في أعقاب الهجومين اللذين استشهد خلالهما ثلاثة شبان فلسطينيين، أحال الاحتلال الإسرائيلي ليل الجمعة- السبت وسط مدينة القدس المحتلة وبلدتها القديمة إلى ثكنة عسكرية، واتخذ إجراءات عدة من بينها إلغاء 250 ألف تصريح خاص بزيارة سكان الضفة الغربية لإسرائيل، في وقت أعلنت جهات عدة مسؤوليتها عن الهجوم الذي تبنته «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وحركة «حماس» معاً، كما تبناه تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وإن اتفقت التقديرات، ومنها الإسرائيلية، على أن الأخير لا علاقة له بالهجوم. من جانبه، أعلن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك) أن المهاجمين الثلاثة يتحدرون من قرية قرب رام الله، وكانوا ضالعين سابقاً في «أنشطة إرهابية». وفي تفاصيل الهجوم، قالت الشرطة الإسرائيلية إن قوات الأمن قتلت ثلاثة فلسطينيين شنوا هجوميْن متزامنين بأسلحة نارية وأسلحة بيضاء في منطقتين في باب العمود، ما أسفر عن مقتل شرطية إسرائيلية مساء الجمعة. وأوضحت أن فلسطينيين قُتلا في أحد الهجومين بعدما أطلقا النار وحاولا طعن مجموعة من ضباط الشرطة الإسرائيلية، وفي الموقع الثاني، أصاب فلسطيني شرطية من «حرس الحدود» بطعنة قاتلة قبل أن تقتلُه الشرطة، فيما أصيب ضابط إسرائيلي آخر في الهجومين. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان، إنها أبلغت «رسمياً باستشهاد ثلاثة مواطنين برصاص الاحتلال قرب باب العمود». المسؤولية عن الهجومين وتبنى تنظيم «داعش» الهجومين، إذ أعلنت وكالة «أعماق» الناطقة باسم «داعش» في خبر عاجل، أن «منفذي عملية الطعن في القدس هم جنود للدولة الإسلامية»، مضيفة: «ثلة من آساد الخلافة قامت بعملية مباركة في القدس ففتكت بتجمعات لليهود الأنجاس في قلب أرض المسرى، وأسفر الهجوم عن هلاك مجندة وإصابة آخرين». وجاء في بيان «داعش» أن منفذي الهجوم هم «أبو البراء المقدسي وأبو حسن المقدسي وأبو رباح المقدسي»، مؤكدة أن «الهجوم لن يكون الأخير». غير أن الناطقة باسم الشرطة الإسرائيلية لوبا السمري نفت العثور على أدلة على ضلوع «داعش» في الهجومين، وقالت: «كانت خلية محلية. في هذه المرحلة ليس هناك أي مؤشرات على أن منظمات إرهابية وجهت (الهجومين)، كما لم نكتشف أي صلة بأي تنظيم». وقال موقع «سايت» المعني بمتابعة أنشطة الجماعات المتشددة، إن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هجوم داخل منطقة تخضع للسيطرة الإسرائيلية. ونفى القيادي في حركة «حماس» عزت الرشق ضلوع «داعش» في الهجوم، وقال في تغريدة على «تويتر»، إن «الشهداء الثلاثة أبطال عملية القدس لا علاقة لهم بداعش وهم ينتمون إلى الجبهة الشعبية وحماس، وتبني داعش تقف وراءه استخبارات العدو بهدف خلط الأوراق». وأضاف في تغريدة أخرى: «عملية القدس تأتي في إطار المبادرات الفردية لأبطال شعبنا في انتفاضة القدس رداً على جرائم الاحتلال وتدنيسه الأقصى والمقدسات». كما أكد الناطق باسم «حماس» سامي أبو زهري في بيان، أن «العملية نفذها مقاومان من الجبهة الشعبية وثالث من حماس»، مضيفاً أن «نسب العملية لـ داعش هو محاولة لخلط للأوراق». واعتبر أن «عملية القدس البطولية تأتي في إطار العمليات الشعبية». وأصدرت «كتائب الشهيد أبو علي مصطفى»، الجناح العسكري لـ «الجبهة الشعبية»، بياناً نعت فيه منفذي العملية، وقالت: «نعاهد جماهير شعبنا على مواصلة المقاومة والانتفاضة حتى دحر الاحتلال». وأكدت أن اثنين من الشهداء الثلاثة الذين ارتقوا في عملية القدس هم أعضاء في الجبهة، وقالت إنها «تزف إلى جماهير شعبنا اثنين من رفاقها الأبطال، وهم أسرى محررون، الشهداء الأبطال الرفاق براء إبراهيم صالح عطا، وأسامة أحمد دحدوح من دير أبو مشعل رام الله، وهما منفذا عملية القدس البطولية مع الشهيد البطل عادل حسن أحمد عنكوش». من جانبها، أصدرت حركة «فتح» بياناً صحافياً مساء الجمعة دعت من خلاله العالم بأسره، بمؤسساته الدولية، إلى إدانة جريمة الحرب التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس قبيل الإفطار بحق ثلاثة شبان فلسطينيين. وقالت: «إن صمت المجتمع الدولي أمام استمرار الاحتلال وجرائمه التي لم تتوقف للحظة واحدة، يشجع إسرائيل على استباحة الدم الفلسطيني، وما الجريمة البشعة التي ارتكبت اليوم بدم بارد وراح ضحيتها ثلاثة شبان فلسطينيين إلا الدليل على ذلك». رد الفعل الإسرائيلي وفي إطار رد الفعل الإسرائيلي على الهجومين، هاجم منسق شؤون الحكومة في المناطق المحتلة الجنرال يؤاف مردخاي «فتح» متهماً إياها بالتحريض بعد أن اتهمت الاحتلال الإسرائيلي بإعدام الشبان الثلاثة في باب العمود، كما أعلن سحب 250 ألف تصريح «زيارة عائلية» وإلغائها تماماً. وقال عبر حسابه على «فايسبوك»: «عقب هذه العملية الإجرامية النكراء وهذا التحريض من جهات فلسطينية رسمية زوراً وبهتاناً لكسب الشعبية، قررت إسرائيل اتخاذ إجراءات أولها إلغاء 250 ألف تصريح زيارة»، مشيراً إلى سحب تصاريح أفراد عوائل منفذي العملية، سواء تلك التي تتعلق بتصاريح العمل أو غيرها. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي أمر مساء الجمعة بإلغاء جميع التصاريح لأسر من الضفة لزيارة إسرائيل. واعتقل جنود الاحتلال ستة مقدسيين بعد الاعتداء على جموع المواطنين، كما فرضت الشرطة صباح أمس على أصحاب المحلات التجارية الواقعة في محيط المنطقة التي نُفذت فيها عمليتا إطلاق النار والطعن إغلاق محلاتهم، وهددت بتحرير غرامات مالية بحق المخالفين. كما فرضت قوات الاحتلال طوقاً عسكرياً محكماً حول منطقة الهجومين قرب مغارة سليمان في شارع السلطان سليمان بين بابي العمود والساهرة، ولجأت إلى إجراءات مشابهة داخل البلدة القديمة، فأغلقت المنطقة الممتدة من باب العمود باتجاه شارع الواد المُفضي إلى المسجد الأقصى وأسواق وحارات القدس القديمة. في سياق متصل، أطلقت قوات الاحتلال صفارات الإنذار في معسكر سالم قرب جنين، وأعلنت القرى غرب المدينة مناطق عسكرية مغلقة. وأفادت مصادر محلية بأن قوات الاحتلال دهمت كلاً من قرية رمانة وزبوبة والطيبة غرب جنين وفتّشت منازل عدة، ومنعت المواطنين من الدخول أو الخروج منها، واحتجزت العديد من المواطنين في مداخل القرى واستجوبتهم. الإعلام العبري واستأثر الهجومان باهتمام كبير في وسائل الإعلام العبرية التي أشارت إلى أن تعطل السلاح الذي كان بحوزة أحد المنفذين منع وقوع عدد أكبر من القتلى، مشيرة إلى أن السلاح كان من نوع «كارلو» المصنع محلياً ودرج استخدامه في عمليات مشابهة. وأشارت إلى أن الشهداء الثلاثة لم يكونوا يمتلكون تصاريح دخول إلى القدس، بل دخلوها «بطريقة غير قانونية». وكتبت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن أحد المنفذين تعارك مع المجندة التي قتلت في العملية وحاول سرقة سلاحها قبل أن يطعنها طعنات قاتلة. أما صحيفة «معاريف» فأفادت بأن منفذي العملية لا تربطهم علاقة بأي تنظيم فلسطيني، وأن اثنين منهم أسيران محرران خططا للعملية منذ أسابيع فقط. كما نشر الإعلام العبري صورة المجندة الإسرائيلية التي تم طعنها في العملية واسمها «هداس ملكا» (23 سنة). يذكر أن موجة من هجمات الشوارع الفلسطينية بدأت في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2015، لكنها تباطأت منذ ذلك الحين. وتتهم إسرائيل القيادة الفلسطينية بالتحريض على العنف، لكن السلطة الفلسطينية تنفي ذلك وتقول إن دافع المهاجمين هو الإحباط من الاحتلال الإسرائيلي لأراض يسعى الفلسطينيون إلى إقامة دولتهم عليها في محادثات سلام متوقفة منذ عام 2014.
مشاركة :