ليس قراراً مفاجئاً أو مبالغاً فيه، فالأزمات التي تسببت فيها (قطر) ليست وليدة اللحظة، فهناك عوامل كثيرة، وتداعيات مباشرة وغير مباشرة، ظلت تتفاقم على مدار العقدين الأخيرين، وفي كل مرة كانت الدوحة تصرّ على التغريد خارج السرب العربي، وتشق الصف وتطعن الإجماع الخليجي، ولم تكن تصريحات أميرها الأخيرة إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت الكيل يفيض، فنفد صبر المملكة العربية السعودية وشقيقاتها من بعض الدول الخليجية والعربية، إذ وصلت الأمور إلى حد لا يمكن السكوت عنه، فصدرت قرارات عزل قطر دبلوماسياً، في محاولة أولية لردع الإمارة القطرية عن أفعالها المسيئة. الأزمة الراهنة مع قطر ليست وليدة اللحظة، فقرارات قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر جاءت بعد جولات طويلة من مراحل التأزم في العلاقات بين عدة دول عربية وبين النظام القطري الحاكم، والتي سرعان ما وصلت مؤخراً إلى مرحلة الغليان، بعد نفاد الصبر على السياسات والتصرفات القطرية، التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ناهيك عن التهرب من الالتزامات والاتفاقيات والتغريد الدائم خارج السرب العربي والإجماع الخليجي. فمنذ عام 1995م، والسعودية ومعها أشقاؤها قد بذلوا جهوداً مضنية لحض القيادة في الدوحة على الالتزام بتعهداتها، والتقيد بالاتفاقات، إلا أن الدوحة دأبت على نكث التزاماتها الدولية وخرق الاتفاقات، ولعل آخرها عدم تنفيذها لاتفاق الرياض.لكن الأزمة وصلت أبعاداً لا يمكن العودة منها، بعد كلمة «تميم بن حمد» أمير قطر، والتي نشرتها وكالة الأنباء القطرية عبر موقعها، حيث لخص فيها الخطوط العريضة لسياسته، والتي لا تتسق مع دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي أو الجامعة العربية، ومن المفترض أنها ملتزمة بالخطوط العامة لهاتين المؤسستين. ومما جاء في كلمته: أن قاعدة «العديد» الأمريكية سبب في حماية بلاده من أطماع بعض الدول المجاورة، مؤكداً أنها الفرصة الوحيدة للولايات المتحدة لامتلاك نفوذ عسكري في المنطقة، كما أكد أن لدى قطر تواصلاً مستمراً مع إسرائيل، مشيراً إلى أن إيران تمثل ثقلًا إقليمياً وإسلامياً لا يمكن تجاهله، وبلاده تحتفظ بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وإيران في وقت واحد، وأنه ليس من المصلحة التصعيد مع إيران، خاصة أنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة، وأن حركة حماس هي الممثل الشرعي للفلسطينين، كما وصف ميليشيا حزب الله اللبنانية بأنها حركة مقاومة!، قبل أن تعاود الدوحة لتعلن في وقت متأخر أن موقع وكالة أنبائها كان مخترقاً، في رد باهت وعلى ما يبدو أنه قد جاء كمحاولة تجميلية للحقائق الكامنة التي فضحتها تصريحات الأمير القطري. لهذا وأكثر لم تجد المملكة العربية السعودية ومعها عدد من أشقائها، سوى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وما تبع ذلك من قرارات وإجراءات، وقد أرجعت المملكة ذلك إلى ارتكاب قطر انتهاكات جسيمة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها، واحتضان الدوحة لجماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة الإخوان المسلمين وداعش والقاعدة، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم، ودعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف من المملكة العربية السعودية وفي البحرين الشقيقة، هذا بخلاف تمويل وتبني وإيواء المتطرفين الذين يسعون لضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج، واستخدام وسائل الإعلام التي تسعى إلى تأجيج الفتنة داخلياً، هذا إلى جانب دعم الدوحة لميليشيا الحوثي الانقلابية حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن، كما دأبت الدوحة على نكث التزاماتها الدولية، وخرق الاتفاقات التي وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون الخليجي بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخر ذلك عدم تنفيذها لاتفاق الرياض. أما مملكة البحرين فقد أوردت في بيانها أن «إصرار قطر على المضي في زعزعة الأمن والاستقرار في البحرين والتدخل في شؤونها والاستمرار في التصعيد والتحريض الإعلامي ودعم الأنشطة الإرهابية المسلحة وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران للقيام بالتخريب ونشر الفوضى في البحرين في انتهاك صارخ لكل الاتفاقات والمواثيق ومبادئ القانون الدولي دون أدنى مراعاة لقيم أو قانون أو أخلاق أو اعتبار لمبادئ حسن الجوار أو الالتزام بثوابت العلاقات الخليجية والتنكر لجميع التعهدات السابقة». في حين رأت مصر أن قطر دأبت على اتخاذ مسلك معادٍ لمصر، وفشلت كل المحاولات كافة لإثنائها عن دعم التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم الإخوان، وإيواء قياداته الصادرة بحقهم أحكام قضائية في عمليات إرهابية استهدفت أمن مصر وسلامتها، مما يعزز بذور الفتنة والانقسام، وفق مخطط مدروس يستهدف وحدة الأمة العربية ومصالحها. أما دولة الإمارات العربية فقد رأت أن استمرار السلطات القطرية في سياستها التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة والتلاعب والتهرب من الالتزامات والاتفاقيات كانت سبباً في اتخاذها لتلك الإجراءات الضرورية لما فيه مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي عامة والشعب القطري الشقيق خاصة، واعتبرت الإمارات أن الدوحة دأبت على مواصلة دعمها وتمويلها واحتضانها للتنظيمات الإرهابية والطائفية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وعملها المستمر على نشر وترويج فكر تنظيم داعش والقاعدة عبر وسائل إعلامها المباشر وغير المباشر، ونقض قطر للبيان الصادر عن القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض، وإيواء قطر للمتطرفين والمطلوبين أمنياً على ساحتها وتدخلها في الشؤون الداخلية لدولة الإمارات وغيرها من الدول واستمرار دعمها للتنظيمات الإرهابية، مما سيدفع بالمنطقة إلى مرحلة جديدة لا يمكن التنبؤ بعواقبها وتبعتها. وتتابعت بيانات قطع العلاقات من الحكومة الشرعية باليمن، وليبيا، وجمهورية موريشيوس، وجمهورية المالديف التي أعلنت وزارة خارجيتها في بيانها «أن قرار قطع العلاقات سببه معارضتها القوية للأنشطة التي تشجع على الإرهاب والتطرف». حاضنة للإخوان، داعمة للإرهاب مجلس الوزراء السعودي، عقب اجتماعه برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أصدر بياناً أكد من خلاله على أن المملكة قد اتخذت قرارها الحاسم هذا نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي والتحريض للخروج على الدولة والمساس بسيادتها، وشدد مجلس الوزراء السعودي على أن الدوحة تحتضن جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، مجدداً التأكيد على أن المملكة العربية السعودية ستظل سنداً للشعب القطري وداعمة لأمنه واستقراره بغض النظر عما ترتكبه السلطات في الدوحة من ممارسات عدائية، وبيّن المجلس أن قرار عدد من الدول الشقيقة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر عبّرَ عن الحرص على الحفاظ على وحدة الأمة العربية، وعن المواقف ضد الممارسات القطرية التي سعت لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وانتهاكها للاتفاقات والمواثيق ومبادئ القانون الدولي وحسن الجوار. العلاقة بين الدوحة وجيرانها ومصر قد شهدت أزمة مماثلة في العام 2014م، حيث سحبت الدول الخليجية الثلاث سفراءها من الدوحة بسبب الموقف القطري من الإطاحة بنظام الإخوان في مصر، ودورها في أحداث الربيع العربي وعلاقاتها مع جماعة الإخوان الإرهابية، لكن تلك الأزمة كانت أقل حدة من الأزمة الراهنة، وتمت تسويتها في نوفمبر من العام ذاته، وتم إعادة سفراء الدول الثلاث إلى الدوحة، لكن قطر لم تلتزم باتفاق الرياض القاضي بإعادة السفراء والاتفاق التكميلي له، بل واصلت دعمها وتمويلها واحتضانها للتنظيمات الإرهابية والميلشيات المتطرفة والطائفية وعلى رأسها جماعة الإخوان، بل إن السياسة القطرية قد عملت على نشر وترويج فكر تنظيم داعش والقاعدة، واستغلت وسائل إعلامها في نشر الفتنة والشقاق بين دول المنطقة، كما نقضت البيان الصادر عن القمة العربية الاسلامية الأمريكية بالرياض لمكافحة الإرهاب، قبل أسابيع، وذلك حين اعتبر الأمير القطري أن إيران الدولة الراعية للإرهاب في المنطقة دولة حليفة ولها ثقلها في استقرار المنطقة! المتابع للشأن القطري سيجد أن الدوحة قد عملت طيلة الأعوام الماضية على إيواء المتطرفين والمطلوبين أمنياً على ساحتها، فلم تكتفِ بدعم الإرهاب، بل استضافت رموزه على أراضيها، وفتحت منابرها الإعلامية أمامهم، مما دفع بالمنطقة إلى مرحلة جديدة من الصعب التنبؤ بعواقبها وتبعاتها، وقد كشف تقرير أمريكي عن تلقي قادة في تنظيم القاعدة دعماً مالياً من مانحين قطريين، وصفه التقرير بالسخي، في سوريا.. لم تسلم الأزمة السورية من التدخل القطري، فجبهة النصرة تتلقى دعماً مادياً قطرياً بشكل دائم، إضافة إلى تنظيم «جند الأقصى» المصنف كجماعة إرهابية، وعدد من الجماعات المتطرفة الأخرى في سوريا، أما في ليبيا.. فإن الدوحة تدعم عدداً من المليشيات الإرهابية والأحزاب والجماعات التي انبثقت عن بعضها وتضم عناصر من المتطرفين الذين يتنقلون بين الدوحة وإسطنبول وطرابلس، وبحسب بعض التقارير فإن حجم التمويل الذي وصل من الدوحة إلى هذه الجماعات منذ عام 2011م بلغ حوالي 750 مليون يورو. لم تحاول قطر خلال السنوات الأخيرة إخفاء دفء علاقتها بالكيان الصهيوني، بل والاحتماء به عندما تشتد الصعاب، فبعد انقلاب الأمير السابق «حمد» على والده «خليفة آل ثاني» عام 1995م، عملت الدوحة على افتتاح مكتب تجاري لإسرائيل بها، كما تمّ لاحقاً التوقيع على اتفاقية لبيع الغاز القطري إلى إسرائيل، وإنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب، ومن الغرائب أنه في نفس الوقت الذي تتقارب فيه قطر مع إسرائيل، كانت الدوحة تحتضن قادة حركة حماس، وخاصة زعيمها خالد مشعل، في تناقض غريب لمواقفها!، في حين تشير بعض التكهنات إلى أن قطر قد لعبت دوراً هاماً في انقلاب حماس على شرعية السلطة الفلسطينية وإقامة سلطة موازية في قطاع غزة.
مشاركة :