أبها: محمد الدعفيس 2017-06-17 11:31 PM يواصل كتاب «نهاية عصر الجزيرة» الصادر عن دار مدارك من إعداد وترجمة الدكتور حمد العيسى فضحه لكواليس التحولات التي شهدتها قناة الجزيرة وعلاقاتها الشائكة مع أجهزة المخابرات وتخليها عن المهنية لصالح تنفيذ أجندات وتوجيهات القيادة والخارجية القطرية، مستعرضا الإفادات التي قدمها مديرها العام السابق وضاح خنفر للاستخبارات الأميركية. - تبرير بث أشرطة المتمردين قال خنفر إن بث الأشرطة المقدمة من المتمردين مشكلة شائكة، وستستمر «الجزيرة» في مواجهتها. وأضاف أنه اعتبارا من الآن، كل شريط يقدمه المتمردون يجب أن يلبي معايير محددة قبل أن يتم بث أي جزء منه: وأصبحت سياسة بثه على النحو التالي. يجب أن يحتوي على خبر يستحق البث؛ وألا يتكلم ضد أشخاص معينين أو منظمات بالاسم. ويجب وضع الجزء المبثوث في سياق التحليل النقدي للبرنامج. وعلى سبيل المثال، شريط لعميل تنظيم القاعدة الظواهري (حول هجمات لندن) تم اختصاره بصورة كبيرة عندما أذيع. «كان طول الشريط 28 دقيقة، ونحن بثثنا دقيقتين فقط»، كما قال خنفر، وتضمنت تلك الدقيقتان معلومات عملية بشأن التفجيرات، بينما كانت بقية الشريط تعليقات مجردة عن الإسلام، وتعاليم القرآن وآراء حول الأنظمة العربية، وأضاف خنفر: «أيضا بث هذه الأشرطة هو وسيلة لإزالة الغموض عن لغز تنظيم القاعدة»؛ «فالجمهور سيرى أن هذه قضايا يمكن انتقادها، وهذا يزيد من عقلانية الجمهور». - الجزيرة والقاعدة ناقش عبدالله شلايفر ويسري فودة الإثارة والرعب أثناء تغطية تنظيم القاعدة والعراق، في حوار أجراه الأول مع الثاني: شلايفر: برنامجك «سري للغاية: الطريق إلى 11 سبتمبر» الذي بثته الجزيرة يحتوي على الدليل الأكثر تفصيلا وغير قابل للمجادلة من قبل قادة تنظيم القاعدة خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة بأن القاعدة نفذت هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. والسؤال: لماذا أنت؟ ومن الذي قرر أنك ستكون المراسل الذي سيتحدث معه هذان الزعيمان في مقابلة كان يجب أن تضع حدا لجميع الشكوك عن الجهة المسؤولة عن تنفيذ هجمات 11 سبتمبر؟! فودة: نعم، هذا السؤال: «لماذا أنا؟» خطر لي في أول يومين قضيتهما مع خالد ورمزي. وبمجرد إزالة عصابة عيني والنظارات الشمسية التي تخفيها، وتجاوز صدمة وجودي في شقة فارغة تقريبا مع خالد شيخ محمد، وهو واحد من أهم الشخصيات في قيادة القاعدة، ورمزي بن الشيبة الذي توجد مكافأة قدرها 25 مليون دولار على رأسه في ذلك الوقت، سألتهم، أولاً وقبل كل شيء، «لماذا أنا؟» وأجابوا بأن الشيخ أبا عبدالله (وهي كنية أسامة بن لادن) اختارني. سألتهم مرة أخرى، ولكن لماذا أنا بالذات؟ وأوضحا أن هناك صحفيين آخرين داخل الجزيرة وخارجها من الذين يُظن أنهم يتعاطفون مع قضيتهم. ولهذا السبب بالذات، قالوا إنهم يريدون أن يكتب هذه القصة شخص ما «أكثر علمانية في نهجه المهني» حتى تحمل رسالتهم الصدقية. شلايفر: يبدو أنهم كانوا مستعدين تماما لك، ودخلوا في صلب القضية مباشرة؟. فودة: بالتأكيد. دخل خالد في الموضوع مباشرة، ووضع شروطا، منها ألا أذكر وسائل اتصالهم، ولا أذكر أسماءهم الحركية، وإذا سئلت عن شكلهم الآن، سأقول إنهم مثل الصور التي ستعرض علي تماما. ثم طلب مني وضع