أوركيديا بين صراع العروش والصراع على النصمن بين أبرز الأعمال الدرامية السورية المعروضة حاليا على شاشات الفضائيات العربية وأكثرها إثارة للجدل، يأتي مسلسل “أوركيديا”، بما تضمنه من إسقاطات للواقع العربي الراهن، علاوة على تبرؤ مؤلفه عدنان العودة منه إثر عرض الحلقات الأولى منه.العرب ناهد خزام [نُشر في 2017/06/13، العدد: 10662، ص(16)] يقدّم مسلسل “أوركيديا” أحداثا خيالية ذات طابع تاريخي تروي وقائع الصراع بين ثلاثة ممالك، هي مملكة أوركيديا ومملكة سمارا ومملكة أشوريا. ويعتمد المسلسل الذي أخرجه المخرج السوري حاتم علي على توليفة تسويقية مضمونة على مستوى الإنتاج الضخم، واللغة المستخدمة وهي الفصحى، والأجواء التاريخية التي تكاد أن تكون حكرا على صنّاع الدراما السورية، كما يتجنّب المسلسل المناطق الخلافية والمثيرة للجدل في سياقه الخيالي القريب من الفانتازيا. حب وحرب يبدأ المسلسل بمواجهة كلامية بين الملك “أنمار” صاحب مملكة سمارا والذي يقوم بدوره جمال سليمان، والملك “الجنابي” صاحب مملكة أشوريا والذي يلعب دوره النجم سامر المصري. وندرك من هذه المواجهة ما يربط بين الملكين من مصاهرة، كما تكشف لنا في نفس الوقت حالة العداء والصراع المكتوم بينهما، هذا الصراع الذي تتصاعد وتيرته مع الوقت. وتتكشف الخيوط الدرامية للمسلسل شيئا فشيئا مع مرور الأحداث وتصاعدها، حيث أن مركز الصراع في المسلسل تتقاسمه ثلاث شخصيات، هي الملك أنمار، والملك الجنابي، والأمير عتبة بن الأكثم الذي يقوم بدوره باسل خياط الساعي إلى استعادة عرش والده على مملكة أوركيديا، والتي استولى عليها الملك الجنابي، ويعيش عتبة مع أخته في كنف الملك أنمار الذي لجأت إليه أمه بعد مقتل أبيه. وتلفت الأحداث على هذا النحو عين المشاهد إلى مواطن الخير والشر، كما نستطيع اكتشاف الإسقاطات التي يضمها المسلسل على الأحداث الراهنة، فالتطرق إلى حالة اللجوء والنزوح عن الوطن وإشاكالياتها المتعددة تبدو ماثلة في معاناة رعايا مملكة أوركيديا الذين هُجّروا من ديارهم على أثر اجتياح الملك الجنابي لبلادهم. حالة التعايش مع الواقع الجديد، والتحايل على قسوته بشتى السبل والوسائل المشروع منها وغير المشروع، كحالة اللصين اللذين يستدعيان إلى الأذهان الحكاية الفولكلورية الإنكليزية لروبن هود، فهما يسطوان على القوافل والعربات التابعة لمملكة أشوريا ويوزعان ما يجمعاه على المحتاجين من شعب أوركيديا النازحين.عدنان العودة: من كتب هذا المسلسل، أحقا أنا؟ بالتأكيد لا.. هذا ليس مسلسلي حكاية روبن هود ليست الوحيدة ضمن التمثيلات التاريخية والفلكلورية التي يستدعيها مسلسل “أوركيديا”، فعلاقة المصاهرة بين الأسر الحاكمة تمثل أحد الأساليب التقليدية المتبعة تاريخيا وأسطوريا لتخفيف التوتر ورأب الصدع بين الممالك. وفي المسلسل كل من ملك أشوريا وسمارا متزوج من شقيقة الآخر، ولكن رغم هذا يبدو الصراع بينهما حتميا، لاختلاف الطباع أولا، ثم لتخوّف ملك أشوريا من انتقام الأمير عتبة وسعيه إلى استعادة عرش والده. علامات استفهام تتحرك الأحداث في مسارات متعددة وتتشعب خيوطها، لكنها تصب في النهاية في دفة الصراع على العرش، إذ تتخلل دائرة الصراع الكبرى بين الممالك الثلاث دوائر أخرى أصغر تغذيها المؤامرات والغيرة والحب والألم والثأر والصراعات الداخلية بين الحاشية. وتخبر العرافة (مي سكاف) الأمير عتبة بأن نهايته ستكون على يد ابن أخته إذا ما تزوجت، فتترك تلك النبوءة أثرها