النسخة: الورقية - دولي برنامج الكاميرا الخفية من البرامج التي تنشر السرور والبهجة في نفوس المشاهدين، وهو جزء من المرح الذي تحتاجه النفوس في زمن الانشغال بالأعمال. وفي برامج الكاميرا الخفية يتقمص الطرف العارف بالمقالب (الممثل) دور الضحية أو الساذج أو المسكين أو غيرها من الأدوار، التي تثير الآخرين، بينما الطرف الآخر (الغائب عن المشهد)، يكون في عالم آخر، فهو ربما يبكي أو يتعاطف أو يصرخ أو غير ذلك من الانعكاسات الوجدانية العفوية، التي تتلاءم مع المشاهد المصورة، وفي نهاية المقلب يُعرّف الممثل الضحية بأن ما جرى ليس حقيقة، وإنما هي مشاهد تمثيلية عبر كاميرا خفية، للتسلية والمرح، وغالباً ما تنتهي هذه المشاهد بضحكة ممزوجة بالخجل. الكاميرا الخفية العراقية تتمثل في أن غالبية السياسيين يصورون أنفسهم في مشاهد حقيقية، وليست تمثيلية، (أي يكذبون الكذبة ويصدقونها)، فالقاتل يصور نفسه على أنه ناشر للأمن والمحبة، والسارق يطل علينا بلغة الزاهد العفيف، والمرتشي يعطينا دروساً في النزاهة وحب المال الحلال، والمنهزم يعلّمنا كيف تكون بطلاً في خمسة أيام؟ وهكذا الحال في غالبية مفاصل (الدولة العراقية الجديدة)! وهنا سأنقل بعض مواقف الكاميرا الخفية المنقولة من الساحة العراقية: - المشهد الأول: رئيس الحكومة نوري المالكي قدم نفسه للعراقيين على أنه يحارب الإرهاب في البلاد، وأما الأربعة آلاف ضحية الذين قتلوا في الفلوجة خلال الأشهر الأربعة الماضية، وثلثهم من الأطفال، هؤلاء لم يقتلوا، وإنما كل ما في الأمر أن مشاهد الكاميرا الخفية كانت تتطلب هذا الكم الهائل من الممثلين (الضحايا)، واستخدام المدفعية الثقيلة والطائرات والبراميل المتفجرة، وفي نهاية المشهد يطل علينا رئيس الحكومة عبر الشاشات الرسمية ليقول: «سنعمل جميعاً من أجل القضاء على إرهاب العصابات المسلحة في الأنبار، أهلنا في الفلوجة استنجدوا بنا لتخليصهم من التنظيمات الإرهابية»! - المشهد الثاني: غالبية شركاء المالكي في العملية السياسية يرددون عبارات تمثيلية، يحاولون من خلالها تصوير أنفسهم على أنهم مع شعبهم العراقي، وأنهم ضد المالكي في ظلمه وتجبره، وهم ليسوا صامتين، وهؤلاء يعرفون أنهم لا يمكنهم أن يقدموا شيئاً لأهلهم، وأن المشهد سيكتمل بانتهاء الظهور التلفزيوني! نحن كنا نتمنى أن نرى تمثيلاً حقيقياً في اللعبة السياسية، وليس تمثيلاً هزيلاً، لا يعرف أصحابه ماذا يريدون، وما هو دورهم. وبالتالي فهم عاجزون عن تقديم ما يمليه عليهم الواجب السياسي، والضمير الانساني. هذا التخبط السياسي لا يمكن أن يعيد الحقوق لأصحابها، بل هو جزء من المؤامرة على العراقيين. - المشهد الثالث: غالبية بيانات وتقارير رؤساء البعثات العربية والدولية العاملة في العراق، الذين يعيشون على كوكب آخر، تؤكد أن العراقيين يعيشون في فسحة من العيش الرغيد، المليء بالحرية والرفاهية والأمن والخدمات، وأن أصوات الانفجارات اليومية والقتل في الفلوجة وبقية مدن العراق، ما هي إلا جزء من احتفالات العراقيين بالديموقراطية والحرية. مشاهد متنوعة، ومواقف وصور متناقضة، غالبيتها تخدع العالم بتزييف المشهد العراقي المرعب المليء بالدم والألم، وجعله وردياً. المجتمع الدولي مستمتع بهذه المشاهد القاسية، والحكومة (الديموقراطية) لا يهمها هذا الكم الهائل من الأرواح والأعراض والحريات، التي تُنتهك بحجة ملاحقة الإرهاب والإرهابيين! لا نريد مشاهد تمثيلية للضحك وخداع الجماهير في داخل العراق وخارجه، وإنما نريد مواقف تؤكد حرمة الدم، وضرورة التعايش السلمي، ونشر الأمن والأمان في ربوع الوطن. فإلى متى ستستمر هذه التمثيلية الكبيرة، وهل سيستمر المخدوعون بالحكومة في سباتهم، أم أنهم سيستيقظون في لحظة ما ليجدوا أنفسهم ضحايا جدد لمشاهد حقيقية، وليس للكاميرا الخفية؟! الكاميرا الخفية في السياسة العراقية، بدأت منذ عام 2003، وستستمر مشاهدها التمثيلية حتى يتخلص العراقيون من كابوس تجار السياسة، الذين وجدوا المتعة في مشاهد الدم والإرهاب الحقيقية.
مشاركة :