يدي على القرآن وأن أقسم على ذلك. أبهرني خالد لكونه بدا ذكيا ومباشرا جدا. وكان منزعجا لأنه كان قد سُمح لي بإحضار الهاتف المحمول معي. لقد انتزعه مني، وأطفأه، وأزال الشريحة والبطارية، ثم وضعه بعيدا في غرفة أخرى. وبعد الصلاة التي قادها رمزي، سألته إن كان مسافرا لأنه قَصَرَ الصلاة. رد رمزي «نعم، نحن على سفر. وهل كنت تتوقع منا أن نكشف لك المكان الذي نعيش فيه؟». وفي تلك اللحظة، طلب خالد رؤية جواز سفري البريطاني. ارتبكت قليلا. ثم سلمته الجواز وتصفحه بسرعة ثم قال: «جواز جيد»، وعندما شاهد التأشيرة الباكستانية نظر إلى الرقم التسلسلي أسفلها ثم أعاده لي. وقال لي خالد، إنه لن يكون هناك تصوير في اليوم الأول، وإنهم سيوفرون لي كاميرا ومصورا في اليوم التالي، كما سيوفرون كل شيء أحتاجه. وأضاف رمزي أنهم سيأخذونني مباشرة من ذلك المنزل الآمن إلى المطار عندما ننتهي. قال لي رمزي وخالد كيف أنه قبل عامين ونصف من 11 سبتمبر اُتخذ قرار داخل اللجنة العسكرية للهجوم داخل أميركا، وتم البدء في البحث عن أهداف. وقال خالد، إن أول ما خطر لهم كان ضرب مفاعلين نوويين اثنين، ولكنهما ألغيا الفكرة «في الوقت الراهن»، لأنهما شعرا بالقلق من أنها قد «تخرج عن نطاق السيطرة». ولم يقدما أية تفاصيل أكثر من ذلك. ولكن عندما سألت خالد ماذا تقصد بـ «في الوقت الراهن»؟ أجاب: «في الوقت الراهن يعني... في الوقت الراهن». شلايفر: إذًا هذا يعني أن خالد، الذي كان لا يزال طليقا، اعترف ضمنيا بأن تنظيم القاعدة يحتفظ بحقه في تفجير منشآت نووية في المستقبل؟ فودة: بالتأكيد. هذا هو بالضبط ما فهمته منه، وأعتقد أنه أراد أن يوضح ويؤكد هذا. وبالمناسبة، لقد كان خالد كرئيس للجنة العسكرية، هو الذي اقترح أن «العملية الاستشهادية» في أميركا ينبغي أن تستهدف المباني البارزة. وكانت خطته مماثلة لخطة سابقة لخطف وتصويب 12 طائرة في وقت واحد على معالم أميركية. وكالات الاستخبارات الأميركية اكتشفت هذه الخطة في وقت سابق، ورُمز لها بـ «الخطة بوجينكا»، لكنها فشلت فشلا ذريعا. وكان خالد يعمل على «الخطة بوجينكا» في 1994-1995 مع ابن أخته رمزي يوسف الذي كان هاربا بعد أن نفذ أول تفجير لمركز التجارة العالمي. يوسف كان مختبئا في مانيلا، ويعمل على تصاميم القنبلة التي ستستخدم في «الخطة بوجينكا»، والخدمات اللوجستية الأولية. ولكنه هرب من شقته عندما شب حريق بسبب اشتعال مواد كيميائية مخبأة في الشقة لصنع القنابل، وترك وراءه جهاز كمبيوتر محمول يحتوي على التفاصيل الكاملة للخطة بوجينكا وغيرها من المعلومات الثمينة. وخلال شهور ألقي القبض على رمزي يوسف في باكستان. خالد الذي كان قد وصل لتوه إلى مانيلا عندما شبت النار، وتمكن من الفرار ولم يُسمع عنه مرة أخرى حتى أعطى اسمه لمحققي مكتب التحقيقات الفيدرالي أبو زبيدة، أحد كبار مساعدي ابن لادن، والذي ألقي القبض عليه بعد تبادل لإطلاق النار في باكستان في مارس (2002). وشرح خالد لي كيف أنه أحيا ليس فقط مؤامرة بوجينكا، ولكنه نقحها لتصبح عملا حربيا مدمرا. وفي عام 1999، تم اختيار محمد عطا، وهو عميل سري لتنظيم القاعدة كان يدرس ويعمل في هامبورغ منذ عام 1992، مع آخرين من قبل اللجنة العسكرية لقيادة رحلات الموت تلك. وفي خريف عام 2000، دخل المصري محمد عطا