إن من خير الدنيا والآخرة بجانب الزوجة الصالحة والزوج الصالح هو الرفيق الصالح، فلا يوجد إنسان يستطيع العيش دون صديق يؤنس وحدته، ولكن لكي نقتل تلك الوحدة لا نختر أي رفيق والسلام، لمجرد ونيس، وأكثر من يقع في تلك المعضلة هو ذلك المغترب في بلاد لا يعلم فيها شيئاً. وما أكثر مَن اغترب في تلك الأيام، فيسلم نفسه إلى صديق يجهله لا يعلم عنه شيئاً ويرضى به لمجرد كونه ونيس تلك الوحدة، فيجد نفسه في النهاية مختلفاً عما كان عليه، ويرجع ذلك إلى كيف كان صديقه، فالصديق ذلك بإمكانه أن يقلب حياتك رأساً على عقب، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر كل منا إلى من يخالل"، الأصدقاء نوعان، فالصديق الصالح هو الصديق الصدوق صادق الوعد مصداقاً ضميرك الحي الذي يعينك على الطاعة، طاعة الله سبحانه وتعالى، وبر الوالدين، يعينك على الرحمة بين الناس، وعلى الحق، وينهاك عن الباطل، المخلص لك، الأخ الذي لم تلده أمك، مَن يربت على كتفك عند المحن بكل صدق ودفء الأخوة الرحيمة الذي يبعدك عن خطوات الشيطان، الذي يمد إليك يده عند سقوطك، من يأمرك بالمعروف، ومَن ينصحك في الخفاء، ويمدحك في العلن. عن أبي سعيد الخدري، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي"، والصاحب الذي إذا ذكرت الله -سبحانه وتعالى- أعانك على ذلك، وإذا نسيت ذكّرك، وصديقك الصالح هو مَن يعاونك على البر والتقوى، ومَن ينهاك عن الإثم والعدوان. اختر ذلك الصديق الذي تجد حبه في أفعاله وغير ذلك يجب ألا نختار، وإن لم تجد فالوحدة أولى لك في ذلك الوقت؛ لأن النوع الآخر عند رؤيته يجب أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وهمزاته، فهو هذا الشيطان المتمثل في صورة إنسان، الناهي لك عن كل خير، وإذا كان فيك خير سيصنع كل شيء لدفن ذلك الخير، سيعينك على المعاصي بكل أنواعها، ستفقد نفسك وروحك، ستعيش أبداً في ظلمات فكرية وأخلاقية، ستنغمس فيها، سيبغضك كل من حولك، لن تستطيع تكوين نفسك وشخصيتك، لن تكون ذلك القدوة لابنك أو لابنتك، ستبتعد عن رضا الله، سيقفل أمامك كل باب ظننته مفتوحاً، ستزداد غربة نفسك التي هي أقوى من غربة الوطن بكثير. ولأن القرآن الكريم لم يترك شيئاً إلا وأوضحه لنا وأوضح عاقبته، ففي سورة الفرقان تتحدث الآيات عن صديق السوء، وما يفعله بصديقه، وإن كان فيه خير: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً). وسبب نزول تلك الآية الكريمة كان (عقبة بن أبي معيط) من زعماء المشركين، لكنه كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ويستمع إلى القرآن، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إلى ضيافته، فلبّى النبي صلى الله عليه وسلم دعوته، إلا أنه أبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين، ففعل. وكان (أبي بن خلف) صديقاً لعقبة، ولما علم بإسلامه جاء إليه فعاتبه، وقال له: صبأت. فقال: لا والله، ولكن محمداً أبى أن يأكل من طعامي وهو في بيتي، فاستحييت منه فشهدت له. فقال: لا أرضى منك إلاّ أن تأتي محمداً وتؤذيه، فذهب على الفور إلى دار الندوة، فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ساجداً في صلاته، فتقدم منه وآذاه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ألقاك خارج مكة إلاّ علوت رأسك بالسيف)، فأسر يوم بدر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً فقتله. فكان عقبة ذلك فيه خير، ولكن صديق السوء ذلك كان السبب في قتله، وغضب الله سبحانه وتعالى عليه، وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم أيضاً، وسبب هلاكه في الدنيا والآخرة. يقول علي بن أبي طالب رضوان الله عليه: وإِذا الصديقُ رأيتَهُ متملقاً ** فهو العدوُّ وحقُّه يُتَجنب لا خيرَ في امرئٍ متملقٍ ** حلوِ اللسانِ وقلبهُ يَتَلهَّبُ يلقاكَ يحلفُ أنه بكَ واثقٌ ** وإِذا توارى عنك فهو العَقْرَبُ يعطيكَ من طرفِ اللسانِ حلاوةً ** ويروغُ منك كما يروغُ الثعلبُ واخترْ قرينَكَ واْطفيه تفاخراً ** إِن القرينَ إِلى المقارن ينسب فإلى أي قرين نريد أن ننتسب؟ فنحن لا نريد من يدلنا على طريق الشر، ولكن نريد مَن إلى الخير دليل. تخيّروا الصحبة يرحمكم الله فهي من خير الدنيا والآخرة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :