الشر متفش عندنا لأننا نقلد ما نراه على الشاشة. البعض يظن العكس وإن ما نراه في التلفزيون من كيد وخبث ودسائس هو انعكاس لواقعنا. لكن هذا ليس ممكنا لأن الفن لا يعكس الواقع. العرب حسين صالح [نُشر في 2017/06/13، العدد: 10662، ص(24)] طالما ظننت الظنون بثقافتنا ورميتها بأنها منتجة للخبث والكيد بشكل لا تضاهيه حضارة أخرى. ولاحظت أننا نتعلم الكومبيوتر بإتقان من أجل القرصنة واستخراج كلمات مرور الآخرين وقراءة رسائل الجيران والأقارب. وهناك مكر وكيد أكثر من المعدل العالمي المسموح به دوليا حسبما تنص عليه الاتفاقيات واللوائح. ومن نتائج هذه الثقافة إيمان راسخ بنظرية المؤامرة باعتبارها التفسير الوحيد للأمور. هذا فضلا عن الكذب واعتباره الأصل في الأشياء. في كل خطوة يطلب منك أن تثبت أنك صادق، حتى الأطفال يتعلمون القسم بأغلظ الإيمان قبل أن يتعلموا أناشيد الحضانة ويحسنون الدعاء على أنفسهم بأنواع التعذيب والتحريق إن كانوا كاذبين، قبل أن يحفظوا جداول الضرب. في رمضان من كل عام أعود إلى التعرف على الدراما العربية. فالشهر الفضيل شهر شوربة العدس والمسلسلات التلفزيونية. وهناك شر لا يصدق ليس في شوربة العدس بل في المسلسلات. حين تقلد الحياة الفن لا تقلد الرسم والنحت وإنما الأعمال الدرامية. لم أر شخصا يقلد محمد غني حكمت أو عادل السيوي. كل الكيد في أمتنا تقليد للحبكات الدرامية غير المعقولة وكميات الشر والكذب التي فيها. طبعا قبل المسلسلات لم نكن عطشى للخبث فقد كانت الأفلام العربية تقوم بالواجب وأكثر. لأن هناك جيشا من الدساسين والمتآمرين الأشرار: استيفان روستي وميمي شكيب وزكي رستم. رأيت في مصر رجالا يتكلمون مثل عبدالفتاح القصري؛ مدرسة في نمط الكلام تقوم على تقليد الراحل عبدالفتاح القصري “المعلم”، كل بائع فواكه أو بقال أو قصاب (جزار) يقلد القصري. ورأيت مرة شابة بعباءة ملفوفة على قدها (ملاية لف) وهي تتلوى أثناء الحديث وتقول عبارات من قبيل “شيل إيدك وإلا اكسرها لك” وتطرقع بعلكتها مثل الأفلام. في مصر أكثر من غيرها ترى الناس وكأنهم شخصيات من أفلام، ربما بسبب ازدهار صناعة السينما ورواج الدراما. عندما أنظر في حواري القاهرة أرى شخصيات ولا أرى ناسا وأتذكر مسرحية “ست شخصيات تبحث عن مؤلف”. الشر متفش عندنا لأننا نقلد ما نراه على الشاشة. البعض يظن العكس وإن ما نراه في التلفزيون من كيد وخبث ودسائس هو انعكاس لواقعنا. لكن هذا ليس ممكنا لأن الفن لا يعكس الواقع. ولو كان الفن انعكاسا صادقا للواقع لما أنفق أحد على إنتاجه ولما تفرجنا عليه ووظيفة الفن هي الكذب فالصدق لا يحتاج إلى خيال، الصدق ما به إبداع. قال صديق قادحا مسلسل رمضان الذي يتابعه إنه لا يعكس الواقع، فقلت إذا كنت تريد الواقع بصدق لا تفتح التلفزيون وافتح الشباك وتفرج. حسين صالح
مشاركة :