كل المخلوقات في قبضة الله منذ خروجهم للنور وحتى الموت

  • 6/8/2014
  • 00:00
  • 26
  • 0
  • 0
news-picture

لقد حمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رسالة الإسلام للبشرية جمعاء، وإنها رسالة أكمل دين، وكان رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم شمس الهداية وحده، وأمره الخالق العظيم أن يبلغ عن ربه الرسالة النقية، تاركاً له ولضميره أن يتصرف بعقله وعمله وفطنته، كما أوضح صحابة رسول الله بأن النبوة لها أسرارها ودقائقها، ويجب أن تمثل التحليل العلمي النزيه لكل إنسان وأصبح الرسول عليه الصلاة والسلام مبلغاً عن ربه داعياً إليه، حامياً لتلك الدعوة السماوية ولحرية الداعين. وظهرت قدرة الرسول الكريم في دعوته حكمته الرصينة، وبعد نظره وكمال فطنته وسرعة خاطره وقوة الحزم في كل ما صدر عنه من قول أو فعل، وتفجرت ينابيع العلم والمعرفة لهذا الدين القويم باعتباره خاتم الرسالات السماوية. وأنزل (القرآن) وأنه أصدق مرجع لرسالة السماء وللسيرة النبوية وتضمن فيه إشارة إلى كل حادث من حياة النبي العربي عليه الصلاة والسلام. والحقيقة أن القرآن العظيم قد جعل العقل حكماً وأساس العلم وانطلقت معجزة رسول الله عليه الصلاة والسلام القاهرة في كتاب الله (القرآن) وهي معجزة عقلية واسعة ليتعرف الإنسان عن وجوده على الأرض ويزداد شوقاً إلى التعرف على ما في الكون المحيط به من سنن وخصائص كلها بالتفصيل، وهي طريقة حديثة للتاريخ الإسلامي. إن الإسلام هو العماد الأول لحياة الإنسان ومماته على هذه الأرض التي أورثها الله تعالى لعباده المؤمنين، فالدين الإسلامي ركن أساسي في إصلاح النفوس والقلوب الإنسانية، على أساس الأخلاق والآداب في تعامل الإنسان مع الله تعالى فهو الخالق العظيم لا شريك له، وفي تعامل الإنسان مع الإنسان الآخر، وفي الواقع الذي يحيا الإنسان داخل المجتمعات الأخرى التي تحمل رسالة السماء أيضاً، لقد سن العدل وألزم إعطاء كل ذي حق حقه من غير غلو ولا تقصير، لذلك بعثت الرسل وأنزلت الكتب السماوية، وقامت أمور الدنيا وما يتبعها من أمور الآخرة، إنه الثقافة الإسلامية الحقة لكل البشرية. وفرض الدين الإسلامي على كل إنسان أن يكون منصفاً في كل معاملاته الدنيوية التي تقوم على العدل، وأن تعطي الحقوق لأهلها، وأن ينزل كل ذي منزلة منزلته، وأن يقوم الإنسان بما علم فيها بقدر مكانته، وحسب استطاعته في الحقوق والواجبات. فالإنسان يؤكد مكانته الحقيقية ودوره في الأرض والحكمة من خلقه إنه يربط أجزاء الحياة والهدف العام من حياة كل إنسان كما تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. وهي مصدر الأسوة الحسنة التي يقتضيها ومنهج الشريعة الإسلامية التي يدين بها وعمل من أجلها. وقال الله تعالى في كتابه الكريم لعباده المؤمنين: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب. كما أحاط الدين الإسلامي علما دقيقاً بدقائق الحياة البشرية مع نظامها الشامل مترابطاً مع تقدير كل جوانب الحياة وإصلاحا لفطرة البشرية الثابتة على أن لا تهزه الأحداث الطارئة وأسرار النفس الإنسانية. لذلك، فإن الله تعالى الخالق هو رب الدين لا شريك له، وهو المحيط علماً من خلق طبقاً لما أراده لمخلوقاته من دين إنه دين الحق لبني الإنسان على الكرة الأرضية. لذلك لا همجية في الإسلام، ولم يزل الله سبحانه وتعالى منذ أن كان الإنسان نطفة في رحم أمه يتعهده بعطفه وحنانه ويمده برحمته وإحسانه ويرسل إليه في سجنه المظلم الهواء من منافذه والغذاء من مجاريه ويزود عنه آناة الحياة وغوائلها، نطفة، فعلقة، فمضغة، فجنيناً، فبشرا سويا. فالله تعالى جل وعلا، هكذا يعامل عبده منذ الساعة الأولى لخلقه وهذه رحمة به وإحساناً إليه. وإن كثيراً من النصوص التي يفهم منها الإجبار ونفي الاختيار من الإنسان كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (6) سورة آل عمران, وقال: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} (69) سورة القصص. لقد حمل الدين الإسلامي للإنسان أينما كان موقعه جميع ما يحتاج إليه من سعادة ومعاشه ودنياه وآخرته وما يفيد البرية مجتمعة، أو لكل منها على انفراد. لقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أثر