لماذا «80 بليوناً» لا تكفي لإصلاح التعليم؟

  • 6/8/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي ربما يبدو العنوان مضللاً بعض الشيء، لأن معظم المراقبين المتفائلين لم يكن ليتوقع أن تستجيب القيادة الرشيدة بهذه السرعة لدعم مشاريع تطوير التعليم بهذا المبلغ الضخم. بل ربما لم يكن أحد يتوقع أن ترفع وزارة التربية والتعليم خلال فترة وجيزة من تسلم الأمير خالد الفيصل دفة القيادة فيها حزمة من المشاريع التطويرية التي تتطلب مثل هذا الإنفاق الضخم. ولهذا قد يبدو في العنوان نوع من المزايدة وطلب المزيد، ولكن ما سأطرحه في مضمون المقالة يتعلق بعدم كفاية المبادرات أو المشاريع التي أعلنها وزير التربية والتعليم في مؤتمره الصحافي الذي عُقد في مدينة جدة يوم الأحد 26 رجب لتطوير التعليم، بغض النظر عن الأثر الإيجابي المتوقع لهذا المبلغ الضخم إذا تم تنفيذ المبادرات التي أُعلِنت بكفاءة وصدقية. مع إشادتنا بهذه الاستجابة السريعة والكريمة من قيادتنا لطلب الوزارة، إلا أننا نؤكد أن المال وحده لم يكن عقبة رئيسة أمام تطوير التعليم، فهناك دول لم تنفق ولا عُشْر ما تنفقه بلادنا على قطاع التعليم ومع ذلك تحتضن أنظمة تعليمية متقدمة ومتواكبة مع حاجاتها التنموية وظروفها الاجتماعية، ولكن مشكلة إصلاح النظام التعليمي في السعودية هي مشكلة مركبة من ثلاثة عناصر لخصتها في كتابي عن إصلاح التعليم والذي صدر قبل خمسة أعوام تقريباً وهي: غياب الرؤية السياسية، وتوجس الثقافة الدينية، وعجز الإدارة التربوية. لست بصدد التعليق بالتفصيل على المبادرات التي أعلنها الأمير خالد الفيصل في مؤتمره الصحافي التي يمكن أن يقال إنها تهدف إلى تحسين نوعية الخدمات والمرافق التعليمية واستحداث مدارس جديدة لرياض الأطفال وللموهوبين وغيرهم، ولكن من مجرد قراءة عناوين تلك المبادرات يتضح أنها لا تقدم رؤية جديدة للنظام التعليمي، إذ يبدو أن تلك المبادرات جُمعت على عجل بناء على ما يتوافر لدى أجنحة الوزارة من مشاريع متعطلة أو مؤجلة منذ أعوام مضت. وإذا استثنينا مبادرة تدريب 25 ألف معلم ومعلمة في الدول المتقدمة فإن جميع المبادرات الأخرى لا علاقة لها بجوهر العملية التعليمية المرتبط بفلسفة النظام التعليمي وعناصره الأساسية: المعلم، الطالب، والمنهج. لقد أشار الأمير خالد الفيصل في ختام مؤتمره الصحافي إلى أنه «متفائل من أن أساليب التعليم الحديثة القائمة على الحوار والتفكير والبحث والاستكشاف وتعلم الأقران والعمل بروح الفريق والتعلم التعاوني ستكون بدائل عن التعليم التلقيني والأساليب المباشرة». وقد تمنيت أن تكون هذه الجملة هي عنوان مشروع التطوير ومن ثم نستمع إلى عرض البرامج والمشاريع التي يمكن أن تُسهم في تحقيق هذا النوع من التعليم. أما العنصر الآخر الذي تمنيت أن أسمعه في مؤتمر وزير التربية والتعليم فيتعلق بتطوير المناهج الدراسية، إذ يبدو أن الوزارة - فيما سبق - كانت تفتقر إلى الجدية في التعامل مع هذا الملف. ومن ثم تمنيت لو أن المبادرات التي أُعلِنت في إطار الدعم الجديد للتعليم تناولت منهج الوزارة الجديد في التعامل مع إشكالات تطوير المناهج وما يصاحبها من لغط وتوجس من فئات مؤثرة في المجتمع تبالغ في الخشية على هوية الدولة وهوية المجتمع. لقد تعاملت المشاريع السابقة في تطوير التعليم مع موضوع المنهج بازدواجيات متنوعة. فمن جهة تمت ترجمة كتب الرياضيات والعلوم من مناهج دولية، من دون تهيئة حقيقية للمناخ التربوي للتعامل معها، بينما بقيت مناهج العلوم الإنسانية من دون تغيير حقيقي، في حين أن المناهج المعاصرة تُبنى برؤية واحدة متكاملة بين المواد والمواضيع المرتبطة بالقيم والعلوم والمعارف والآداب والمهارات العقلية والسلوكية. كما أن المناهج المعاصرة تجاوزت سلطة الكتاب المدرسي الذي تحول إلى أحد مصادر التعلم وليس المصدر الوحيد، ومن ثم أتاحت للمعلم استنباط واستخدام جميع الوسائل التعليمية المتاحة. من جهة أخرى سمحت الوزارة تحت ضغط الواقع بتطبيق مناهج دولية في بعض المدارس الأهلية للهروب من الانتقادات الحادة، وأبقت على مناهج وطنية ضعيفة في غالبية المدارس الحكومية والأهلية. من جانب آخر، لا تتضمن المبادرات الجديدة المعلَنة إلى إشارات ذات مغزى حول السياسات الإدارية والتربوية التي يمكن أن تغير العلاقات التي تؤسس للنظام التعليمي. فعلى سبيل المثال هناك حاجة إلى تفكيك الإدارة المركزية للنظام التعليمي، وقلب العملية الإدارية بحيث يبدأ تدفق العمل Work Flow من مستوى المدرسة ثم يصعد إلى مستوى الوزارة، وليس العكس. وهناك على سبيل المثال حاجة إلى إعداد نظام جديد للمعلم يشمل توصيف دقيق للكفايات التي ينبغي توافرها فيه، بحيث يكون للوزارة رأي ودور في كيفية تأهيل المعلمين ولا تترك ذلك لكليات التربية وكليات المعلمين. كما ينبغي أن يشمل النظام الجديد وصفاً دقيقاً لمسؤوليات المعلم وواجباته وحقوقه، والخدمات التي يستحق أن تقدمها له الوزارة وفروعها بكل كفاءة وتنظيم. سنحتاج إلى صفحات للحديث في القضايا التفصيلية ولكن أحسب أن هدف المقالة قد اتضح وهو أن الـ80 بليون ريال مهمة لتطوير النظام التعليمي، ولكنها ليست كافية لإصلاحه ووضعه على الطريق الصحيح.

مشاركة :