قطر كانت وراء الزج بحركة حماس في انتخابات 2005 بطلب رسمي من الولايات المتحدة الساعية وقتها إلى خلق رديف سياسي لحركة فتح.العرب أمين بن مسعود [نُشر في 2017/06/16، العدد: 10665، ص(8)] بعض المداخلات والتصريحات السياسية لمسـؤولين كبـار في دوائر اتخـاذ القرار تصلـح لأن تكـون وثيقة تـاريخية منهـا يعتبـر المخطئ ويترسّخ الميثاقي ويستفيق الغافل. تصريح رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم للقناة الأميركية “PBS” العمومية يتنزّل في هذا الإطار المرجعيّ، فقائد الدبلوماسية القطرية لزهاء عشرين عاما كشف حقائق تاريخية تمثّل براهين دامغة على حقيقة الدور القطري في منطقة الشرق الأوسط. ذلك أنّه في خضم سعيه إلى التقرّب من الإدارة الأميركية الجديدة وبحثا عن هوة في جسم التحالف الرباعي ضد الدوحة والمدعوم من واشنطن، أسقط بن جاسم القناع السياسي عن الدوحة وبرهن على مصداقيّة ما ذهبت إليه العديد من القراءات السياسية في المنطقة العربية بأنّ قطر ليست سوى وكيل وعاصمة وظيفيّة للولايات المتحدة الأميركية. أسقط بن جاسم كافة المقولات السياسية والدعائية التي يروّج لها الإخوان وإخوان الإخوان، بأن وقوف الدوحة مع حماس دفاعا عن القضية الفلسطينية أثار حفيظة “المعتدلين”، وبالتالي كانت المقاطعة التي واجهتها الدوحة ووجهتها الحقيقية القضية الفلسطينية. أكد بن جاسم أن قطر كانت وراء الزج بحركة حماس في انتخابات 2005 بطلب رسمي من الولايات المتحدة الساعية وقتها إلى خلق رديف سياسي لحركة فتح، يسمح لا فقط بابتزاز الحركة لتقديم تنازلات تاريخية جديدة وإنما أيضا بإدخال حماس بيت الطاعة وإسقاط محاذيرها ومحظوراتها الواحدة تلو الأخرى. هو التطبيع الناعم كما سطرته واشنطن ورسمته تل أبيب وتكفلت الدوحة بتسريبه لحركة حماس على خطوات مدروسة، تبدأ من المشاركة في الانتخابات البلدية والتشريعية في 2005 وفق مقتضيات أوسلو وحلّ الدولتين، وتمر بصياغة وثيقة سياسية جديدة فيها ملامح القبول بدولة فلسطينية على نصـف الجغـرافيا وربع التاريخ، وتنتهي عند مصافحة تاريخية بين إرهابي الأمس الفلسطيني وحمامة السلام الإسرائيلي.إبان سنوات الربيع العربي باتت حماس الذراع الفلسطينية العسكرية والسياسية والدعائية لسياسات الدوحة في سوريا، وانخرطت في حبال الإغواء القطري بالمشروعية الوطنية وبالدعم الإقليمي والدولي تحت عنوان الإخوان في كل مكان وكما يذهب بطل المأساة الإغريقية إلى حتفه مدفوعا بسراب الغد وإغراءات الأقارب ومنطق القضاء، ارتحلت حماس من الخنادق إلى الفنادق، ومن رسملة الوحدة الوطنية إلى مأسسة الانفصال والانقسام، ومن فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر إلى قطاع غزة، من المعبر إلى المعابر. منذ 2005 وحماس تقدّم التنازلات السيـاسية والمبدئية والميثاقية، قبلت في 2006 المشاركة في حكومة وحدة فلسطينية برئاسة إسماعيل هنية يؤكد نصها التأسيسي بأنها حكومة تعكس الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ولا تريد التصعيد مع تل أبيب. قبلت الحركة بعناوين مزايدتها السياسية على فتح، قبولا بالاحتلال وانضواء صلب التسوّل الرسمي من الرباعية الدولية، روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة. رضيت حماس في الانقلاب العسكري ضد منظمة التحرير الفلسطينية والذي نعيش هذه الأيام ذكراه العاشرة، بتحويل قطاع غزة من جغرافيا الحد الأدنى للدولة الفلسطينية بمنطق التاريخ إلى جغرافيا الحد الأقصى للدولة الناقصة بمنطق الأيديولوجيا والديماغوجيا. وإبان سنوات الربيع العربي، باتت حماس الذراع الفلسطينية العسكرية والسياسية والدعائية لسياسات الدوحة في سوريا، وانخرطت مرة ثانية في حبال الإغواء القطري بالمشروعية الوطنية وبالدعم الإقليمي والدولي تحت عنوان “الإخوان في كلّ مكان”. تؤكّد مصادر من داخل دمشق وخارجها أن حماس سهّلت دخول الجماعات التكفيرية على غرار جبهة النصرة وتنظيم داعش إلى مخيم اليرموك، ساعات قليلة بعد خروج القيادات السياسية نحو الدوحة، وأن الحركة كانت ضالعة بشكل من الأشكال في دعم وتدريب بعض الجماعات الإرهابية القريبة من الإخوان على غرار شباب الهدى ولواء الحبيب المصطفى وكتيبة أبوهارون المتمركزة في جوبر ومشروع أمة وابن تيمية والأجناد في درعا، إضافة إلى المشاركة الفاعلة في تأسيس كتيبة عبدالله عزام وكتيبة أكناف بيت المقدس في مخيم اليرموك. وفي كل خطوة من الخطوات السياسية والعسكرية كانت حماس تستنزف عمقها الاستراتيجي وتستهدف مناقبية توحيد البوصلة وتحديد البندقية ضد الكيان الصهيوني. ومثل المقامر الغبيّ الذي يدفعه صاحبه الشقي للمغامرة بكل رصيده المالي وبمتابعة المقامرة إلى الآخر، إدراكا منه بأنّ الأخير سيصبح رهينة لديه بعد طول اقتراض وكثير من المراهنة الخاسرة، كانت حماس مدفوعة بـ“نصائح” الدوحة تنقلب مرة على الحاضنين والداعمين زمن اللامأوى وتغامر بوضع كل بيضها في سلة الإخوان في مصر وليبيا وتونس وسوريا. وفي الوقت الذي صارت الحركة على حافة الإفلاس السياسي والمادي والجغرافي، دفعت حماس بوثيقة سياسية جديدة عنوانها “نصف اعتراف بإسرائيل نصف تخلّ عن المقاومة العسكرية”، وقوامها أيضا شطب فصل “شطب إسرائيل من الجغرافيا”. هكذا هي الوظيفية القطرية لحساب الولايات المتحدة على حساب القضية الفلسطينية، كما اعترف بها مهندس التطبيع الناعم وتحويل المقاومات إلى مقاولات. أما أخطاؤه في سوريا وليبيا وباقي الجغرافيا العربية فتحتاج إلى وقفات عديدة واستنتاجات كثيرة. كاتب ومحلل سياسي تونسيأمين بن مسعود
مشاركة :