هل يصمد بشار الأسد حتى عام 2021؟

  • 6/7/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي كل المؤشرات السياسية كانت تشجع على الاعتقاد بأن بشار الأسد سيخوض معركة الرئاسة ليستمر في حكم سورية. وقد لمَّح مراراً الى قرار تجديد ولايته سبع سنوات إضافية، مشترطاً موافقة الشعب السوري وتأييده. وتزامن هذا التلميح مع إقرار مجلس الشعب المواد المتعلقة بانتخاب السوريين غير المقيمين على الأراضي السورية، والذين تشملهم المواد من 105 الى 117. أي المواد التي تخوِّل المواطن حق الاقتراع بواسطة جواز سفره العادي والممهور بختم الأمن العام من أي مخرج حدودي سوري. وقدّرت اللجان الانتخابية عدد النازحين في دول الجوار، مثل لبنان والأردن وتركيا والعراق، بأكثر من خمسة ملايين نسمة من أصل 22 مليون نسمة. إضافة الى آلاف المحاربين الذين غادروا البلاد وانتهت فترة صلاحية جوازاتهم. وكان الغرض من إقرار تلك المواد إقصاء معارضي النظام وإغماطهم حقهم الانتخابي. علماً أن المبعوث الأممي الى سورية، الأخضر الابراهيمي، كان قد حذر من عواقب إجراء انتخابات رئاسية، مؤكداً أن حصولها سينسف مفاوضات السلام. وقد أيّده في هذا التصور أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي. وحجة المعترضين في هذا المجال أن الفوضى العارمة التي تجتاح غالبية المدن السورية تجعل من انتخابات الرئاسة عملاً غير شرعي وغير ديموقراطي ومن دون صدقية. ولكن الدول المتعاطفة مع نظام الأسد، مثل ايران وروسيا والصين، دعمت قرار إجراء انتخابات الرئاسة، لأنها - في نظرها - تمنح حليفها حصانة إضافية يوظفها لتأكيد شرعيته. ومن جهة أخرى، فإن روسيا بالذات ستتسلح بتلك الشرعية كي تمنع الأمم المتحدة من ممارسة ضغوطها السياسية لحرمان موسكو من استخدام حق الفيتو. وهو الحق الذي استعمله سفيرها وسفير بكين في المنظمة الدولية من أجل إنقاذ الأسد من عقوبات صارمة. في هذا السياق، قامت الأسبوع الماضي «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» بإصدار بيان مفصَّل تظهر فيه المخالفات القانونية والارتكابات الانسانية التي تلغي عن انتخابات الأسد صفة الشرعية. وقالت إن النظام يعتقل أكثر من 215 ألف سجين، وإنه استعمل السلاح الكيماوي أكثر من 52 مرة، إضافة الى استخدامه القنابل العنقودية والبراميل المتفجرة وصواريخ سكود. وذكّرت الشبكة بالمبادرة التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005، والتي تنصّ على الآتي: «عندما تفشل الدول في حماية مواطنيها من الإبادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الانسانية... فإن مسؤولية حماية المواطنين تنتقل الى المجتمع الدولي». وكان الهدف من التذكير بتلك المبادرة الحصول على مشروع قرار بإحالة بشار الأسد الى المحكمة الجنائية في لاهاي، باعتباره خالف القسم الذي يجعل منه حامياً لأمن البلاد وسلامة العباد. ومع أن الحالات التي عددتها المبادرة تنطبق على أوضاع النظام السوري وفشله في حماية المواطنين، إلا أن الأسد تنصَّل من واجبه ومسؤولياته، واتهم الارهابيين بافتعال الحرب الأهلية. وقد عبَّر الرئيس الأسد، السبت الماضي، عن امتنانه لروسيا كونها استخدمت حق النقض (الفيتو) لإلغاء مشروع قرار يقضي بإحالة ملف سورية الى المحكمة الجنائية الدولية. كما شكر الوفد الروسي الذي زار دمشق قبل الانتخابات، ومنح النظام مساعدة بمبلغ 240 مليون يورو. ومع أن صحيفة «كومرسانت» الروسية ذكرت بأن المنحة ستخصص لتدابير ومساعدات اجتماعية... إلا أن الوقائع تؤكد أن هذا المبلغ صُرِف على الحملة الانتخابية، داخلياً وخارجياً. ووفق التقرير الأخير الذي نشره صندوق النقد الدولي، فإن سورية فقدت أربعين في المئة من إنتاجها الوطني خلال سنوات الحرب. ويقدر التقرير أن الأضرار التي لحقت بالمباني الحكومية والخاصة زادت عن 144 بليون دولار. في حين وصل الدين العام الى 126 في المئة من الناتج القومي. ويشير التقرير أيضاً الى أن ما نسبته 80 في المئة من مجموع الشركات الصناعية قد تعرض للأذى والدمار. وكان من نتيجة الحرب تعطيل 60 ألف منشأة صناعية من أصل 100 ألف. إضافة الى هذه الحقائق، فإن هناك أكثر من 11 مليون نسمة فقدوا مصادر رزقهم. وكنتيجة لذلك، حصل تمزق خطير في النسيج الاجتماعي بعدما انتقل نصف المواطنين من مساكنهم وأحيائهم الأصلية الى أماكن أخرى. زعماء المعارضة السورية يتحدثون دائماً عن الفجوة الوسيعة بين المساعدات التي يتلقاها النظام من حلفائه الايرانيين والروس والعراقيين... والمساعدات المحدودة التي يتلقونها من الدول المتعاطفة معهم. وقد عبَّر وزير الخارجية الاميركي جون كيري عن العجز الذي تعانيه الدول المانحة ولو على الصعيد الانساني، بقوله: «نحن محبَطون». أما على الصعيد العسكري، فقد أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن الرئيس باراك اوباما أقرَّ خطة تدريبات واسعة بإشراف الـ «سي آي اي» لثوار جدد. ولكنه ما زال متردداً بشأن منح هؤلاء الثوار سلاحاً نوعياً بهدف وقف الهجمات الفتاكة من الجو التي يقوم بها النظام. ويتردد في واشنطن أن الجدل القائم داخل الادارة الاميركية يرتكز على طبيعة خطة التدريبات، وما إذا كان من الأفضل إعلانها أو الحفاظ على سريتها. ويبدو أن الجدل تحوَّل من موضوع عسكري الى موضوع سياسي، بدليل أن الادارة لا تريد إظهار دورها العسكري لئلا تُغضِب روسيا والصين. في المرحلة الأخيرة، تظاهرت إدارة اوباما بأن انتخاب الأسد لسبع سنوات جديدة لا يبدل موقفها من قرار إسقاطه. ولكن كيف؟ بعد فشل الوزير جون كيري في إيجاد حل مرضٍ، طلب من السفير السابق في سورية روبرت فورد... ومن خلفه دانيال روبنشتاين، تقديم مطالعة بهذا الشأن. وتحفظ فورد في أجوبته، مشيراً الى أن الأسد في المرحلة المقبلة سيعتمد أكثر فأكثر على مقاتلي «حزب الله» اللبناني و «فيلق القدس» الايراني، والميليشيات العراقية. لهذا نصح زعماء المعارضة بضرورة التأقلم مع المتغيرات في استراتيجية النظام بحيث يخففون من اهتمامهم بالسيطرة على الأرض، ويستهدفون حلفاء الأسد وطرق إمداداتهم. وفي نهاية مطالعته، نصح بأن يكون الحل سياسياً لا عسكرياً. أما السفير الاميركي الجديد في دمشق دانيال روبنشتاين فقد عرض على الحاضرين نتائج رحلته الى تركيا والأردن وفرنسا حيث اجتمع بزعماء المعارضة السورية. ومن خلال