إنه دين رحمة لا دين عذاب !!

  • 6/10/2014
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

في مقال الدكتور محمد بن علي الهرفي المنشور يوم السبت الماضي في عكاظ بعنوان (احترموا الخرفان وإلا!!) تطرق لقضية مراهق لما يزل في الثامنة عشرة من عمره، سرق خروفا وحكم عليه بالقطع حدا، ورغم أن صاحبة الخروف أعيد لها خروفها وعفت عن الفتى متنازلة عن حقها رأفة به وبقلب أمه المسكينة، إلا أن الحكم ما زال قائما، حيث لا مجال للعفو في الحدود. وقد قارن الكاتب بين قبول العفو في حالات القصاص التي قد يكون الجرم فيها أكبر من مجرد سرقة خروف فيبلغ القتل، لكن القاتل يمكن له أن ينجو من الحكم متى تصالح مع ولي الدم على العفو، إما لوجه الله سبحانه بلا مقابل أو بالتعويض بدفع الدية، فكيف يقبل العفو عن القاتل ولا يقبل عن السارق، خاصة حين يكون غرا مثل هذا الفتى، فيقطع في جرم بسيط لا يتجاوز سرقة (خروف)؟! أليس بالإمكان إعادة النظر في قضيته، مراعاة للظروف التي حدثت فيها السرقة؟ فقد يكون هذا الحدث فقيرا إلى الحد الذي اضطره للسرقة لإطعام نفسه أو أهله، وقد عطل عمر رضي الله عنه حد السرقة عام الرمادة لشدة القحط والفقر، كما قد يكون جاهلا لصغر سنه، لا يدري أن سرقة الشيء البسيط حرمتها كسرقة الشيء الكبير، إضافة إلى أنه ليس بصاحب سوابق ولم يسجل عليه جرم من قبل، ألا تكفي هذه الاعتبارات للتجاوز عن إقامة الحد عليه؟ مقال الدكتور الهرفي، يفتح الباب لمناقشة قضية مهمة في فقهنا الإسلامي، وهي سد باب العفو في الحدود متى بلغت الحاكم؛ وذلك استنادا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تعافوا الحد فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب»، لكنه حديث وحيد في هذا الموضوع، كما أن بعض علماء السلف ذكروا أن من حق الإمام أو القاضي أن يسقط الحد بالتوبة إذا ظهرت أماراتها، وقد رجح ذلك الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. وهذا ما يجعلني أتساءل هنا عن مدى إمكانية إعادة النظر في مسألة القول بعدم قبول العفو في الحدود على الإطلاق؟ بعض الفقهاء يحتجون بأن الحدود تكون في جرائم تمس العموم لذلك متى وصلت للحاكم لا يحق لأحد التدخل في الشفاعة أو العفو والتنازل، أما القصاص فهو غالبا يكون في جرائم خاصة تحدث بين أفراد لذلك يظل الحق فيها حقا خاصا للمعتدى عليه إن شاء طالب بالأخذ به وإن شاء عفا. لكن هذا التبرير – حسب ما يظهر لي ــ تبرير يعتمد على اجتهاد الفقهاء وفهمهم للاستدلالات الشرعية، وهو ما يمكن القول معه إنه تبرير مستنبط من فهم العقل للنص الشرعي؛ وذلك يجعله قابلا لإعادة النظر فيه لاستدراك ما يحتوي عليه من نقص أو خلل. وإني لأرجو من المجلس الأعلى للقضاء أن يعيد النظر في هذه المسألة المهمة، بهدف تقييد الحدود بما يجعلها غير متاحة للحكم بها بمثل هذه السهولة والسرعة، فالحكم بالقطع على مراهق كهذا اجترح السرقة للمرة الأولى بجهالة أو لفرط الحاجة، يبدو فيه شدة قد تشوه سمعة الدين في المقام الأول، إضافة إلى أنه مدعاة لزيادة أعداد المعاقين الذين سرعان ما يتحولون إلى عالة على المجتمع. إن هذا لا يعني الاعتراض على شرع الله، أو إنكار وجوب تطبيق حدوده، حاشا لله، وإنما المراد اعتبار إمكانية الأخذ بالعفو في جرائم الحدود ومراعاة الظروف والدوافع التي حدثت فيها، بما ينفي شبهة الوقوع في الظلم لأي أحد.

مشاركة :