في معنى حب الوطن

  • 6/12/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

أن يكون وطنك رمله وجباله ووديانه ذهبا وتضمه إلى صدرك ولا تبيعه، أن تغمض عينيك وتسير في طريق طويلة تتبع حمامة السلام التي خرجت من عباءة وطنك إلى النهاية، أن تكون من غزية: وهل أنا إلا من غزية إن غوت .. غويت وإن ترشد غزية أرشد، أن توقع أي بيان يصدر في حب الوطن. أن تتكئ على بارودة عمرك الطويلة كل ليلة أمام باب من أبوابه تحرسه. أن تقيس عمرك بعدد السيوف التي أشهرتها على حده الجغرافي مرة، وعلى حده المعنوي مرة أخرى، وأن تقيس عمرك بعدد الأقلام التي غمستها في حبر الطفولة لترسم خريطة بلادك على طابع بريد جديد مرة، أو على ذاكرة مسافر لم يشم عرار نجدك أو يسمع نشيدك الوطني مرة أخرى. أن تكون أنت قافلة تقطع صحراء من المجاهيل لتصل إلى بقعة خضراء لم يصل إليها أحد قبلك قط. أن تقول لا أحيانا عندما يقول الجميع نعم، لتمثل شاهدا على الانحراف المعياري الذي يبعد بك عن يمين أو عن يسار منحنى الجرس البياني للاحتمالات، فربما أخطأ الجميع مرة وكنت وحدك على صواب. أن تخضب علم وطنك مرة بدمك الحر وأنت ترفعه على تلة جرداء استعيدت من العدو في غبش الفجر. وأن تركب حافلة التجربة الخالية وحدك غير مبال إلى أي مكان أو وجهة سوف تأخذك، لعلك تبلغ من تركتهم -متى استطعت- ألا يلحقوا بك إن لم تصل بك الحافلة إلى شيء. أن يكون دمك جغرافيا من أسماء الأماكن من القرى والأودية عبر التاريخ، وأسماء الذين ساروا على رمضائها حفاة أو راكبين. وأن تكتب نصا طويلا من الجمل الاسمية مكدسا بالمجاز والاستعارة لعل ناقدا يقرأ ما كتبت ويرسم خريطة جديدة للأدب في بلادك. ألا تنحني في وجه العاصفة لعل أحدا يراك من بعيد فيقف في وجهها مثلك. أن تقف على الأطلال ملبيا نداء الحنين الذي يدعوك للعودة إلى الأماكن القديمة، فربما كنتَ شاعرا جاهليا وخانتك العبارة. وأن تكون أول من يفقأ فقاعة الظنون التي تحوم على الحقيقة فتحجب الرؤية لأن أحدا لم يفهم الرواية كاملة وشاء أن يرقعها بما يملك من خيال أو مرض. أن تحب أكثر مما تستطيع، وأن تكره أكثر مما تستطيع، وأن تجد معنى جديدا للحب يتسع أكثر لمن لم يجد وسيلة ليحب أكثر.

مشاركة :