المحادثات المطولة التي أجراها معهم، نصح الادارة بضرورة دعم القوى المعتدلة والتصدي للأزمة الانسانية في لبنان والأردن وتركيا. كذلك شدد روبنشتاين على أهمية تدمير كامل الأسلحة الكيماوية التي يملكها النظام السوري. وقال إن دمشق لم تنفذ وعودها، واكتفت بإزالة ثلث ما لديها فقط. وعليه دعا الى نقل جميع المواد الكيماوية المتبقية الى ميناء اللاذقية لتسهيل إزالتها من طريق البحر. وفي ختام عرضه، قال إن الأسد تأخر في تنفيذ التزاماته بشأن الأسلحة الفتاكة خوفاً من ازدياد خطر المعارضة، الأمر الذي يجبره على استعمالها مرة أخرى. في الخطاب الذي ألقاه في أكاديمية «وست بوينت» العسكرية، قال الرئيس اوباما إنه سيطلب من الكونغرس زيادة الدعم للمعارضة السورية المعتدلة التي تشكل أفضل بديل للارهابيين والديكتاتور الوحشي! وقال خبراء إن الخطاب لم يكن حاسماً في ما يتعلق بحجم الدعم الذي سيقدم للمعارضة، وخصوصاً «الجيش الحر». وهل إن القرار يشمل الدعم العسكري النوعي، أم أنه مجرد دعم ديبلوماسي، ومساعدات عسكرية جزئية لا تنجح سوى في إطالة أمد النزاع؟ وفي تفسير آخر، يقول محللون إن خطاب الرئيس تضمّن الكثير من التناقضات حول تحديد هدف المساعدات. فإذا كانت الحرب ضد «القاعدة» في البؤرة المستهدَفة الآن، فإن نتائجها ستفيد حتماً نظام الأسد الذي يسعى الى التغلب على «القاعدة» وأخواتها. وإذا كانت الحرب تستهدف نظام الأسد، فإن تسليم 20 صاروخاً الى حركة «حزم» لن تكون كافية لحسم المعارك، خصوصاً أن الصواريخ هي من النوع المضاد للدبابات وليس للطائرات! ومثل هذا الإشكال يقود الى استنتاج واضح، خلاصته أن اوباما لا يريد إنهاء الحرب في سورية... ولا يريد إسقاط نظام الأسد. ولو كانت هذه نيته لكان نفذ هجومه العسكري فور إعلان الاستنفار، من دون أن يترك لشريكه المضلل بوتين تسليم السلاح الكيماوي السوري كثمن للتراجع عن تسديد ضربة لا يريدها. إذاً، ماذا يريد اوباما؟ الجواب عند اسرائيل التي تفضِّل أن تبقى جارتها سورية أسيرة توازن الفوضى بحيث لا ينتصر النظام، ولا تهزم الميليشيات المعارضة. ومثل هذه المراوحة تبقي ايران والعراق و «حزب الله» وروسيا في حال استنفار دائم. كما تبقي الساحة السورية في حال استنزاف متواصلة تنتهي في آخر الأمر الى تقسيم البلاد وإرهاق العباد. ولكن، هل يستطيع الرئيس المنتَخَب مجدداً بشار الأسد الصمود حتى منتصف عام 2021؟ في حديثها الأسبوعي الأخير، قالت ماري هارف، المتحدثة باسم الخارجية الاميركية، إن واشنطن ستسمح بفتح مكاتب للائتلاف السوري المعارض. علماً أن هذه الخطوة لا تمثل اعترافاً من الولايات المتحدة بأن الائتلاف المعارض هو... الحكومة السورية. وزادت هارف تقول: «هذه الخطوة تمثل انعكاساً لشراكتنا مع الائتلاف كممثل شرعي للشعب السوري. والمكاتب الديبلوماسية لا علاقة لها بطرد سفير النظام السوري من البلاد». ومعنى هذا باختصار شديد: ان الادارة الاميركية هي مع شرعية المعارضة... من دون أن تكون ضد شرعية الحكومة التي سيختارها قريباً الرئيس بشار الأسد. ورحم الله الحاج حسين العويني، صاحب نظرية: هيك... وهيك!     * كاتب وصحافي لبناني

مشاركة :