في اليوم الذي رحل إرنستو فالفيردي عن «أوليمبياكوس»، ليضع بذلك نهاية فترة ثانية قصيرة، لكنها ناجحة داخل الفريق عام 2012، سئل جوسيب غوارديولا حول سبب رحيل المدرب، وأجاب: «لقد فقدت اليونان مدرباً رائعاً، واستعدنا نحن مصوراً متميزاً».المؤكد أن فالفيردي ترك بصمة لا تمحى داخل أثينا، لا تزال قائمة على جدران معارض للفن الحديث وداخل خزانات الكؤوس والدروع باستاد غيورغيوس كارايسكاكيس بمدينة بيرايوس، حيث تمتع فالفيردي - حسبما أكد زميله الإسباني ميتشيل غونزاليس، الذي تولى مهمة تدريب أوليمبياكوس بعد رحيله بتسعة شهور - بهالة من القدسية حوله. ومع هذا، من الواضح أن فالفيردي نفسه لم يكن ليتقبل هذا الحديث عن «الهالة المقدسة»، حسبما قال أحد اللاعبين السابقين الذين عملوا تحت قيادته، وقال إنه «يتجنب كلمات المجاملة، ويفضل أن يبقى التركيز منصباً على اللاعبين». ومع هذا، يظل من المؤكد أن فالفيردي شخصية مختلفة.الرجل - الذي قاد أوليمبياكوس لثلاث بطولات للدوري وبطولتي كأس، ودفع أثليتيك بلباو للفوز بأول بطولة في تاريخه منذ 31 عاماً، وأصبح اليوم مدرب برشلونة الجديد – بدأ دراسة فن التصوير في معهد التصوير الفوتوغرافي بكتالونيا عندما انتقل إلى اللعب في صفوف إسبانيول عام 1986.عام 2012، نشر فالفيردي مجموعة من الصور بالأبيض والأسود وصفها الشاعر والكاتب الشهير بإقليم الباسك، برناردو أتشاغا بأنها «رقيقة وقوية في الوقت ذاته، كما لو أن يدين مختلفتين شاركتا في إبداعها». أما أرباح بيع الصور فتبرع به فالفيردي لصالح مشروعات اجتماعية في أثينا. يذكر أن أتشاغا من أصدقاء فالفيردي.ويعتبر فالفيردي من المعجبين بفرقة ستون روزيز، وقد سبق أن شبه عودته الثانية إلى تدريب أثليتيك بلباو بالجزء الثاني من فيلم «الأب الروحي»، والذي شكل إضافة جيدة للفيلم الأصلي. يذكر أن فالفيردي درس علم الأحياء بالجامعة لكن لمدة عام واحد فقط، أثناء مشاركته في صفوف فريق سيستاو ريفر عندما كان في الـ20 من عمره. في ذلك الوقت، كان يلعب في خط الهجوم وبلغ طوله 5 أقدام وخمسة بوصات، في الوقت الذي داعبت خياله فكرة العمل مصورا بعد اعتزال كرة القدم. إلا أنه قال من قبل: «إن لكرة القدم القدرة على امتصاص كامل تفكير المرء»، وبمرور الوقت تحول للعمل مدرباً. واليوم، أصبح مدرب برشلونة.في الواقع، بدأ دوماً وصوله إلى تدريب مثل هذا النادي العريق أمراً محتملاً. جدير بالذكر، أنه اشتهر بلقب «النملة»، الذي أطلقه عليه المدرب الإسباني خافيير كليمنتي. وخلال مسيرته، لعب فالفيردي في صفوف إسبانيول لمدة عامين، ثم برشلونة قبل أن ينضم إلى أثليتيك. داخل برشلونة، جاءت فترة مشاركته مع النادي قصيرة، لكنها تميزت بعمله تحت قيادة المدرب الهولندي يوهان كرويف، الذي قال عنه فالفيردي إنه: «ترك بصمة علينا جميعاً». عام 1994، قبل ثماني سنوات حتى من توليه تدريب الفريق الثاني لدى أثليتيك، كتب كرويف عنه أنه: «كان ذكياً ودائماً ما أبدى رغبته في التعلم. وفي حالة عمله مدربا، أعتقد أنه سيكون واحداً من أكثر العناصر الواعدة».