الوطنية ليست شعارات براقة ترفع، ولا احتفالات باهتة تعمل، ولا تغريدات عابرة تكتب، ولا قصائد رنانة تنشد، ولا لوحات زيتية تدهن، ولا أزياء تلبس، ولا مجرد تنظيرات تقال، ولا نعرات ممجوجة، ولا عصبيات مرفوضة، ولا نزعات شخصية مريضة، ولا مجرد كلام إنشائي يتلى في المناسبات، ولا حديث مطاطي يروى من على المنصات، ولا محاضرات مملة، ولا قرارات إدارية تعسفية تصدر، ولا محاولة العبث بفسيفساء اللحمة الوطنية الفاخرة، ولا التأطير للدسائس والتباغض والتناحر، وأحياء الماضي البغيض الدفين، ولا تعني العزلة على الإطلاق، ولا الصمت المطبق وقت الأزمات وحلول الأخطار، الوطنية الحقة، هي الممارسات الهادفة، والسلوكيات النبيلة، والأقوال الفاعلة، وشدة الامتزاج والتفاعل مع متطلبات الوطن وأهدافه ورؤاه، والإسهام بشكل فاعل بجعل المجتمع مهدداَ للتواصل الإنساني، والتفاعل الحضاري، واستنهاض الهمم، وذلك بجعل الوطن أيقونة للتسامح والتعايش والممارسات الجميلة واحترام الجميع، والعمل على تجذير ثقافة السلم والتناغم بين مكونات المجتمع بمختلف أطيافه الفكرية والثقافية ومضاعفة الجهد لإصلاح وتطوير المجتمع، واستكمال بناء لبنات البناء الإنساني، وترسيخ التنوع، وتعزيز التكامل، الوطنية الحقة هي الفخر والاعتزاز والانتماء والتضامن والتعلق العاطفي للأرض ولولاة الأمر، والوطني الحق هو من يحب بلاده في السراء والضراء، في السر والعلن، ويدعم سلطتها ويقف معها، ويصون مصالحها ووحدتها، ويحافظ على هيبتها، وإيثار النفس ودفعها للتضحية من أجل مصلحة البلاد والعباد، والاعتزاز بالرموز الوطنية واحترامها والدفاع عنها في كل المناسبات والميادين والمحافل، إن حب الوطن الذي لا يحملك على عرفانه وحماية مكاسبه وصيانة خيراته ومقدراته من كل جاحد أو حاقد أو متربص في الداخل أو الخارج ليس هو ذاك الحب الحقيقي النقي، يقول الشاعر: «وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق» إن ترسيخ الوحدة الوطنية الواحدة أضحى واقعاً ملموساً، وهدفاً مبتغى ونبراساً، وأن توطيد الوعي القائم على الشعور العقلي والمباشر يجب أن يفعل من جميع القوى والمجاميع والأطياف ومن على المنابر ودور العلم ومنصات المسارح وكراسي المناسبات، إن الوطنية الحقة هي أن يقطن الوطن في أعماقنا، ويسكن أرواحنا وأجسادنا، وأن نهيم به حباً وعشقاً وحنيناً، وأن نأخذه معنا أينما توجهنا وحللنا ممارسة وأخلاقاً وسلوكاً، فنغرم بصحرائه الواسعة، وجباله الشاسعة، وأوديته المنهمرة، وسهوله الخضراء الخصبة، وبحاره الجميلة، وسواحله السّاحرة، قيل لأعرابي: ما الغبطة؟ قال الكفاية ولزوم الأوطان والجلوس مع الإخوان، قيل: فما الذلّة؟ قال: التنقّل في البلدان والتّنحي عن الأوطان، وقيل لأعرابي آخر: كيف تصنع في البادية إذا اشتدّ القيظ وانتعل كلّ شيء ظلّه؟ أجاب قائلا: وهل العيش إلاّ ذاك، يمشي أحدنا ميلا فيرفضّ عرقا، ثمّ ينصب عصاه ويلقي كساءه، ويجلس في فيئة يكتال الرّيح، فكأنّه في إيوان كسرى، أن التنكر للأوطان، وهجر حبها إنما مرده إلى شيوع ثقافة التيأيس والإحباط والتصنيف والفرز والعبث في إصدار بعض التعليمات والقرارات اللامسؤولة من جرّاء تصرفات البعض الخاطئة حينما صار حب الوطن والتغني بالوطنية سلما لهم للوصول لنيل المناصب وتقلد المراتب والحصول على الشهرة والأوسمة والمكاسب، وتقسيم الناس إلى وطنيين وغير وطنيين، أصليين وغير أصليين، أصحاب جذور وفرعيين، عائدين ومقيمين، الوطنية ينبغي أن لا تكون مكسباً أو مغرماَ، بل هي عقيدة وإيمان، وإنّ تنمية الحس الوطني عند أجيالنا الجديدة يأتي حينما يتقاسم أبناء الوطن الواحد الوطن كما يتقاسمون لذائذه، بعيداً عن مواطن التزلف وطرق الغش والتسويف والخداع في تحقيق المنافع الفئوية والخاصة، إن جهود الجميع يجب أن تنصب في الاستماتة على حب الوطن، وتنمية الحس الوطني، وغرس قيم المواطنة الصحيحة، وأن نكون كلاَ في موقعه ومسؤوليته خير من يجسد الوطنية بصدق وتفاني، وأن ننذر أنفسنا جميعاً للوطن ومن أجله وخدمته والدفاع عنه والموت في سبيله، والوقوف صفاَ واحداً معه في كل الأزمات الصغيرة منها والكبيرة دون تباطؤ أو تسويف أو تردد أو تأني أو الجلوس في منطقة الرماد.
مشاركة :