تأملات محمود حمدي زقزوق في أزمة الفكر الإسلامي المعاصر

  • 6/17/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في كتابه «تأملات في أزمة الفكر الإسلامي المعاصر: نظرة نقدية» (دار الفكر العربي)، يركز الدكتور محمود حمدي زقزوق على مظاهر الجمود في ذلك الفكر وضرروات التجديد. يحدد زقزوق ملامح أزمة الفكر الإسلامي المعاصر في الحيرة والارتباك المسيطرين على خطوات المجتمعات العربية الإسلامية، فهناك تيارات فكرية تحاول أن تشد هذه المجتمعات إلى الوراء متعامية عن مستجدات العصر وما طرأ على العالم من تغيرات جوهرية، وهناك في الوقت نفسه تيارات تحاول أن تجذبها من وهدتها بطريقة قد تفقدها توازنها وتقتلع معها جذورها بل وتفقدها هويتها، ويبدو الأمر وكأنه خيار بين تيارين متطرفين يمثلان إفراطاً في جانب وتفريطاً في جانب آخر. وهو المعنى نفسه الذي عبر عنه شكيب أرسلان، «من أكبر عوامل انحطاط المسلمين هي الفئة الجامدة التي لا تريد أن تغير شيئاً ولا ترضى بإدخال أقل تعديل على أصول التعليم الإسلامي لاعتقادهم بأن الاقتداء بالكفار كفر وأن نظام التعليم الحديث وضعه الكفار». ويذهب زقزوق إلى أن أي خبير جاد في مجال العلوم الإسلامية يعرف أنها لم تتطور كثيراً عما كانت عليه منذ قرون ولا تزال تعيش في عصر «الاجترار الثقافي». وإذا كان هذا هو الواقع المر بما يشتمل عليه من جمود فكري عقيم، فإن الضرورة تقتضي تجاوزه، تلبية لمتطلبات العصر. ومن أجل تنشيط الفكر الإسلامي وتجديده، يعرض زقزوق بعض الأفكار حول قضية رئيسية وهي الاجتهاد والتقليد، وينطلق من أن النصوص التي يرجع إليها الفقهاء محدودة، ولكن مستجدات كل عصر لا تنتهي، ومن ثم يتطلب التعامل مع واقع الحياة عقلاً راجحاً وأفقاً واسعاً في فهم النصوص. وهو ما جعل المفكر الإسلامي محمد إقبال يصف الاجتهاد بأنه مبدأ الحركة في الإسلام. وعلى ذلك فالفقهاء في كل العصور مطالبون بالاجتهاد من دون توقف وليس من حق أحد أن يغلق باب الاجتهاد. ويحدد زقزوق قضيتين في حاجة إلى اجتهاد جديد. قضية الجهاد، وقضية الخلافة. إذ ظهرت فتاوى تحض على الجهاد لا من أجل تخليص المسجد الأقصي من الصهاينة وسعيهم جاهدين الى تهويد مدينة القدس، وإنما تنصب الدعوة إلى الجهاد ضد فريق أو جيش من المسلمين لخلافات سياسية، بل من المبكي ظهور بعض المفتين يدعون إلى جهاد النكاح ويتساءل زقزوق: هل هذا هو الإسلام الذي نريد تقديمه للعالم المعاصر؟ أما قضية الخلافة، فإزاء الجدل الذي يدور حولها في الوقت الراهن، يعتبر زقزوق أن المطلوب هو بحثها في ضوء متغيرات العصر بأوسع معاني وأبعاد هذا التغيير، ذلك أنه إذا كانت الخلافة بعامة هي العمل على وحدة المسلمين وتآلفهم بما من شأنه أن يحقق لهم العزة والمنعة والأمن تحت مظلة واحدة، فإن السؤال هو: هل تحقيق هذا الهدف لا يكون إلا من خلال الصيغة التقليدية المتوازنة منذ خلافة أبي بكر (رضي الله عنه) حتى سقوط الخلافة العثمانية؟ أم أن هناك مساحة من الحرية تتيح البحث عن صيغة أخرى بديلة يمكن أن تحقق الهدف المنشود في ضوء متغيرات العصر؟ ويتنقل زقزوق إلى مناقشة الفكر الإسلامي في تأثره ومدى تفاعله مع التيارات المعاصرة وبخاصة العولمة، والتنوير، وما يتصل بهما من نقاش متجدد حول التراشد وتجديد الفكر الديني. حول هذه القضايا يبدأ زقزوق من إعادة تأكيد حقيقة أننا نعيش عصر ثورة المعلومات والاتصالات، الثورة التكنولوجية، وعصر الفضائيات والبرمجيات، عصر العولمة والإنترنت، ما يجعله عصراً مختلفاً تماماً عن أي عصر سابق. ويستخلص من هذه الحقيقة أن الإسلام لا يستطيع أن يعزل نفسه عن كل ما يدور حوله في هذا العصر أو أي عصر قادم خصوصاً أنه في جوهره، دين للحياة بكل أبعادها وكل جوانبها مادية كانت أم روحية. فهو دين لا ينعزل لحظة عن مشكلات الإنسان، ومن هنا فهو يعيش معه ماضيه وحاضره ومستقبله، ولا يكبله بأغلال تعيقه عن التقدم ومواكبة العصر. إنه يضع الأطر العامة ويترك للإنسان حرية الاجتهاد والبحث عن الحلول الناجعة لمشكلات عصره. ويستخلص من هذه الحقيقه أن العيب اذاً ليس في الدين ولكن في الفهم السقيم للدين، ومن ثم فإن التخلف والجمود والقصور في مسيرة الإسلام ليس بسبب الدين وإنما بسبب عقول تحجرت وقلوب تبددت وأفهام قصرت عن إدراك جوهر الدين وجوهر الحياة معاً. في هذا الإطار الفكري يناقش الكتاب أهم قضية معاصرة وهي العولمة فيقرر ابتداء أنه ليس مع أو ضد العولمة ولكن مع النظرة النقدية الواعية للعولمة وغيرها من التيارات الوافدة، وكما ينبه أن الاسلام كدين ليس تياراً فكرياً أو ظاهرة وقتية حتى يخشى عليه من التيارات الوافدة مهما كانت قوتها طالما فهم المسلمون هذا الدين فهماً صحيحاً. وهكذا فالعولمة واقع لا يجدي معه أسلوب الرفض. وهو واقع يمثل حقيقة ماثلة أمامنا ولا مجال لإنكارها. وفي رأي زقزوق، فإن العولمة تمثل للمسلمين دعوة غير مباشرة لممارسة النقد الذاتي ليعيدوا النظر في حساباتهم ويعيدوا ترتيب البيت من الداخل. وقد يرى البعض أن العولمة استفزاز زائد للمسلمين، ولكنه استفزاز مفيد إذا أحسن المسلمون التعامل معه بأسلوب عقلاني، بعيداً من التشنج والانفعال. أما قضية التنوير الذي ارتبط مفهومه في أذهان الكثيرين بالكثير من السلبيات، واعتبره البعض مرادفاً لكل ألوان التحلل من القيم والمعتقدات ومناقضاً للإسلام، فإن كتاب زقزوق يوضح المقصود من التنوير في الفكر الإسلامي والفكر الغربي، حيث نبَّه إلى أن الذين قادوا الانطلاقة الأوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر كانوا فلاسفة ومفكرين مثل جون لوك وديفيد هيوم في بريطانيا، والموسوعيين في فرنسا، وهيغل في ألمانيا. أصبح مفهوم التنوير مع هؤلاء يمثل حركة أو رؤية عقلية رأت في العقل الوجود الحقيقي للإنسان وسعت إلي تحرير الحضارة من الوصاية الكنسية والخرافات. وفي هذا نبَّه زقزوق إلى ما يعتبره حلقة منسية في هذا التطور الجديد في الفكر الأوروبي متمثلة في فلسفة ابن رشد التي كانت من أقوى الدوافع التي أدت إلى إحداث هذه الحركة التنويرية. وعلى هذا يستخلص زقزوق أن التنوير الأوروبي في نشأته الأولى كان صناعة إسلامية اعتماداً على فلسفة ابن رشد. وهو ما يعني أن بضاعتنا ردت إلينا في العصر الحديث ولكنها جاءت مشوهة ومضادة لفكر ابن رشد نفسه. الإسلام لا يرفض التنوير المبني على العقل، ولكنه يرى أنه ليس كافياً بما يعني أن التنوير في الإسلام يقوم على دعامتين أساسيتين هما الدين والعقل. في مناقشة أزمة الفكر الإسلامي المعاصر كان لا بد من المساهمة في الجدل الذي تجدد في شكل واسع، عن التراث والدعوة إلى تجديده. في هذا يبدأ زقزوق من مقدمة مفادها أن الأمة الاسلامية إذ تريد أن تستعيد شخصيتها الإستقلالية في نظرتها إلى الأمور وإلى الحياة بعامة، فإنه لا مفر أمامها من الاسترشاد بماضيها وتراثها وتبحث فيه عن عوامل النهوض وأسباب التقدم. غير أنه في هذا البحث يجب أن تراعى متغيرات العصر وما يستجد من تطورات إيجابية في المجالات كافة. ويعتقد زقزوق أننا نملك الحرية في الاستفادة من إيجابيات الحضارة الغربية مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بالعناصر الأساسية في تراثنا، وفي هذا فإننا لسنا في تجربة جديدة فقد سبق أن جمع أسلافنا في مرحلة بناء الحضارة الإسلامية بين تراثهم والإستفادة في الوقت نفسه من إيجابيات الحضارات السابقة واستطاعوا أن يدمجوا بين الجانبين من دون حرج. واضح ارتباط النظرة إلى التراث بالدعوة التي تجديد الفكر الديني، وعند زقزوق فلأن الفكر الديني هو جزء من الفكر الإنساني، فإنه يمكن القول إن تجديد الفكر الديني يعد ضرورة حياتية، والحديث عن التجديد في الفكر الديني في الإسلام يستدعي في الذهن الحديث عن العقل وعن الاجتهاد فهما عماد التجديد. أما المقابل للتجديد فهو الجمود والانغلاق وهو ما يعني التخلف المختلفة صوره وأشكاله. لذلك، فإن قضية تجديد الفكر الديني ليست هامشية وإنما هي بالغة الأهمية في حياة المسلمين لما للدين من عمق في النفوس. في هذا يؤكد زقزوق عدداً من الحقائق في مقدمها أن التجديد من طبيعة الإسلام، وأنه لا تناقض بين الدين والتجديد، ويستشهد بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إن الله يبعث لهذه الأمة كل مئة عام من يجدد لها دينها».

مشاركة :