وليست هذه المرة الأولى التي يلجأ إليه نادي برشلونة، كما أن برشلونة ليس النادي الوحيد الذي سعى للاستعانة بخدمات فالفيردي، ذلك أنه منذ صيفين ماضيين أبدى ريال مدريد رغبته في الاستعانة به، بل وكان فالفيردي الخيار الأول أمام النادي الإسباني، قبل رافا بينيتيز. إلا أن فالفيردي أجاب بالرفض؛ الأمر الذي يكشف الكثير عن شخصيته. وعندما رحل غوارديولا عن برشلونة، أوصى بأن يخلفه أي من اثنين فالفيردي أو مساعده تيتو فيلانوفا. وأخيراً، وقع الاختيار على فيلانوفا، سعياً من جانب مسؤولي النادي لضمان الاستمرارية. إلا أنه سرعان ما تلقى فالفيردي عرضين. في العام التالي، عرض برشلونة في هدوء عليه مهمة تدريب الفريق في خضم مساعي مسؤولي النادي إيجاد حل لمشكلة تردي الحالة الصحية لفيلانوفا. من جانبه، رغب فيلانوفا في الاستمرار، وعليه احترم برشلونة هذه الرغبة ووافق فالفيردي على العودة إلى أثليتيك. وبحلول الوقت الذي أوصى الأطباء بضرورة توقف فيلانوفا عن التدريب، كان الوقت قد تأخر كثيراً فيما يخص فالفيردي الذي كان قد تعهد بالفعل بالعمل مع أثليتيك وحرص بالفعل على الوفاء بوعده.بعد ذلك، تولى تاتا مارتينو مهمة تدريب كامب نو، لكنه رحل بعد عام واحد. ومن جديد، عرض برشلونة المنصب على فالفيردي الذي أخبرهم مجدداً بأنه ليس بمقدوره الرحيل عن أثليتيك. وعندما عرض عليه ريال مدريد مهمة تدريب الفريق، جاء رد فالفيردي مماثلاً. وتقبل برشلونة الأمر واستعان بلويس إنريكي، لكن مسؤوليه أخبروا فالفيردي أنهم سيعاودون الكرّة معه من جديد. ولم يبدل تغيير مدير الكرة شيئا على هذا الصعيد، وهذا الصيف انتهى تعاقد فالفيردي بعد أن ضمن لفريقه المشاركة في أوروبا للموسم الرابع، واتفق هو ومسؤولي أثليتيك أن الوقت قد حان لرحيله. وبالفعل، رحل في هدوء دونما مشكلات.ومثلما ذكر لاعب خط وسط أثليتيك بلباو السابق، خافي غونزاليز، فإنه: «حدث كل شيء بالتزامن، وقد رحل فالفيردي من الباب الأمامي للنادي وعلى النحو الصائب. واليوم، يتمنى له الجميع التوفيق ويأملون في أن يعود إلى النادي ذات يوم. واليوم داخل أثليتيك، يبدو ثمة تقسيم لتاريخ النادي بين حقبتي ما قبل وما بعد فالفيردي».جدير بالذكر، أن غونزاليز لعب تحت قيادة فالفيردي خلال فترة مشاركته الأولى مع أثليتيك بلباو، ويتحدث بود بالغ عنه. في الواقع، من الصعب إيجاد شخص لا يتحدث بود عن فالفيردي؛ لما يتمتع به من شخصية ودودة وكريمة ومنفتحة وذكية وصادقة، بجانب خفة الظل التي يتمتع بها أغلب الوقت، والاحترام الذي يحظى به على نطاق واسع، نظراً لحرصه على الارتقاء بنفسه بعيداً عن كل الجدال والقيل والقال المحيط بكرة القدم. ومع ذلك، فإنه داخل برشلونة، ستتعرض هذه الخصال لاختبار حقيقي بسبب المناخ السياسي القوي المحيط بالنادي والاهتمام الإعلامي الكبير والخصومة التاريخية مع ريال مدريد. ومثلما قال لاعب سابق تدرب على يد فالفيردي، فإنه: «لا يرغب في أن يصبح نجماً، ولا يبدي اهتماماً بالقضايا المثيرة للجدل».من جانبه، قال فالفيردي: «إنني مثل أي مدرب آخر. لو كان الخطأ في منطقة جزاء الخصم أرى أنها ركلة جزاء، وعندما يقع الخطأ داخل منطقة مرمانا لا أرى ذلك».