شوارع الأوزاعي ترتدي ألوان قوس قزح تحت اسم «أوزفيل»

  • 6/16/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

طالما شكّلت منطقة الأوزاعي مشهدا غير مرغوب فيه للسياح الذين يقصدون لبنان، كونها أول عنوان بصري لهم عن لبنان يلحظونه من نوافذ طائرتهم. فأزقتها الفقيرة وبيوتها الرمادية وشوارعها الوسخة كافية لأن تزوّدهم بانطباع سلبي عنه ككل. إلّا أنّ مبادرة فردية بدأها إياد ناصر ابن هذه المنطقة، على الرغم من غربته عنها لفترة طويلة، كانت كفيلة بأن تحوّلها إلى منطقة سياحية بين ليلة وضحاها تحمل اسم «أوزفيل».يروي إياد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «ارتأيت أن أعطيها هذا الاسم ليتلاءم مع ولادتها الجديدة من ناحية ولإبعاد فكرة أنّها منطقة مشوّهة بيئيا من ناحية ثانية». ويتابع: «أنا ابن المنطقة وولدت فيها منذ أكثر من 28 عاما، وكوني تربّيت من دون والدين (تخلّيا عنه)، شعرت وكأنّها تشبهني. فهي متروكة من قبل الدولة اللبنانية وحتى من أهلها حيث لا يرغب أحد في أن يضيّع وقته في تجميلها أو مدّ يد العون لها. فقررت أن أحضنها على طريقتي وأن ألبسها أزياء تليق بموقعها السياحي (تقع على الواجهة البحرية جنوب بيروت)، فحلمت بشخصيتها الجديدة وطبّقتها على الأرض».مبادرة ناصر التي انطلق بها منذ أقل من سنة ترتكز على تلوين بيوت منطقة الأوزاعي وجدران طرقاتها، فكانت بمثابة عصا سحرية لامست 80 منزلا من أصل 1000 وأربعة شوارع أساسية فيها والبقية تأتي. «لم أجد أي تفاعل معي من قبل الناس أو فناني الغرافيتي (الرسم على الجدار)، المحليين في البداية. فكنت أنوي يومها أن أغطي النفايات المكدسّة في شوارع الأوزاعي كغيرها من المناطق اللبنانية التي تعاني من المشكلة البيئية نفسها، بالرسوم والألوان تحت عنوان (آرت غاربدج)، لإضفاء نوع من الإيجابية على سكانها. فطالما عانوا من إهمال الدولة اللبنانية لهم لأن غالبية البيوت الموجودة فيها غير مرخّصة». وتابع: «مع مجيء الرئيس سعد الحريري وانتهاء أزمة النفايات، خطر في بالي أن أبقي على مشروعي وألوّن البيوت بدل النفايات. فاتصلت بفنانين لبنانيين لم يُظهروا أي حماس للفكرة، عندها قررت أن استقدم فنانين من الخارج على نفقتي الخاصة بعد أن شعرت بأنّهم متعاونون معي إلى آخر حدّ».ومع 40 فنانا غرافيتيا جاءوا من مختلف دول العالم (أميركا وفرنسا وإيطاليا والبرازيل وفنلندا وغيرها)، بدأت رحلة إياد مع إعادة تجميل منطقته، وفي مقدّمهم الرسام الأميركي العالمي ريتنا المعروف ببراعته بهذا الفنّ (غرافيتي). فكسر الإيقاع الرتيب التي تعيش فيه المنطقة من جهة، وحاجز الخوف الذي كان يمتلك اللبنانيين عامة لمجرّد التفكير بزيارتها كونها منطقة شعبية تعاني من قلّة النظافة من جهة ثانية. «صرت استقدمهم بالعشرات أولا، فيرسمون ما يخطر على بالهم من صور وورود وأشجار وشخصيات شهيرة ومناظر طبيعية، ولأدعوهم بعد يوم من العناء والعمل الجهيد إلى مطعم في الأوزاعي يقدم وجبات لذيذة من السمك الطازج المستقدم من طرابلس والناقورة والعبدة، فيشعرون بالراحة لمجرّد النظر إلى شاطئ البحر وهم يتناولون أطباقا شهية».ومع الوقت ازداد عدد الرسامين الذين تفاعلوا مع مبادرة إياد ناصر لينضم إليهم فنانون محليون أمثال «أشكمان» (شارك في رسم شخصية غريندايزر) وبتول ناصر (رسمت لوحة زهور بعنوان مندلة) وزهراء ناصر وديما بولاد وماري جو أيوب وغيرهم. كيفما تجوّلت اليوم في شارع الأوزاعي العريض ستلفتك رسومات مختلفة لوّنت بالأزرق والأخضر والأصفر والأحمر تصوّر سمكة ضخمة ووجه سنجاب وأنف البطاطا. «كنت ما زلت أدفع مجمل تكاليف هذه الأعمال (طلاء وبخّاخات وفرش ضخمة)، إضافة إلى تلك الخاصة بإقامة هؤلاء الفنانين في لبنان، إلى أن بدأت بعض أيادي الخير تمدّني بالعون ولو بشكل خجول. ولكنّي أتمنى أن تتعاون معي وزارة السياحة خصوصا أن المنطقة أصبحت مقصودة من قبل السياح الأجانب الذي صاروا يعتبرونها محطة بارزة في جولاتهم على مناطق لبنان السياحية. كما أنّ بعضهم صار يقصد مطعم السمك (ريبا كافيه)، بعد أن ذاع صيته على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الصور التي كان ينشرها عليه الفنانون المشاركون في هذه المبادرة». حسبما يوضح إياد ناصر.كلّ ما أراده ناصر كما ذكر لنا، هو أن يظهر حبّه للبنان، إذ بقي متمسّكا بجذوره على الرغم من غربته عنه وتنقّله في مختلف بقاع العالم. «ربما لأن الجميع تخلّى عني عندما كنت صغيرا، دفعني بصورة غير مباشرة إلى عدم التخلي عن بلدي، فهو شعور تملّكني لسنوات طويلة فحاربته بالعمل وتأسيس شركتي الخاصة (لوفت إنفستمانت)، وهدفها تجميل البيئة، فقاومت الحزن بفرح الألوان والتعاسة بإيجابية الأمل».اليوم تعدّ «أوزفيل» نموذجا حيّا لمنطقة سياحية شرّعت أبوابها الملوّنة أمام زائريها من أي شريحة كانوا. فتحولّت بين ليلة وضحاها إلى حديث البلد لا سيما أن مستقبلا مشرقا ينتظرها من خلال إكمال خطة العمل.

مشاركة :