أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مطلع شهر يونيو الجاري على تنفيذ أحد وعوده إبان حملته الانتخابية؛ إذ تعهد بأن يتخذ خطوات تهدف إلى مساعدة صناعتي الفحم والنفط في بلاده، وقد تمثل ذلك في قرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس لمكافحة التغير المناخي، مثيرًا بذلك ردود فعل واسعة حول مستقبل الاتفاقية، وعلاقات واشنطن بدول العالم، وخصوصًا الدول الصناعية الكبرى. ويقول المعارضون لانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس إن ذلك يعبِّر عن سياسة العزلة والانكفاء عن قيادة الولايات المتحدة للعالم في مواجهة أحد التحديات الرئيسية «وتلزم اتفاقية باريس (ديسمبر 2015) الولايات المتحدة و187 بلدًا آخر من بينها المملكة بالحفاظ على درجات حرارة الأرض من مستوى 3.66 فهرنهايت فوق المستوى الذي كانت عليه في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية لتقليلها إلى مستوى أكثر منه، وهو 1.5 درجة مئوية». ودعم القادة الجمهوريون في الكونغرس وصناعة الفحم الأمريكية هذه الخطوة، وأعلن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل دعمه لترامب «في توجيهه ضربة مهمة أخرى لاعتداء إدارة أوباما على أعمال وإنتاج قطاع الطاقة المحلي». في حين وصف زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر القرار بأنه «إحدى أسوأ خطوات رسم السياسة التي اتخذت في القرن الواحد والعشرين، بسبب ضرره الهائل على اقتصادنا وبيئتنا وموقفنا الجيوبولتيكي». على صعيد آخر، أصدر قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا بيانًا مشتركًا، يرفض التفاوض على الاتفاقية من جديد، وعبَّرت كندا عن «خيبتها الشديدة» لقرار الرئيس ترامب، بحسب تصريح وزيرة البيئة الكندية كاثرين ماكينا للصحفيين، كما عبرت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي أيضًا عن خيبة أملها، وأبلغت الرئيس ترامب في اتصال هاتفي بأن الاتفاقية تحمي رخاء وأمن الأجيال المستقبلية. ولا شك أن انسحاب الولايات المتحدة سيجعل من الصعب على العالم التوصل إلى الأهداف التي حددها لنفسه في اتفاقية باريس؛ فالولايات المتحدة تسهم بنسبة نحو 15 في المئة من انبعاثات الكاربون في العالم. لقد شهدت السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام بدراسة العلاقة العضوية والمباشرة بين أساليب وأنماط التنمية الجارية في المجتمعات الإنسانية المختلفة «المتقدمة منها والمتخلفة على حد سواء»، والمحيط البيئي وانعكاساته على طبيعة ومستوى التطور الجاري على صعيد نوعية الحياة ونوعية البيئة الحاضنة لها. وقد احتلت قضايا البيئة والتنمية الصدارة في اهتمام العلماء والباحثين والخبراء ورجال السياسة والفكر والاقتصاد، ولأول مرة في التاريخ نشهد انبثاق وتشكل حركات ومنظمات اجتماعية وحقوقية وسياسية، تتمحور برامجها وأهدافها حول البيئة وضرورة الحفاظ على مقوماتها الطبيعية، ورفض أية إجراءات قد تعرض التوازن البيئي أو الحياة الحيوانية والنباتية والإنسان للخطر. البيئة هي مكونات العالم الخارجي المحيط بالإنسان من هواء وماء وأرض وما يحيط به من كائنات حية، أو من جماد.. وأهم ما يميز البيئة الطبيعية هو ذلك التوازن الدقيق بين عناصرها، الذي يطلق عليه النظام البيئي الذي يتكون من أربعة عناصر رئيسية، هي عناصر الإنتاج وعناصر الاستهلاك وعناصر التحلل والعناصر الطبيعية الجامدة (غير الحية). ويمثل الإنسان أهم العوامل في هذا النظام البيئي؛ لأنه يعتبر أهم العناصر المستهلكة التي تعيش على كوكبنا الأرضي؛ وهو بالتالي أكثر العوامل والعناصر قدرة على التدخل في التوازن البيئي، وقد أفسد بتدخله هذا التوازن تمامًا بفعل التقدم الصناعي، وظهور أصناف من المواد الكيماوية التي لم تكن البيئة تعرفها من قبل، مثل الغازات المتسربة من مداخن المصانع وعوادم السيارات والنفايات الكيماوية السامة في البحيرات والأنهار والبحار، واستخدام المبيدات الحشرية والمخصبات وبيوت الحماية في الزراعة؛ الأمر الذي أدى إلى تلوث الهواء والتربة والماء. وأدى نمط الإنتاج المعاصر إلى تجريد الأراضي من الغابات والأحراش، وانقراض أعداد متزايدة من الحيوانات والنباتات. وقد ساعد استخدام الوقود من الفحم (حجري أو خشبي) والغاز والبترول والمصانع والمجمعات البتروكيماوية ومحطات الكهرباء والتحلية والاستخدام المتزايد للهندسة الوراثية (الجينات) وتطبيقاتها على النبات والحيوان في تفاقم تدهور البيئة، واستفحال ظاهرة الاحتباس الحراري. وتعتبر الملوثات الإشعاعية والمخلفات النووية من أخطر أنواع التلوث المعروفة نظرًا للأثر التدميري الهائل الناجم عنها (مثال كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبيل في 1986م). وفي الواقع يتحمل نمط الإنتاج المعاصر رالمسؤولية الأساسية في تفاقم مشكلات البيئة مدفوعًا بمعايير السوق والجشع. السؤال المطروح هنا هو: ماذا يعني كل ذلك؟ هل علينا أن نغفل مناحي التطور والنمو التي تهدد حياة ومستقبل الإنسانية؟ أم أن هناك مخرجًا ومنحى آخر؟ هناك اعتقاد متزايد في العالم، وبخاصة من قبل المفكرين وعلماء الاقتصاد والإنسانية، إلا أن هذا الطراز من النمو يعني الانتحار الجماعي للبشرية، وأنه لا بد من البحث عن إمكانيات ومخارج عديدة أخرى. الشيء الأكيد أن إنسان الحضارة الغربية المعاصرة أصبح ذا بعد واحد، والبعد الواحد يعني الإنتاج من أجل الإنتاج، والاستهلاك من أجل الاستهلاك، في حلقة مفرغة عبثية. البشرية تحتاج إلى طراز آخر للنمو، وإلى إنسان ذي أبعاد مختلفة عديدة، يقيم علاقاته مع المحيط والطبيعة على أساس المشاركة والحب وليس الاستحواذ والعدوانية.
مشاركة :