ومع هذا، فإن قليلين للغاية بين المدربين لديهم شجاعة الاعتراف على هذا النحو العلني بأنهم معرضون لإطلاق أحكام خاطئة مثلما يقر فالفيردي، بل واللافت أن فالفيردي أصر على أنه من غير الصائب «محاولة فرض شروط على الحكام». في الحقيقة، قليل للغاية من المدربين يملك قدرة فالفيردي على الاجتياز عبر كل الهراء والجلبة المحيطة بكرة القدم بمثل هذا اليسر، بجانب قيامه بذلك على نحو طبيعي سلس، دونما غضب مصطنع.الأهم من ذلك، أن قليلين يتواصلون مع لاعبيهم على النحو الذي يفعله فالفيردي. من جهته، أكد أندير هيريرا، لاعب خط وسط مانشستر يونايتد، أن: «نقطة القوة الكبرى في أسلوب إدارة فالفيردي تتجلى داخل غرفة تبديل الملابس. إنه مدرب عظيم في صدقه وأسلوبه المباشر وشفافيته. ومن غير السهل إيجاد مدرب آخر ينجح في اجتذاب ولاء عناصر التشكيل الأساسي والاحتياط له بمثل هذه القوة».وقال غونزاليز: «يتمتع فالفيردي بقدرة جيدة للغاية على التعامل العاطفي والنفسي مع اللاعبين، بجانب مهارته الكبيرة في تحفيزهم. إنه يدرك جيداً متى ينبغي عليه الضغط على اللاعب، ومتى يتعين عليه تخفيف هذا الضغط. في الواقع، يملك كل المدربين أفكاراً وألقاباً ونماذج، لكن في نهاية الأمر يكمن العنصر الحيوي في أسلوب تعاملهم مع اللاعبين والحوار الذي يقيمونه معهم والملحوظات التي يمدونهم بها. وهنا تحديداً يكمن سر نجاح فالفيردي».على الجانب الآخر، أقر فالفيردي بأن غرفة تغيير الملابس داخل أثليتيك بلباو تتمسك بالبساطة نسبياً، بالنظر لكونها تضم مجموعة متواضعة نسبياً ومتناغمة فيما بينها بوجه عام من اللاعبين، فهم 25 لاعباً ينتمون إلى المنطقة المحدودة ذاتها، ويحملون أفكاراً وتطلعات متشابهة. في المقابل، لا يرى غونزاليز أن هذا الأمر يعني أن فالفيردي سيواجه صعوبة في التعامل مع لاعبي برشلونة، أو أنه يفتقر إلى القوة اللازمة لتدريب مثل هذا النادي الكبير. كما أنه من غير المتوقع أن تترك الخلافات السياسية والضغوط والاهتمام الإعلامي الضخم تأثيراً سلبياً على فالفيردي. جدير بالذكر، أنه لدى رحيله عن بلباو، بعد أن عقد مأدبة لأكثر من 200 شخص، شدد فالفيردي على رغبته في الانتقال إلى مكان «صعب»، ما يكشف عن عشقه خوض التحديات، وأنه لا ضعف أمامها.من بين أبرز الأمثلة على ذلك تعامله مع أحد الأزمات الشهيرة عندما طرد فرانسيسكو ييستي وأسير ديل هورنو لعدم انضباط سلوكهما في بلباو. أما بالنسبة للضغوط، فقد سبق وأن عايش فالفيردي ضغوطاً هائلة أثناء عمله في اليونان ـ وبخاصة في خضم الأزمة التي عصفت بناديه.نهاية الأمر، فاز أوليمبياكوس ببطولة الدوري وعاين فالفيردي على نحو مباشر ثورات غضب ومظاهرات، بجانب اشتعال أعمال شغب في المدرجات واشتعال توترات في الشوارع، بل وعاش أفراد من فريق العمل المعاون له في أحياء عانت انقطاع التيار الكهربائي من حين إلى آخر. والمؤكد أن أيا من المقربين منه ويعرفونه حق المعرفة سيندهش من أي محاولة للتشكيك في قدرة فالفيردي على مواجهة الضغوط، وسيجيب باستنكار: «ضغوط؟ فالفيردي لا يأبه بالضغوط، وهي لا تثير ضيقه مطلقاً. وإذا قال: إنه سيترك لاعباً في حجم نيمار، على سبيل المثال، على مقعد البدلاء، فإنه حتماً سيفعل ذلك».