تحميله رسالة السماء، العمل على تهذيب العقيدة الإسلامية الإنسانية، والنفس البشرية وليرشد الناس والمخلوقات الإنسانية إلى الإيمان بإلوهية الله تعالى الواحد القهار لا يشرك به شيئاً، ولإرشادها إلى مواقف حقيقية تذكرها برب العزة والجلال وتطرد كل الشرور، والخواطر السيئة عن نفسها العبادات، وتوحيد الدين الواحد، ولتعريف الإنسان قيمة نفسه، والتي كانت مجهولة في عهود الجاهلية. وعلم رسول الله الإنسان بأنه لا فرق في اللون بين الأبيض والأسود، والأحمر، ولا فرق بين الفقير والغني، والضعيف والقوي، كلهم عباد الله، وأن الجميع من الملك حتى العبد الزنجي كلهم سواسية أمام الحق وعند الحساب وأن الرحمة والغفران بيد الله وحده لا ينازعه في هذه الصلاحيات أحد من الأنبياء، والرسل صلوات الله عليهم جميعاً. إنه الدين القيم، وما يجب أن تتوافر في الدين - الطريقة والمنهج (الصالح) الذي يفي بحاجات البشر، وأن يكون واضعه على علم بالحكمة من خلق الإنسان على هذه الأرض، وهو الله القادر على كل شيء. وأنزل هذا الدين ويضمن كل صغيرة وكبيرة لها مساس بشتى مجالات الحياة الإنسانية الروحية، والفكرية، والخلقية، والاجتماعية، والاقتصادية والعائلية، لأن الحياة الإنسانية ترتبط أجزاؤها ارتباطاً وثيقاً والتصاقاً تاماً لا ينقطع، لأن الله جل جلاله يهدي للحق. إنها خصائص عظيمة في شريعة السماء، لأن دين الإسلام هو الدين القيم، إنه دين الحياة البشرية، لذلك كان المسلمون هم أرقى الأمم وأثمرها سعادة بقدر ما كانوا متمسكين بدينهم وأساس الدين الإسلامي هو الإيمان برسوله تعالى فهو المعصوم الذي يبلغ عن من لا يخطئ عن الخالق العظيم. ومن الإيمان بالله، إنما الإيمان بجميع ما أوجبه رب العزة والجلال على عباده وفرضه عليهم باعتباره من أركان الإسلام الأساسية. وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً). وفي ذكر سبب وقوع الإسلام في قلب عمر بن الخطاب، قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه خرجت لأتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن، قال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فوقع الإسلام في قلبي). وأسلمت. وسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالفاروق). إن الدين هو الطريقة والمنهج، وله معان أخرى، إنه ضروري للبشر, فإن أي عمل من الإنسان العاقل لابد أن يسبقه رأي أو فكرة أو عقيدة تحدد له الهدف من عمله، وتصور له خطوات عمله قبل مباشرة العمل، ولابد من العمل بإرادة الله. ومن فضله تعالى ورحمته أن أنزل على عباده القرآن العظيم ويسر حفظه وفهمه على من رحمه الله تعالى حيث قال في مطلع سورة الرحمن: (الرحمن) (علم القرآن) (خلق الإنسان) (علمه البيان)، يعني علم الإنسان النطق، والخير، والشر، ويكون ذلك لتميز النطق على الخلق، وتسهيل خروج الحروف من مواقعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها. حتى يتبين للإنسان من خلال النظر والتدبر والتأمل في آيات الله - إن الله هو الحق الواحد الخالق المبدع العظيم. والدلائل تشير وتؤكد أن الله سبحانه وتعالى بعث للبشرية كلها ولجميع المخلوقات ديناً واحداً هو في جوهره وأصوله لم يتبدل ولم يتغير تغير الأنبياء والرسل، لأن الأساس هو الدين الواحد منذ بدأ الله تعالى خلق الإنسان الأول سيدنا آدم عليه السلام أبا البشر لتوحيد ا لله تبارك وتعالى والإخلاص في عبادته. وقال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (71) سورة الأنعام.لقد قامت حضارة (القرآن) الكريم على حق الحياة والموت لكل إنسان مؤمن بالله القدير وبكتبه ورسله. في قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (1-2) سورة الملك. وقال تعالى: {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} سورة فصلت وقال رب العزة والجلال مخاطباً رسوله الكريم: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (34) سورة الأنبياء. حقاً إنه (قرآن) عظيم وذو نفع جليل القدر كثير الفائدة، ما صنف مثله في معناه، فلا تكد تجد ما تضمنه من بدائع الفوائد، وفوائد القلائد في كتاب سواه، ومن أقوال العلماء الأخيار حيث يتحدث بعض علماء