أقام نادي الأحساء الأدبي يوم الأحد 16 رمضان 1438 هـ من ضمن برامجه الرمضانية ندوة عن الأدب العربي في رمضان، وتحدث فيها كلا من أ.د. أسامة عطية عثمان والشاعر إبراهيم منصور، وأدارها أستاذ البلاغة في كلية الآداب جامعة الملك فيصل أ.د. محمد السيد البدوي، وقد تناول الضيفان الأدب الرمضاني بشقيه الشعر والنثر، حيث تناول د. أسامة الجانب الشعري ، بادئًا حديثه بنص لنزار قباني وهو وإن كان نثرًا إلا أن صورته الشعرية : ((تجمع مصر حروف اسمها الجميل وتعيد تطريزه على حواشي منديلها المبلل بالدموع، تكتبه بالخط الكوفي العريض على جدار النهار، تسترده من قاع البحر، تلصق الميم إلى جانب الصاد. تلصق الصاد إلى جانب الراء. وفجأة تتدلى من سقف العالم نجفة من الزمرد الأخضر اسمها مصر. تستعيد مصر خاتمها من تحت الماء وتعيد تركيب الفيروزات الثلاث التي سقطت من خاتمها وهي تغسل يديها بماء قناة السويس في صيف العام 1967، تمسح ما تراكم عليه من صدأ ، وتعيده إلى مكانه في المتحف المصري، فيطمئن التاريخ على نفسه، وتطفو على مياه القمر زهرة لوتس اسمها مصر”. )) وذكر أن بعض النقاد يقفون من الشعر الرمضاني موقفًا مجانبًا بعلة أنه شعر مناسباتي، ولكن لو دققنا النظر لوجدنا أن أغلب الشعر العربي هو شعر مناسبات وأحداث، ومع ذلك فإن الشعر الرمضاني كان له جانب من العاطفة الكبيرة في قلوب الشعراء العرب ذلك لما في رمضان من روحانيات وأعمال، ويقول د. أسامة : (الشعر مقياسه الصدق ، ولن تجد أصدق من شاعر يتوجه بشعره إلى ربه وقد امتلأ قلبه بدعوات صادقة في أيام مباركة) ثم يفرد د. أسامة جانبًا من بحثه ليكون حول الشعر الرمضاني عند شعراء الأحساء جالبًا ثلاثة نماذج شعرية هما: جاسم عساكر، وعبد الله الخضير، ومحمود الحليبي، مفردًا لكل شاعر نموذج قام بدراسته: فمما قاله عن شعر عساكر الرمضاني بعد أن قال قصيدته التي منها: فيا لكَ من حبيبٍ جاءَ يسقي عبادَ اللهِ منْ فيضِ السلامِ فتحسِدهُ الشهورُ كأنَّ نقصاً بِها يبدو وتطمعُ في التَمَامِ ترفَّق بي ففي شفتيَّ جمرٌ يُعيق بها اللسانَ عن الكلامِ إذا ما تجاوزنا صدق العاطفة ووضوح المضمون من قلب نابض بإيمان يجعل صاحبه مناجيا ربه بنفس تعشقت المعاصي ، لكنه يخاصمها موغلا في الخصام، حتى أنه يقاوم جيوش الغي بالزهد والتقوى ، فهو يصلي القيام وأنفاسه مسبحة تؤمل الإجابة في الختام . جاءت القصيدة نفسا شعريا واحدا، وهذا من أبرز السمات الأسلوبية لجاسم الصحيح ، حيث الوحدة العضوية ، فالبيت يعطيك معنى في ذاته ، وفي نسق الأبيات يعطيك دلالة أخرى مكثفة تتناسق مع الإطار العام للنص المتماسك وتحدث عن شعر الخضير ذاكرًا وتأتي قصيدة عبد الله الخضير عن رمضان لتؤكد أننا أمام شاعر يمتلك الكثير من الأدوات الفنية لهذا النوع ، فتكتمل ألفاظه مع تراكيبه لتكشف عاطفة صادقة تذرف الدمع لابسا ثوب الطهر والغفران ، فقد جاء مذنبا لكنه يرجو المغفرة فهو عبد صائم جوعان ، حاملا رسالته للمتلقي بأن رمضان صون للسان من الأذى وطهارة من نفثة الشيطان ، فعلى المرء استثمار ما في شهر رمضان من غفران فيصل الرحم ويحرص على صلاة التراويح وليلة القدر فيقول: أهلاً بشهر الصوم والقرآنِ لمّا رأت عيني الهلالَ ونورَه ذرفَتْ دموعَ العشقِ للرحمان رحمانُ إنّي قد أتيتك طائعاً ولبستُ ثوبَ الطهر والغفرانِ رحمانُ إني قد أتيتُك مذنباً اغفرْ لعبدٍ صائمٍ جوعانِ رحمانُ إنّي والذنوب تحيطُ بي قد أرهقتني صفعةُ العصيانِ وتحدث عن شعر الحليبي فيقول عن قصيدته التي مطلعها: أهلا بعَوْدِكَ سيدَ الأزمان يا مسرحَ الصلواتِ والقرآن أقبلتَ فانتفضتْ صحاري وحشتي وشدا لغيثكَ خافقي ولساني رمضانُ في كفيكَ أعذبُ شَربةٍ تاقتْ إليها مهجةُ الظمآنِ فنجد من مطلع القصيدة علاقة زمانية ومكانية حيث يربط الشاعر بينهما في بيته الأول حين يتحدث عن الشهر كسيد الأزمان وكمسرح للصلوات والقرآن مشخصا ومجسدا لهذا الشهر ومرحبا به ، ثم ينتقل إلى تسويغ هذا الترحيب من خلال انتفاض صحارى وحشة الشاعر وهطول لسانه بالشعر( وشدا لغيثكَ خافقي ولساني) ، ثم يعاود حديثه للشهر الكريم مستخدما المتضادات لإبراز معناه وتوكيده إذ كيف في كفيه أعذب شربة ونهاره الظمأ والجوع ؟ وتناول الشاعر إبراهيم منصور الجانب النثري في الأدب العربي باديًا بالقرآن الكريم ومحكم الآيات التي تحدثت عن رمضان، والحديث النبوي الشريف الذي يعتبر من جوامع الكلم فاختصر في كلمتين اثنتين جانبًا مهما من جوانب الدين وأركانه وكذلك جانبًا من حياتنا وصحتنا فقد قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (صوموا تصحوا). ثم عرج على تسمية رمضان عند العرب وذكر أن العرب كانت في البدء تسميه (ناتقًا) ولكن كلاب بن مرة (أحد أجداد الرسول) سماه رمضان، مشتقًا من الرمض وهو شدة الحرارة. وقد تتبع ما ذكر في الشهر الفضيل من عصر بني أمية إلى العصر الحديث مستشهدًا بالحسن البصري حينما قال فيه: (إن الله جعل رمضان مضمار الخلقة، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا). وفي عصر بني العباس ذكر دعاءً نقله ابن العميد: أسأل الله أن يعرفني بركته ويلقيني الخير في باقي أيامه وخاتمته، وأرغب إليه أن يقرب على الفلك دوره، ويقصر سيره، ويخفف حركته… أما بديع الزمان الهمذاني فقد قال فيه: فهو وإن عظمت بركته ثقيل حركته، وإن جل قدره بعيد قعره … ولرمضان في بني العباس طقوس كثيرة استمرت إلى عصرنا الحديث منها (فن القوما) وهو ما يعرف اليوم بالمسحراتي في الدول العربية كافة، ولكنه أخذ أبعاد متعددة متنوعة في كل بلد تختلف أهازيجه وأشعاره من قطر إلى آخر… ويرى كثير من النقاد أن لرمضان طقوس لا تمارس إلا فيه منها كثرة قراءة القرآن وصلاة التراويح وإحياء ليلة القدر، وطقوس موائد الإفطار والسحور والمظاهر الاجتماعية الأخرى من مثل (القرقيعان في الخليج العربي، أو خروج الأطفال بالفوانيس في مصر) عند منتصف الشهر الكريم. كل هذه الأعمال منحت الروائيين العرب الكثير من الصور والأخيلة والجماليات تناولوها في رواياتهم مثل نجيب محفوظ الذي صور رمضان في حي السيدة وخان الخليل، ونجيب الكيلاني الذي له رواية حملت عنوان رمضان هي: (رمضان حبيبي الله أكبر ولله الحمد). وقد قال أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابه أسواق الذهب عن رمضان: (الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر ويعلم الصبر ويسن خلال البر ….. ) هذا وفي ختام الأمسية سلم نائب رئيس مجلس النادي د. خالد الجريان الدروع التذكارية للضيفين شاكرًا لهما إضافاتهما الرائعة طالبًا منهما أن يكملا بحثيهما ليكون كتابين يغنيان الأدباء في هذا الفن والباب الأدبي.
مشاركة :