لم يشعر جنود نابليون براحة في محيط الكرملين، مثل الراحة التي يتنعم بها هذه الأيام فرنسيون يشاركون في عروض تحاكي التاريخ بكل تفاصيله، ضمن مهرجان «الزمن والعصور»، في عامه الحادي عشر. وتقوم الفكرة الأساسية للمهرجان على تقديم عروض تستمر عدة أيام، يقوم خلالها المئات من المشاركين الروس والأجانب بمحاكاة مواقف من التاريخ الروسي، ورسم لتلك المواقف بأدق تفاصيلها، لدرجة أن من يزور العاصمة الروسية موسكو هذه الأيام، يظن أن المدينة التي شهدت الكثير من الأحداث، تجاوزت الفواصل الزمنية، واكتسبت قدرة فريدة في التنقل عبر مراحل التاريخ، وتؤكد بصورة ما أن «آلة الزمن» التي يمكن استخدامها للتنقل عبر «العصور» لم تعد مجرد خيال، بل هي واقع يمكن أن يعيشه كل من يتنقل بين الشوارع والأحياء القديمة في المدينة. غير أن الفارق الوحيد بين «التنقل عبر الزمن» في الخيال العلمي، و«التنقل عبر الزمن» على طريقة موسكو، هو أن الإنسان يتحرك بحثا عن مراحل التاريخ في الحالة الأولى، أما في الحالة الثانية، الموسكوفية، فإن الإنسان «يستحضر» التاريخ ويعيشه.ومع أن مهرجان «الزمن والعصور» ليس جديد العهد، إلا أن الجديد هذا العام توسيع رقعة الفعاليات لتشمل أكثر من ثلاثين حياً من أحياء قلب العاصمة الروسية. وفي السنوات الماضية كانت فعاليات المهرجان تقتصر على محمية «كولومينسكوي»، وهي واحدة من أكبر المساحات الخضراء في جنوب العاصمة الروسية، وهناك يقوم المئات بتقديم عروض تحاكي على سبيل المثال معركة من المعارك التي لعبت دوراً في صناعة تاريخ روسيا. ولا يمكن وصف العرض بأنه «تمثيل فيلم»، ذلك أن الجهات المنظمة تحرص على أن يكون كل شيء في «المهرجان» مشابهاً تماماً لما جرت عليه الأمور في الواقع منذ مئات السنين، إن كان لجهة المساحة الجغرافية للحدث، معركة ما على سبيل المثال، وأعداد القوات، وأنواع الأسلحة، وكيف جرت المعركة، والكثير غيره من تفاصيل.وإلى جانب الفعاليات التي تشهدها حالياً محمية «كولومينسكوي»، قرر منظمو المهرجان هذا العام افتتاح «ساحات» في أحياء موسكو. وعلى سبيل المثال تم اختيار منطقة التنزه في الساحة عند شارع «ستراسنوي بولفار» وسط موسكو، لتشارك في المهرجان تحت اسم ساحة «عام 1812، الحرب والسلام»، وهي السنة التي شهدت أضخم المعارك بين الجيشين الفرنسي والروسي، في منطقة «بورودينو» قرب موسكو، خلال حملة نابليون على روسيا. وحاول المهرجان إحياء بعض أجواء تلك المرحلة من التاريخ، لهذا تم نشر قوات فرنسية وروسية، ترتدي الزي العسكري للجيشين في تلك المرحلة، وإلى جانب الجيوش، تنتشر في ساحة «ستراسنوي بولفار» خيم للحرفيين الذين كانوا يرافقون الجيوش في الحملات العسكرية. وتم نصب الخيام وفق النظام العسكري المعتمد في عهد نابليون، وبجانبها يقف الحراس ببنادقهم الطويلة القديمة، والزي القديم الذي يحمل معه الكثير من المعاني والعبر.وفي ساحات أخرى في قلب العاصمة الروسية تم تنظيم فعاليات تعرض حياة النساء في حقبة القياصرة الروس، يتنزهن في الساحة ويتبادلن أطراف الحديث، تحت ظل مظلات ترسم حقبة كاملة من التاريخ. وفي ساحات أخرى جرى التركيز على عرض أنشطة ترفيهية كان يمارسها الناس في تلك المرحلة، بما في ذلك أنشطة وألعاب انتشرت في أوساط حاشية القصر والنخب، ولاحقا بين الأرستقراطيين والمقربين من البلاط. ويشكل مهرجان «الزمن والعصور» فرصة جميلة لعشاق التاريخ كي يعيشوا الحدث خارج حدود النصوص والكتب.
مشاركة :