رحلة أميرنا، أمير الإنسانية، المكوكية بين الرياض وأبو ظبي والدوحة؛ لرأب الصدع بين الأشقاء، لاقت من المواطنين وأهل الخليج كل التقدير والامتنان، فقد تحامل الأمير على نفسه، والناس كل مشغول بصيامه وقيامه؛ ليقوم شخصيا بمحاولات مجهدة لحل أكبر أزمة يمر بها مجلس التعاون منذ تأسيسه حتى يومنا هذا. وظّف الأمير كل خبرته الطويلة ليحتوي تلك الأزمة المحزنة قبل أن تستفحل، وقبل أن يستغلها أعداء الأمة لصبّ الزيت على النار، وازعه ودافعه موقفه القومي والعروبي، آملا في أن يقدر أشقاؤه تلك الجهود المضنية ويتفاعلوا مع هدفه الأسمى، وهو إنقاذ منظومتنا الخليجية من التفكّك، فنقولها كبيرة: عوفيت أميرنا، فقد كفيت ووفيت. * * * سمع هرقل ملك الروم بالخلاف بين خليفتنا الرابع علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه، ورضي الله عنه وأرضاه) ومعاوية بن أبي سفيان، فأراد أن يستغلها فرصة ليزيد من انشقاقهما، وليؤجّج روح الخلاف بينهما. فبعث هرقل برسالة لمعاوية يقول فيها: من قيصر الروم هرقل لأمير المسلمين معاوية بن أبي سفيان، علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب، وإنّا لنرى أنكم أحق منه بالخلافة، فلو أمرتني أرسلت لك جيشاً يأتون إليك برأس علي، فرد عليه معاوية برسالة، قال فيها: من معاوية بن أبي سفيان إلى هرقل كلب الروم: أخان تشاجرا، فما بالك تدخل في ما بينهما، فإن لم تخرس أرسلت إليك بجيش أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك، أقدّمه لعلي. هذه رواية لا نحكم بصحتها، ولكنها تعكس ما يجري بين أشقائنا هذه الأيام، ولمحاولات خارجية تريد تأجيج روح الخلاف بين الأشقاء، فلعلها تكون عبرة أو تذكرة للغافل منا، فنحن لا نريد أن نرى من حكوماتنا يضيعون علينا مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، ولا أن يفتحوا أبواب ديارنا للأغراب، فلن يأتي أحد لنا من أجل سواد عيوننا. فكونوا على يقين بأن مصالحهم القومية هي التي ستأتي بهم، وعندها لن يكون خروجهم سهلا كدخولهم، وتاريخنا ممتلئ بالعبر والحوادث والكوارث التي أصابت أمتنا عندما اعتمدنا على الأجنبي، فليسُد العقل والحكمة، ولنتسامَ على خلافاتنا، فقد طفح الكيل! * * * قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»، أي أن إبليس قد يئس من أن يعبده أهل جزيرة العرب، فسعى إلى التحريش أو التحريض بينهم، بالخصومات والشحناء والفتن، فلنتأسَّ بقول رسولنا، فهو لا ينطق عن الهوى، ولنبتعد عن إثارة الفتن والتحريض عليها ونشرها، فهي أقرب طريق إلى البغضاء والتناحر بين أبناء الأمة الواحدة. طلال عبدالكريم العربtalalalarab@yahoo.com
مشاركة :