التاريخ الإسلامي بأن التمعن بكتاب الله تعالى عن هذا الكون الكبير والاطلاع على تشريع الأفلاك، وعلم تشريح الإنسان، وهو يدل على أوضح الدلالة على شمول العلم الإلهي لدقائق الوجود، وأن العلم والكشف عن سنن الوجود وعجائبه سيكون نصير الشريعة السماوية التي حملها الوحي جبريل عليه السلام وبلغها لرسول الله عليه الصلاة والسلام. فإن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وهو سيد المرسلين أن يخبر كل حي مما أنعم به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف: (دينا قيما) أي قائماً ثابتاً (ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين، شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وأتيناه في الدنيا حسنة، وأنه في الآخرة لمن الصالحين)، وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية، أن يكون إبراهيم أكمل منه بهذا، لأنه عليه السلام قام بها قياماً عظيماً، وأكملت له إكمالا تاماً لم يسبقه أحد من الرسل إلى هذا الكمال، ولهذا كان خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم على الإطلاق، وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق حتى إبراهيم الخليل عليه السلام. لذلك فالشريعة الإسلامية باعتبارها خاتمة الرسالات السماوية فإنها متصلة منذ ما ينوف عن أربعة عشر قرناً، وسوف تظل متصلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يحملها خلفاء وأئمة أفاضل من أمة الإسلام على امتداد القرون وتعدد الأجيال البشرية. وأرسل الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام لإصلاح جميع البشرية في أمور دينهم ودنياهم، وإزالة التعادي والتذاكر بين شعوبهم وقبائلهم بالتعارف والتآلف بينهم، وثبات المساواة في الحقوق، والفرائض والأحكام بين أجناسهم، وأفراد رجالهم ونسائهم على اختلاف عروقهم وألوانهم، وبقاعهم وأقطارهم، ومنع التمايز بين الطبقات، والعشائر بالأنساب والتقاليد الوراثية، وتحقيق التوحيد بينهم في جميع المقومات الإنسانية والأخوة الروحية والتفاضل بالفضائل النفسية من علمية وعملية في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات. وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (67) سورة الزمر وقال تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} سورة مريم وقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } (110) سورة آل عمرانوجاء في تفسير هذه الآية عن أبي هريرة قال: (خير الناس للناس، إنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس) في تفسير القرآن العظيم للإمام بن كثير، الجزء الأول. وقال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يجيب على سؤال لرجل من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا: قال: وأية أية؟ قال: قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها عشية عرفة في يوم جمعة، وهو يوم عرفة وعندنا عيد، وأنا والله بعرفة. وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام قد أدى فريضة الحج (الحجة الكبرى) ويمم بها جبل عرفات وارتقى الجبل وأحاط به ألوف المسلمين يتبعونه في مسيرته ونادى في الناس وهو على ناقته بصوت جهوري وكان يردده من بعده ربيعة بن أمية: وأحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت وتلا عليه السلام قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}. فلما سمعها أبوبكر الصديق رضي الله عنه بكى، أن أحس أن النبي وقد تمت رسالته، وقد دنا يومه الذي يلقى فيه ربه، وكانت حجة البلاغ، أتم النبي فيها عليه الصلاة والسلام بلاغه للناس ما أمره الله بلاغه، وما محمد صلى الله عليه وسلم إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون. (من كتاب حياة محمد حسنين هيكل). ومن ذلك يتأكد لنا بأن عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عالمية في مداها، كما كانت شاملة في موضوعاتها، والعظمة إما تكون بالطباع والأخلاق والمزايا في الصفات الشخصية، وإما تكون بالأعمال الجليلة التي صنعها العظيم، وإما أن تكون بالآثار التي أبقاها في تاريخ أمة، وفي تاريخ الأمم الأخرى. (وإلى لقاء آخر).

مشاركة :