تركي البنعلي… نهاية مفتي داعشطويت صفحة واحد من أبرز المنظرين الشرعيين لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بقيادة أبي بكر البغدادي، شغل عقول أتباع التنظيم طويلا وكان يشار إليه على أنه خليفة محتمل للبغدادي نفسه في حال مقتل هذا الأخير.العرب إدريس الكنبوري [نُشر في 2017/06/12، العدد: 10661، ص(13)]باب يوصد مقتل تركي البنعلي، الذي حصل الاثنين 29 مايو الماضي في الرقة واعترف تنظيم داعش بمقتله، يكشف أن تنظيم البغدادي بدأ يتآكل من الداخل بعد مقتل العديد من قادته البارزين، بمن فيهم عناصر الحلقة الضيقة التي تحيط بزعيم التنظيم، أمثال الناطق الرسمي أبي محمد العدناني، وعبدالرحمن القادولي المعروف بأبي علي الأنباري، الذي كان يعد أبرز المنظرين في الدائرة الشرعية للتنظيم. لعب البنعلي دورا رئيسيا في تجنيد أتباع التنظيم من خلال الجولات التي قام بها في عدد من البلدان العربية، منذ التحاقه بالتنظيم عام 2014 بعد أن كان خطيبا في مسجد المحرق ببلده البحرين، وزار ليبيا مرات عدة لاستقطاب المقاتلين للتنظيم مستغلا الحالة الأمنية في البلد المغاربي، حيث كان أحد أبرز الناشطين في إذاعة سرت التي سيطر عليها مقاتلو التنظيم. ولعله حصل على مشروعية التنظير للفكر الجهادي بتزكية من الأردني أبي محمد المقدسي، الذي سرعان ما انقلب عليه وأصدر في حقه حكما بالتكفير، وهو الأمر الذي قام به أيضا تجاه المغربي عمر الحدوشي الذي سبق له أن كتب مقدمة كتاب له عن أم المؤمنين عائشة، لكن انقلب عليه هو الآخر بعد أن أصدر الحدوشي مواقفه ضد تنظيم البغدادي. في الورقة التعريفية التي نشرها تنظيم الدولة عن البنعلي، يُذكر أن هذا الأخير زار المغرب والتقى محمد بوخبزة والسلفي عمر الحدوشي، الذي كان محكوما بثلاثين سنة سجنا عقب الاعتقالات التي طالت السلفيين بعد تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو 2003. انخرط في الحركات الجهادية مبكرا داخل البحرين والإمارات العربية المتحدة، واعتقل في دبي عام 2005، وبعد الإفراج عنه عاد إلى نشاطه الجهادي، حيث ألف عددا من الرسائل في الحث على الجهاد. وفي عام 2013، عقب قيام الثورة في سوريا سافر إلى مدينة حلب ضمن حملات الإغاثة البحرينية، ومن هناك التحق بداعش وبرز دوره بشكل خاص بعد إعلان الدولة الإسلامية في يونيو 2014. خاض البنعلي في أكثر القضايا الشرعية التي أثيرت من حول التنظيم في أوساط الجهاديين، ما أهله ليتصدر هيئة الإفتاء فيه. فعندما تعرض التنظيم للانتقادات من لدن الجهاديين حول مشروعية إعلان الخلافة الإسلامية في قطعة صغيرة من الأرض، انطلاقا من مسائل فقهية تشترط إذعان غالبية المسلمين للخلافة، ألف رسالة في الدفاع عن تنظيم الدولة سماها “القيافة في عدم اشتراط التمكين الكامل للخلافة”، تضمنت ردودا على مواقف السلفيين الجهاديين الذين عارضوا إعلان خلافة البغدادي، انطلاقا من أنها خلافة في جزء صغير من الأراضي العراقية والسورية وليست خلافة عامة في عموم ديار المسلمين، ومن ثم فإنها فاقدة للشرعية، لأنها فاقدة للشرط الرئيسي في الخلافة وهو التمكين؛ كما أنها غير حاصلة على إجماع كافة الجماعات الجهادية، ما يقدح في شرعيتها. وقد بنى البنلعي موقفه على مسألتين:كتاب البنعلي "مدوا الأيادي لبيعة البغدادي" يعد أبرز إنتاجاته الشرعية في خدمة التنظيم، وفيه يدافع عن البغدادي في وجه خصومه من الجهاديين الأولى أن مدلول الخلافة والاستخلاف نفسه يعني التمكين، بناء على الآية القرآنية “ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم”. والثانية أن التمكين الكامل على سائر ديار المسلمين ليس شرط صحة للخلافة، بقدر ما هو شرط كمال، “فإن المراد تحقق التمكين وإن كان جزئيا على بعض ديار المسلمين دون بعضها الآخر”. ويستند هذا المبرر لديه إلى ما هو موجود في كتب فقه السياسة الشرعية، من أن الفقهاء خاضوا في تعدد الأئمة في أقطار مختلفة وصححوا انعقاد البيعات لكل منهم بالإمامة والخلافة “وعدوا ذلك من مسائل الاجتهاد”. وخلص البنعلي إلى أن الخلافة “تحتاج إلى شيء من القوة والشوكة والتمكين، وهذا حاصل في الدولة الإسلامية بشهادة العدو قبل الصديق”؛ ثم عزز موقفه بشواهد من تاريخ الإسلام، حيث قال «وهكذا الدول بعد دولة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تبدأ في ضعف وفتوة ثم لا تلبث إلا أن تقوى وتتمكن وتبسط نفوذها شيئا فشيئا، ولك أن تتأمل -مثلا- في بدء قيام الدولة العباسية التي تسمى بـ”الخلافة”؛ قال الإمام علي بن محمد العمراني رحمه الله “أول من بويع له منهم بالخلافة وهو مستتر خوفا على نفسه من بني أمية محمد الإمام، وهو محمد بن علي بن عبدالله بن العباس″». ويعد كتابه “مدوا الأيادي لبيعة البغدادي” أبرز إنتاجاته الشرعية في خدمة التنظيم، فقد ألفه تحت واحد من أسمائه المستعارة الكثيرة وهو أبوهمام بكر بن عبدالعزيز الأثري، وفيه يدافع عن البغدادي في وجه خصومه من الجهاديين، كتنظيم القاعدة وأيمن الظواهري، ويصفه بأنه”أمير المؤمنين”، وأنه “توفرت فيه كل الشرائط، ولم تتخلف في حقه لا الشروط الواجبة ولا الشروط المستحبة”. لكن أخطر ما صدر عنه من “الفتاوى” لتسويغ جرائم داعش فتواه في اغتصاب النساء الإيزيديات اللواتي اختطفهن التنظيم، وهو ما رفع أسهمه عند البغدادي وأتباعه نظرا لأن مواقفه المتشددة لقيت صدى وتجاوبا لدى تنظيم أسس منهجه على الوحشية، ولعل نهايته -بعد سلسلة من الخسائر التي تكبدها التنظيم- إيذان بالنهاية الوشيكة لهذا الأخير الذي فقد الكثير من بريقه حتى في صفوف الجهاديين وتراجع المد الذي كان يأتي إليه من المقاتلين الأجانب.
مشاركة :