لا تتركها تقف عندك يمينة حمدي لم يعد فيسبوك مجرد وسيلة للتواصل وتقريب المسافات بين الناس، بل أصبح شبيها بقبر أبي العلاء المعري الذي قال عنه “رب لحد قد صار لحدا مرارا” ساخرا من تزاحم الأضداد، وربما الإحساس نفسه قد انتاب الكثيرين من رواد هذا الموقع، وخاصة بعد أن تحول فيسبوك إلى عبء اجتماعي إضافي يصيبهم بالتوتر ويدفعهم إلى فقدان صوابهم أحيانا. وكلما كان عدد الأصدقاء أكبر وكانوا من دوائر اجتماعية مختلفة، كلما زاد التوتر والانزعاج في حياتنا، وخصوصاً إذا كان بينهم أصدقاء لا نعرف شيئا عن توجهاتهم وسلوكياتهم في الواقع. فيسبوك مليء بالألغام الاجتماعية، ولكنه لن يختفي من حياتنا، أحببنا ذلك أم كرهناه، غير أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في فيسبوك، بل في الإشعارات المستمرة للرسائل التي تصلنا العشرات منها يوميا على برنامج المحادثة الفورية، وتكون في الغالب من أصدقائنا الافتراضيين الذين يغدقون علينا الأدعية والفتاوى والنصائح والمواعظ ومحتويات أحيانا لا تخطر على البال ولا على الخاطر، وتكون نهاية رسائلهم مرفقة بتعابير من قبيل “لا تتركها تقف عندك أرسلها لعشرة أو أكثر وانتظر أن تتحقق أمانيك بعد دقائق”. مثل هذه الرسائل تلعب على الوتر الحساس للكثيرين من أجل أن تجد طريقها إلى عقولهم، وتجعلهم يصدقون كل ما جاء فيها دون تبصر أو تفكير واع ينبذ الجهل ويترفع عن دائرته الضيقة والمغلقة. فبالرغم من أن مثل هذه الرسائل لا تُقدم في الغالب أي فائدة ترجى على الإطلاق سواء للمرسل أو المتلقي، والأفضل أن يكون مصيرها سلال المهملات، إلا أن معظم الأشخاص يحرصون على أن يكونوا أوفياء من الدرجة الأولى ليس لأصدقائهم على فيسبوك، وإنما لذلك المحتوى الذي يصدقون أنه سيغير حياتهم، ويخافون من أن يعود عدم إرساله إلى غيرهم بالوبال عليهم، فلا يدخرون أي جهد من أجل تعميمه على أكبر دائرة من أصدقائهم على فيسبوك. تلاشي الحدود الاجتماعية في فيسبوك جعل الكثيرين لا يهتمون إن كان أصدقاؤهم الافتراضيون يتوافقون معهم في الرأي أو في الاتجاهات الدينية والسياسية والذوق العام، أو يسلكون نفس طريقهم في الحياة، بل أكثر ما يهمهم هو أن تصل رسالتهم إلى العدد المطلوب ويتحقق رجاؤهم المزعوم منها. والمؤسف أن أغلب هؤلاء الأشخاص لديهم مستويات جيدة من التعليم والمعرفة، ولكنهم مدمنون بشكل ميؤوس منه على الاعتقاد بالخرافات والأفكار المتخلفة، وجميع هذه الأمور قد تجعلهم أهدافا سهلة للحيل والتحايل. قد تكون نوايا البعض منهم حسنة مما يجعلنا أحيانا نسكت على رسائلهم المزعجة ولا نطلب منهم صراحة الكف عن إرسالها خوفا من أن يفهمونا بشكل مختلف تماما عما كنا تقصده فنتسبب في جرح مشاعرهم، ولكن النوايا الحسنة لا تبرر التصرف بسذاجة وترك المجال لمن هب ودب لكي يدخل في أذهاننا ويؤثر على مشاعرنا، وبكل سهولة يملي علينا آراءه وأفكاره ويدفعنا إلى إيصالها لغيرنا. وتكمن المشكلة في أننا نعمد في غالب الأحيان إلى تجاهل هؤلاء الأصدقاء فلا يحصلون منا على كلمة ثناء واحدة على رسائلهم التي يعتقدون بأنها ستغير حياتهم وحياتنا، إلا أنهم لا يفهمون أن معنى ذلك “توقفوا عن إزعاجنا قبل أن يطفح الكيل، وبدل أن نحذف رسائلكم نحذفكم أنتم من قائمة أصدقائنا”. كاتبة تونسية مقيمة في لندن سراب/12
مشاركة :