لا يزال تنظيم داعش يتصدى بشراسة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي تقتحم مدينة الرقة، عاصمته ومعقله الرئيسي في شمال شرقي سوريا، وهو يستخدم السيارات المفخخة والقناصة والألغام بشكل رئيسي في عملية صد الهجوم الذي يُشرف عليه التحالف الدولي ويشارك فيه وبشكل خاص عبر سلاح الجو، في ظل تأكيدات عن توقف الوساطات بين «قسد» والتنظيم، بعد هرب شيوخ العشائر من المدينة، كما أفيد عن تقدم كبير تحققه قوات النظام وعناصر «حزب الله» على حساب «داعش».وتتركز المواجهات حاليا داخل مدينة الرقة عند سور المدينة القديمة، كما يتم التعامل مع خلايا التنظيم التي لا تزال موجودة داخل حي الصناعة، بحسب ما أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن كل الوساطات حاليا متوقفة بين «قسد» والتنظيم بعد هرب شيوخ العشائر من المدينة. واستغرب عبد الرحمن ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية عن استعادة «داعش» شارع «23 شباط» وشارعي سيف الدولة والمنصور وسط الرقة، لافتا، إلى أن هذه الأحياء لم تدخلها «قسد» أصلا ولا تزال تقاتل عند سور المدينة. وأضاف: «حاليا تقوم طائرات التحالف بالتصدي لتحركات التنظيم في الجبهة الجنوبية، أي من جهة النهر، ما يجعله محاصرا تماما داخل المدينة ليصبح هربه أو استسلامه مسألة وقت، خصوصا أنّه لا يمتلك الأسلحة والعناصر ليقاتل لفترة طويلة».من جهته، نفى ناصر الحاج منصور، مستشار القيادة العامة لـ«قسد»، كل المعلومات التي تحدثت عن سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» على نصف مدينة الرقة، وأكّد لـ«الشرق الأوسط» أن ما تمت السيطرة عليه لا يتعدى حي المشلب والصناعة وحي السباهية والرومانية. وأضاف: «حتى إن الاشتباكات لا تزال متواصلة عند أطراف حي الصناعة، كما تخوض (قسد) معارك كر وفر في أحياء أخرى، بحيث يستميت (داعش) في الدفاع عن مواقعه».وقالت المتحدثة باسم حملة «غضب الفرات» جيهان الشيخ أحمد لوكالة الصحافة الفرنسية: «تدور اشتباكات عنيفة مع (داعش) الذي يلجأ بشكل كبير إلى الألغام والقناصة ويرسل بين الحين والآخر السيارات المفخخة».ورغم غارات التحالف الدولي على مواقعهم، فإن عناصر «داعش» يتصدون بشراسة لتقدم «قوات سوريا الديمقراطية». ولفت «المرصد» إلى أن «حي الصناعة لا يزال غير آمن بالكامل بسبب الهجمات المتكررة من قبل عناصر التنظيم». وتشكل السيطرة على حي الصناعة بداية المعركة الحقيقة في الرقة؛ إذ إن «قسد» ستدخل منه إلى وسط المدينة مرورا بالمدينة القديمة، عادّاً أن «وسط المدينة سيشهد على معركة الرقة الرئيسية، خصوصا بعدما حفر (الجهاديون) أنفاقا كثيرة في هذا الجزء من المدينة حيث يتحصن عدد كبير منهم».بدورها، أفادت حملة «الرقة تذبح بصمت»، التي تنشط سرا داخل المدينة وتوثق انتهاكات التنظيم، بأن «(داعش) يُخلي الأحياء داخل منطقة سور الرقة» الأثري الذي يحيط بالمدينة القديمة ويفصل بينها وبين حي الصناعة. وأوضح أبو محمد من «الرقة تذبح بصمت» أن «الدواعش طلبوا من السكان المغادرة ثم اختفوا».وتعد أحياء وسط المدينة الأكثر كثافة سكانية، مما يعقد العمليات العسكرية، لا سيما أن تنظيم داعش يعمد إلى استخدام المدنيين «دروعاً بشرية»، بحسب شهادات أشخاص فروا من مناطق سيطرته. وأشار أبو محمد إلى أن «غالبية سكان الأحياء الواقعة عند أطراف المدينة فروا منها، بعضهم غادر الرقة تماما، وبعضهم الآخر نزح إلى أحياء وسط المدينة حيث يقيمون في مدارس خالية أو في منازل أقرباء لهم». وأضاف: «تجدر مراعاة الكثافة السكانية في وسط المدينة حفاظا على أرواح المدنيين».ووثق المرصد السوري في حصيلة جديدة مقتل 88 مدنيا، بينهم 18 طفلا، في مدينة الرقة نتيجة المعارك والغارات الجوية منذ بدء الهجوم عليها الأسبوع الماضي. ودعت منظمة «هيومان رايتس ووتش» أمس التحالف الدولي و«قوات سوريا الديمقراطية» إلى «جعل حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان من الأولويات أثناء استرداد الرقة من تنظيم داعش». وقالت لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في «هيومان رايتس ووتش»: «ليست معركة الرقة من أجل هزيمة (داعش) فحسب، إنما أيضا لحماية ومساعدة المدنيين الذين عانوا من حكم (داعش) ثلاث سنوات ونصف».وتوزعت الاهتمامات أمس بين المعركة داخل المدينة التي تتولاها «قسد» بوجه التنظيم، وتلك التي تدور في الريف الجنوبي الغربي ويتولاها النظام السوري و«حزب الله». وفي هذا الإطار، قال رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن الفريقين الأخيرين سيطرا خلال 7 أيام على 1100 كلم من محافظة الرقة، وبالتحديد على 37 قرية و7 منشآت وتلال. وتحدث المرصد عن تقدم حققته قوات النظام والقوات الحليفة لها في الريف الشرقي لمدينة الطبقة، نحو الجنوب، حيث سيطرت على 9 مواقع وقرى، وتمكنت من الوصول إلى الطريق الواصل بين مدينة سلمية ومدينة الرقة، مما يعني أن مسافة نحو 40 كلم فقط تفصلها عن منطقة جب البيضا التي في حال السيطرة عليها يكون النظام أطبق الحصار على «داعش» في قرى ريف حلب الجنوبي الشرقي والقرى المتبقية داخل دائرة التفافه من ريف الطبقة إلى طريق سلمية – الرقة.وأوضح المرصد أن هذا التقدم لقوات النظام جاء بهدف تأمين طريق «حلب خناصر - أثريا - سلمية» المار من ريف حلب الجنوبي الشرقي، وبهدف وضع «داعش» أمام خيارين رئيسيين؛ الانسحاب من ريف حلب الجنوبي الشرقي قبل الوقوع في الحصار، أو القتال حتى النهاية، حيث تعمل قوات النظام منذ أشهر على تكتيك يعتمد على عمليات قضم للمناطق والتفاف للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة في أقل وقت وبأقل عدد من الخسائر البشرية.
مشاركة :