في نفس عتبة وتنبت في داخله صراعا لا يستطيع إيقافه بين حبه لأخته وتخوفه منها. وبينما تتحمل الملكة خاتون (سلافة معمار) زوجة الملك الجنابي تأنيب زوجها لها لعدم إنجابها وريثا لعرشه، يتمزق قلبها كذلك نتيجة الصراع بين أخيها أنمار وزوجها على الفوز بالأميرة رملة. ويطرح مسلسل “أوركيديا” عددا من علامات الاستفهام المرتبطة بسياقه الدرامي، فمن المفترض أن العمل يدور في أجواء تاريخية قديمة، لكنه في نفس الوقت يغفل إحدى أبرز العلاقات الاجتماعية في العصور الغابرة، وهي نظام العبودية والرق ودور الإماء والجواري ووظيفتهن، خاصة في قصور الملوك وأصحاب العروش، ما يجعل توتر العلاقة بين الملك الجنابي وزوجته بسبب عدم إنجابها وريثا لعرشه غير منطقي، ويتكرر الأمر مرة أخرى على نحو مختلف مع سيف العز (عابد الفهد) نائب الملك الجنابي. أما افتتاحية المسلسل بذلك اللقاء الذي جمع بين الملك أنمار والملك الجنابي في فضاء خال بين المملكتين، وعلى الرغم من دلالة هذا اللقاء على أحداث المسلسل اللاحقة، إلا أنه يدفعنا أيضا للتساؤل: ما الذي يدعو ملكا صاحب بأس كالملك الجنابي للتحرك من أجل لقاء ملك آخر، لا لشيء إلا لكي يطلب منه تسليم الأمير عتبة وأخته؟ ألم يكن من الممكن أن تغني رسالة يبعث بها الجنابي لصهره عن هذه المشقة التي تكبدها من أجل لقاء خاطف؟ وحفل المسلسل بأخطاء تتعلق بالتوظيف السيء للغرافيك والمجاميع، أما الخطأ الأبرز حتى الآن فقد تمثل في توظيف المؤثرات الصوتية خلال الحلقة الثامنة، والتي ظهر فيها طفل في الثالثة أو الرابعة من عمره وهو يبكي بصوت رضيع عمره أشهر.مسلسل (أوركيديا) يطرح عددا من علامات الاستفهام المرتبطة بسياقه الدرامي، فمن المفترض أن العمل يدور في أجواء تاريخية قديمة، لكنه في نفس الوقت يغفل إحدى أبرز العلاقات الاجتماعية في العصور الغابرة واستحوذ مسلسل “أوركيديا” على مساحة واسعة من الاهتمام الإعلامي منذ بداية التحضير له وحتى عرضه، كما حظي كذلك بحالة من الجدل التي أججها الخلاف بين المخرج والشركة المنتجة للمسلسل من ناحية والمؤلف عدنان العودة من ناحية أخرى، إلى حد التلاسن عبر البيانات الصحافية والتدوينات على صفحات التواصل الاجتماعي. فبعد الحماس الكبير الذي أبداه العودة قبل عرض المسلسل ونفيه المستمر لاقتباسه من السلسلة الأميركية الشهيرة “صراع العروش” كما يشاع، يصل الحال به حد التبرؤ من النص تماما بعد عرض الحلقات الثماني الأولى، إذ اتهم العودة مخرج المسلسل بالتغيير في سياق النص وتشويهه معلنا اعتراضه على تدخل السيناريست زياد أبوالشامات بالتعديل في سياق المسلسل، ما اعتبره العودة سببا في الخلل الدرامي الذي أصاب العمل، كما يقول. وكتب العودة في صفحته على الفيسبوك “بعد عرض الحلقة الثامنة من مسلسل أوركيديا، والركود الدرامي المستمر فيه، بات لديّ سؤال بسيط، من كتب هذا المسلسل، أحقا أنا؟ بالتأكيد لا.. هذا ليس مسلسلي، لماذا يفتقد هذا المسلسل للحياة، للتصاعد، للتفاصيل، للجمال والدهشة.. لماذا هو جاف بهذه الطريقة؟”، ثم يختم العودة باستعداده لإبراز النص الأصلي للمقارنة بينه وبين ما تم من تحريف على حد قوله. وشارك في “أوركيديا” عدد كبير من النجوم السوريين والعرب، من بينهم جمال سليمان وسلوم حداد وعابد الفهد وسامر المصري باسل خياط وقيس الشيخ نجيب ويارا صبري وسلافة معمار، بالإضافة إلى الفنانة التونسية رشا بن معاوية والمغربية أسماء قرطبي واللبنانية إيميه صياح.
مشاركة :