجانسة.• البعض يرى أنك كرّست الثبيتي لأنك تحبه، حتى إن بعض المثقفين يطلقون عليها «جناية السريحي»، ما رأيك في هذا الاتهام؟•• إن يكن ذلك حقا، فهو شرف لا أدعيه، وتهمة لا أنكرها، ومن لم يتكرس لديه الثبيتي، بالتضاريس، وبالتغريبة، وبما تلاها من شعره، فليس بحاجة إلى السريحي أو سواه كي يدرك أن الثبيتي هو الشاعر الذي انتظرناه ألف عام كي يجيء.• الحلقة النقدية التي تترأسها في «أدبي جدة»، يرى بعض المثقفين أنها مغلقة، ويغلب عليها الطابع الأكاديمي، كونها لا تعدو أكثر من ورش عمل لأوراق بحثية؟•• إذا كانت الحلقة النقدية تقدم مشاريع كتب أو مشاريع تليق بأن تكون دراسات أكاديمية، فتلك ميزة للحلقة النقدية، نسعى أن نقدم علما وليس فضفضة حديث حول طاولة يتفرغ لها بعض القوم في بعض أوقاتهم، أما أننا نلفظ الآخرين فهذا ادعاء، نحن نأخذ أنفسنا بنظام شديد القسوة، أن تكون الورقة المقدمة مطروحة بين أيدي الباحثين والدارسين والحضور قبل إلقائها بوقت كاف، كي يكتبوا مداخلاتهم، ولذلك نلزم ضيفنا أن يبعث إلينا الورقة، ونلزم أنفسنا بأن نكتب مداخلاتنا على الورقة، فمن استجاب لما اشترطته الحلقة النقدية لهذا الشرط، فأهلا وسهلا، ومن لم يلتزم، فله الحق أن يعقب على الورقة بعد أن يفرغ الذين أعطوا الورقة حقها من الدرس.• بعد اجتماعكم مع وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد أخيرا في أدبي جدة، هل ثمة تفاؤل يعتري الساحة الثقافية، أم أنها لا تتخطى البروتوكولات؟•• أعتقد أن أول النجاحات هي أننا تخطينا المرحلة السابقة التي كانت ركاماً من الفشل، الأمر الآخر آنست في حديث الدكتور عواد العواد رجلا صادقا، خصوصا حينما يتحدث عن استقلال العمل الثقافي، ومسؤولية الأدباء عما يصنعون، وثقته فيهم، وتحقق ذلك في استجابته المباشرة، والتي تمثلت في مراجعة اللائحة، وإيقاف كل ما كان يترتب على اللائحة القديمة من انتخابات الأندية الأدبية.• ضمن اللجنة الجديدة، الناقد حسين بافقيه الذي تولى إدارة الأندية الأدبية وترأس لجنة إعادة صياغة لائحة الأندية الأدبية سابقا، ولكنه استقال في ما بعد، ما رأيك في وجود اسمه وبعض الأسماء الأكاديمية التي تواجه نقدا لاذعا خلال رئاستها بعض الأندية الأدبية؟•• دعوني أوضح أمرا، حينما تولى حسين بافقيه إدارة الأندية الأدبية، صدر في أعقاب ذلك قرارا من وزير الثقافة والإعلام آنذاك، بإضافة أربعة أشخاص لمراجعة اللائحة ورفعها إلى الوزير، هم حسين بافقيه، عبدالله الوشمي، محمد العباس، وسعيد السريحي. وقبل أن يجتمع هؤلاء الأربعة في اللجنة، أعلنت اللجنة فراغها من اللائحة، ورفعها إلى الوزير، فكتب حسين بافقيه آنذاك للوزير أننا لم نمكن من المشاركة في التعديل، فأوقف الوزير اللائحة ووجه بوضعها على موقع الوزارة لاستمزاج رأي المثقفين فيها، وظلت كذلك، حتى خرج حسين بافقيه من إدارة الأندية الأدبية، بل ظلت كذلك حتى غادر الوزير الدكتور عبدالعزيز خوجة الوزارة، وصدرت اللائحة بعد ذلك في عهد الوزير الذي لحق به.وليس هناك من لم ينتقد، ولعل تجربتهم مثمرة حينما يراجعون هذه اللائحة حينما استفادوا منها وانكووا بويلاتها، نحتاج أن نتأنى قليلا بالحكم لهم أو عليهم ريثما نتوصل إلى ما سيصنعونه باللائحة، وقد قلت في تغريدة قبل أيام «إن لم تفلح هذه اللجنة في مراجعة اللائحة فعلى الأندية الأدبية السلام».• يرى البعض أن النقاد مبدعون فشلوا، هل فشلت شعرياً؟•• أحمد الله أنني فشلت شعريا لكي لا أنضم إلى طابور من لا يضيفون إلى الشعر شيئا، وأما إذا كان الفشل هو الطريق إلى أن يصنع من الإنسان ناقدا، فأنعم به من طريق.• يؤكد كثيرون أن صفة «المفكر» قد تنعدم في السعودية، هل يوجد لدينا «مفكر»، ومن هو؟•• عرف لي المفكر، كي أستطيع أن أقول هل يوجد لدينا مفكر أم لا يوجد لدينا مفكر، والتصنيفات هذه «هذا مفكر، وهذا ناقد»، هذه تصنيفات لا تتحدد في أذهان من يطلقونها، وأعتقد أن صفة المفكر صفة من يعمل على النظرية منفصلا عن تطبيقاته، المفكر الذي يجد له من الأتباع والمتابعين من يترجم نظرياته وآراءه وأفكاره إلى برامج عمل، ونظريات للتطبيق، ومناهج، فأعتقد إذا ما أخذنا مفهوم المفكر بمفهومه القيم والقويم، فإننا سنتريث كثيراً في إطلاق صفة «مفكر» على كثير ممن يطلق عليهم هذا الوصف.• وماذا عن وجود هذه الصفة التي تطلقها البرامج التلفزيونية على بعض المثقفين؟•• أعتقد أنه من السهل أن نطلق صفة المفكر، فالمفكر يحتاج إلى سياقات اجتماعية وفلسفية وثقافية عامة لكي يتحقق، ولكن في البرامج التلفزيونية، لعله من باب التحبب والتكبير.• يتهمك البعض بالتحزّب في فترات سابقة، إذ وثقت مقاطع يوتيوبية قديمة قولك لأحد المتداخلين «هل أنت معنا أم ضدنا»، هل تبدل خطابكم بعد مضي هذه السنوات؟.•• لم أكن متحزبا قط، ولكني كنت مؤمنا بما أقول، وكنت منتميا بما أؤمن به، كنت وما زلت أرى من حق الإنسان أن يكون كما يشاء غير مداهن أو مغمض العينين، ولم أكن قط بهذا التحزب، ولك أن تبحث عن صاحب الكلمة الشهيرة «إما أن تكون حداثياً أو لا تكون مثقفاً قط».
مشاركة :