من جانبه، يتفق غونزاليز مع هذا الرأي. وعن ذلك، قال: «يدرك فالفيردي جيداً أن غرفة تبديل الملابس تعج بالنجوم، وربما يتساءل البعض عن كيفية تعامله مع نجم من العيار الثقيل مثل ميسي، لكنه يدرك جيداً كيف سيتعامل مع هؤلاء النجوم وعلى استعداد لخوض التجربة. وإذا ما وجد فالفيردي حاجة تدعوه إلى الحديث بنبرة حادة مرتفعة، فإنه لن يتردد في ذلك. ومع أن معظم الناس لم يروا هذا الجانب من شخصيته، لكن خلف الأبواب المغلقة، هذا الجانب موجود بالفعل. إنه على استعداد لإخراج أي لاعب من الملعب إذا كان في ذلك مصلحة الفريق ككل، ولو كان نجماً. كما أنه يتميز بهدوئه ورباطة جأشه في اللحظات العصيبة، ولا يسمح لنشوة الفرحة بالتأثير عليه وتشتيت تركيزه في أوقات النصر، وهي سمة عبقرية فيه. في الواقع، يتمتع فالفيردي بالهدوء في اللحظات التي يفقد من حوله السيطرة على أعصابهم؛ الأمر الذي يترك تأثيراً إيجابياً لدى اللاعبين. ورغم هذا الهدوء الذي يتميز به فالفيردي، فإن هذا لا ينفي تمتعه بشخصية قوية».بالنسبة لعلاقة فالفيردي وكرويف، سبق وأن أطلق أحد أصدقاء فالفيردي عليه لقب «ابن كرويف». وقال مدرب اللياقة البدنية المعاون له، جوزيه أنتونيو بوزانكو عام 2007: «أي فريق يتولى فالفيردي تدريبه يقدم كرة قدم جيدة، فهو يبث داخلهم عشق كرة القدم، وليس مجرد ممارستها بصفتها وظيفة روتينية». ورغم أهمية مثل هذه الصلات داخل كاتالونيا، فإنها لا تعني بأي حال من الأحوال الجمود، ولا تجعل من فالفيردي فيلسوفاً. يذكر أنه خلال افتتاح معرض له في أثينا، صرح فالفيردي بأنه: «يحمل الضوء أهمية للصورة، وكذلك الأهداف لكرة القدم. في الصور كما في كرة القدم، ينبغي أن تسعى دوماً نحو تحقيق التوازن. كما أن كلاهما يعتمدان على العناصر المتاحة لديك».من ناحيته، شرح غونزاليز: «ثمة تنوع في النظام الذي يتبعه فالفيردي وفي أساليبه. إنه يدرك جيداً الكيفية التي يدرب اللاعبين من خلالها، ويحاول إضفاء روح مرحة عليها، مع الاهتمام بالكرة وجوانبها الفنية. كما يحرص على الابتعاد عن التكرار؛ الأمر الذي يروق للاعبين كثيراً ـ وإنما تجده في صورة مختلف من يوم لآخر. علاوة على ذلك، لا يبدي فالفيردي شغفاً مفرطاً بالتفاصيل التكتيكية الدقيقة، وبخاصة أن ثمة أفكارا وفلسفة واضحة راسخة في صفوف لاعبي كل من أثليتيك وبرشلونة. كما أنني أرى تشابهات بين الناديين، فالكثير من الأفكار السائدة داخل أثليتيك تتواءم مع برشلونة أيضاً».أما هيريرا، فقال: «واحدة من كبرى نقاط القوة التي يتمتع بها فالفيردي قدرته على التكيف. في بلباو، مع راؤول غارسيا وأريتز أدوريز، اثنين من اللاعبين الممتازين في وضع اللمسات الأخيرة على الكرات المرتفعة، لعب فالفيردي على نحو يرمي لإتاحة الكرة أمامهما في أسرع وقت ممكن، وبخاصة من مراكز واسعة. في برشلونة، أنا على ثقة من أنه سيعدل أسلوبه ليتواءم مع طبيعة اللاعبين هناك. واليوم، أصبحت مسألة إدارة اللاعبين داخل غرفة تبديل الملابس من الأمور المحورية، ويتمتع إرنستو بمهارة رائعة على هذا الصعيد. وندرك جميعاً أن التحدي القائم وراء تدريب برشلونة يكمن في ضرورة الفوز في كل مباراة، لكنني على ثقة من أن النجاح سيكون حليفه».
مشاركة :