ترى الفنانة التشكيلية اللبنانية هناء عبد الخالق أن الفنان التشكيلي في العالم العربي لا يزال يعاني التهميش، ولا يلقى الاهتمام المطلوب من الدولة أو وزارة الثقافة، وما زال التقصير واضحاً في ﺇدراج الفنون التشكيلية في المناهج التربوية، بالإضافة إلى الغياب والتهميش على المستوى الإعلامي. حول أعمالها ونظرتها إلى التشكيل في لبنان وغيره من البلاد العربية كان هذا الحوار. كيف بدأت علاقتك بالخط واللون؟ وهل أفادك العمل الأكاديمي فنياً؟ بدأت علاقتي باللون الذي استهواني قبل الخطوط. تحيط الألوان بنا من كل جانب ونتعايش معها يومياً، ولا يمكن تصور كل ما يحيط بنا من دونها. ﺇدراكي اللون كوسيلة مثلى للتعبير يعتبر بداية قصتي ورحلتي الفنية، إذ اعتبرته الرابط الجوهري للحياة، واتخذته نقطة ارتكاز لبدء حواري الإنساني والفني. أما عن الأكاديمية فأفادتني وطوّرت قدراتي، وحثتني على المضي قدماً نظراً إلى أهمية الدراسة التقنية والأكاديمية في ثقافة الفنان وغنى فكره وﺇبداعه. جمال المشاعر والطبيعة للطبيعة مساحة واسعة في لوحاتك. هل تحمليّنها تفاعلات مشاعرك؟ أعيش في قرية جبلية جميلة من جبل لبنان، فيها نهر وشلالات. قادني هذا في البدايات إلى مراقبة اللون وتغيراته وانعكاساته، فكان معرضي الأول «انعكاسات» في وزارة السياحة في بيروت حالة تعبيرية حمّلتها انفعالاتي من خلال مقاربتها مع انعكاسات حياتنا، بالهدوء تارة كصفحة مياه لا يحركها ساكن، وطوراً بالفوضى التي تحصل عند اهتزاز صفحة الماء وتغيير المعالم. أعيش في وسط الطبيعة، ولكني لا أخاطب الطبيعة من خلال المحاكاة أو كما أراها، إنما كل شيء أريد أن أعبر عنه عليه أن يمر في داخلي، ويقترن برؤيتي وأحاسيسي، لذلك تأتي هذه الطبيعة وكأنها خارجة من مسامي أو جسدي وفيها لون من روحي. هل نفهم من ذلك أنك ترسمين الجمال فحسب؟ الفن هو الوجه الجميل في الحياة حتى لو عبّر عن أشياء حزينة، الفن هو الجمال حتى لو اختلفت المقاييس بين رأي وآخر، ربما بالنسبة إلي هو تعبير لأحلام في داخلي أردتها أن تكون جميلة، وتهاوت وأنا صغيرة في مرحلة الحرب اللبنانية، فأردت استعادتها من خلال أعمالي، ومن بينها معرض أقمته في وزارة السياحة أيضاً «أحلام في زمن هارب» كان ينبض بالحياة واللون، رغم وجود عمل تجهيزي مقابل اللوحات النابضة، سجنت فيه أدوات الحرب في أقفاص العصافير. بيروت ورسائل لبنان لماذا تنبض لوحاتك بعشق لبيروت، وما دور الرسام في تحريرها من قيودها؟ بيروت عصية على القيد، ستبقى متحررة من خلال أفكار أدبائها ومفكريها وفنانيها. وجود هؤلاء جميعاً في مقاهيها، يستوحون ويكتبون ويتسامرون، كافٍ لجعلها مدينة تشبه امرأة جميلة ناضجة، الكل يريد التقرب منها، لكنها تعرف كيف تتعامل مع كل معجب على طريقتها. كيف ترين المشهد التشكيلي اللبناني راهناً؟ بيروت تحديداً مدينة مفعمة بالحياة رغم مرورها بالأزمات، وهي تستقطب دائماً معارض فردية عدة لفنانين لبنانيين وفنانين من العالم العربي والغربي. ما زال لبنان صاحب رسالة ثقافية، نظراً إلى التعددية التي يمتاز بها مجتمعه، وهذا لا يمنع أيضاً توق الفنان اللبناني إلى العرض في الخارج. لماذا يبتعد جيل الشباب من الفنانين عن رسم التراث من وجهة نظرك؟ الإنسان ابن بيئته، بل هو ابن مجريات هذا العصر وتطوره. نلمس اليوم بوضوح التغيير الحاصل في المجتمعات، على صعيد التطور في التكنولوجيا، ووسائل التواصل والاتصال. يقود هذا الأمر الإنسان عموماً والفنان خصوصاً إلى الانفتاح، وعبور مختلف الحدود من دون قيد أو شرط، فيتوجه الشباب إلى ما يخاطب طموحهم وتطورهم وما ينسجم مع أحداث عصرهم. ماذا تقترحين لتحفيز فنانينا الشباب على رسم التراث؟ ربما يستلهم البعض من التراث كرموز لتطويرها، ولكني مع مجاراة روح العصر والإتيان بكل جديد من خلال التجارب في المواد وفي عالم الفنون المنفتح على الاحتمالات كافة، وأشجع طلابي على ذلك. العالم العربي ما أبرز اللوحات التي عرضتها وتعكس مأساة الأمة العربية؟ أنجزت عدداً من اللوحات في بداية ما سموه الربيع العربي، وﺇحداها مستوحاة من أغنية للمطربة ماجدة الرومي اسميتها «إلى متى بغدنا يقامرون». استخدمت في معظم هذه الأعمال رقعة الشطرنج، التي ترمز إلى تحريك الصراع وتوجيهه من خلال أيادٍ خارج هذه الرقعة، ولكني ما لبثت أن عدت إلى أحلامي التي أريد أن أطبع بها فني. كيف ترين الرسام التشكيلي في العالم العربي، وهل ثمة محظورات مفروضة عليه من ناحية اختيار المواضيع؟ يرسم الفنان في العالم العربي لأنه مؤمن برسالته وبحريته في التعبير، وهو لا يلقى الاهتمام المطلوب من الدولة أو وزارة الثقافة. ما زال التقصير واضحاً في ﺇدراج الفنون في المناهج التربوية، بالإضافة إلى الغياب والتهميش على المستوى الإعلامي. ولكن لا أعتقد أن ثمة محظورات للفنان باختيار المواضيع، إذا كان الفنان اللبناني في السبعينيات استلهم الانطباعية من الغرب ورسم الطبيعة اللبنانية، فبات فنان اليوم يميل إلى نوع من الجماليات، هي جماليات الحرب والعنف. ربما لا يكون له في ذاك خيار آخر، فمعظم الفنانين في لبنان ولدوا أثناء الحرب الأهلية، وجيل اليوم يشهد صراعات من نوع آخر. أين موقع الفن التشكيلي في عصر الصورة والثقافة الاستهلاكية؟ أصبحت الصورة مرتبطة بجوانب حياة الإنسان كافة، على نحو لم يسبق له مثيل، وتؤثر في الوعي سواء سلباً أو إيجاباً. لكن ممكن القول أيضاً ﺇن عصر الصورة مرتبط بثقافة الاستهلاك، التي هي ثقافة الترويج والإبهار على حساب العمق، وهي تعتمد على اللحظة، بينما الفن التشكيلي يعتمد على ما أوتي من تجديد وﺇبداع ثابت غير لحظوي، ﺇبداع يؤرخ اللحظات بل الزمان. طموح هناء «أنا امرأة أطمح إلى التغيير، لا تقنعني الظروف السائدة لمجرد أن كل من حولي تأقلم معها»، تقول الفنانة هناء عبد الخالق عن نفسها وتضيف: «أسعى إلى تغيير الظروف حولي من خلال ﺇحساس يقودني، سواء في الواقع أو من خلال الفن. أضف إلى ذلك أنني امرأة شغوفة في التعبير عما يختلجني، وهذا أترجمه في العمل الفني من خلال بحثي في اللون والمادة، وتطويعهما، بهدف مشاركة الناس أفكاري وأحاسيسي». حصلت هناء عبد الخالق على شهادة دكتوراه في علوم الفن، ومارست الفنون التشكيلية في الجامعة اللبنانية، دبلوم دراسات عليا في الفنون التشكيلية الجامعة اللبنانية- معهد الفنون الجميلة، وهي عضو في مؤسسة منتدى حروف الثقافي، وفي نقابة الفنانين، وفي جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت، وأقامت معارض فردية وجماعية عدة ونالت شهادات تقديرية.
مشاركة :