الولايات المتحدة، ليبدأ دروس الطيران في فينيسيا بولاية فلوريدا مع الإماراتي مروان الشحي الذي قاد طائرة يونايتد أيرلاينز التي ضربت البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي. وكان زياد الجراح قريبا منهما في مدرسة أخرى للتدريب، وكان هاني حنجور الذي يحمل رخصة طيران بالفعل يخضع للمزيد من التدريب في أريزونا. وقال لي رمزي إن قرارا اتخذ بعدم وضعهم جميعا في نفس مدرسة تعليم الطيران، حتى يكون الاتصال بينهم في الحد الأدنى لكي لا تنكشف الخطة. شلايفر: لنعد مجددا إلى رمزي؛ فبعد فترة وجيزة من بث برنامجك عن الذكرى الأولى لعملية 11 سبتمبر، تم القبض على رمزي. لكنك وجدت نفسك في البداية يندد بك كـ «خنزير وخائن» على مواقع إسلامية مختلفة، وقلتَ أنت لصحيفة واشنطن بوست «لا يمكن أن نلوم الناس على ما يصل إليه تفكيرهم»، وإنك نفسك تساءلت في البداية إذا كان يمكن أن يكون هناك رابط بين ما ورد في برنامجك وبين القبض على رمزي بن الشيبة؟. - فودة: لقد كذبت... فودة: نعم. حسنا، لقد كانت هناك شائعات رائجة في ذلك الوقت أن عملاء الاستخبارات الأميركية زرعوا أجهزة تتبع في مراسلي الجزيرة الذين من المرجح أن يكونوا على اتصال مع تنظيم القاعدة. ولكن عندما تفكر في ذلك، تجد أنه لا معنى له. فإذا كان الأمر كذلك، لماذا انتظر جهاز الاستخبارات كل هذا الوقت ليقبض على رمزي، فوفقا للرواية الرسمية، جرت المقابلات في يونيو، ولكنهم لم يقبضوا على رمزي حتى منتصف سبتمبر. وفي الواقع، فإن مسألة تاريخ المقابلة مهمة جدا لسبب آخر. كل هذه المواقع الإسلامية التي نددت بي، ذكرت أن المقابلة جرت في يونيو. وهذا ما ذكرته أنا سواء في مقالتي في مجلة صنداي تايمز أو في برنامجي؛ أي أن الاجتماع جرى في يونيو. شلايفر: يعني؟! فودة: لقد كَذَبْتُ. شلايفر: حقا؟! فودة: نعم. شلايفر: ولكنك ستكون أمينا وستصدق وتعترف بالحقيقة معي هنا عبر مجلة (TBS)، أليس كذلك؟ فودة (يضحك): نعم، بالطبع. لقد كذبت لأنه كان يجب أن أكذب. سأقول لك لماذا. لأنني اعتقدت، وربما كنت أتوقع، أنه إذا ما حدث خطأ وكنت بحاجة للاتصال بهم من خلال موقع على شبكة الإنترنت أو بيان أو فاكس أو أيا كان، فإن هؤلاء الناس الذين التقيت بهم حينها والناس الذين كانوا حولهم، سيعرفون أنني الوحيد الذي يعرف أن الاجتماع كان قبل شهر مما ذكرت، وهكذا سأعرف إن كنت أتحدث مع الأشخاص الصحيحين. وبعد الموجة الأولى من الاستنكارات، نشر موقع موال للقاعدة (jehad.net) بيانا على الإنترنت باسم تنظيم القاعدة يبرئني من أي لوم أو علاقة باعتقال رمزي، وعرفت أن هذا كان بيانا أصليا، لأنه ألمح إلى أن المقابلة جرت في مايو. - من سرب المعلومات إلى «سي آي أيه» في كتابه «مبدأ الواحد في المئة» يقول الصحافي رون ساسكايند «تحدث فودة مع خالد محمد ورمزي بن الشيبة مطولا، ومكث معهما ليلة ثانية، ثم وُضعت عصابة على عينيه عند مغادرته. أكد خالد شيخ محمد لمراسل الجزيرة أنهم سيرسلون الأشرطة له بسرعة بعد إخفاء وجوهم من التسجيلات. ولكن ذلك لم يحدث. فودة انتظر، وبدأ يتأمل فيما حدث، ويعمل بهدوء على المشروع عبر تتبع مسار رمزي بن الشيبة في هامبورغ. وشارك في ندوة «الإعلام والإرهاب» في القاهرة، ثم سافر إلى بيروت لمقابلة عائلة زياد الجراح الذي خطف رحلة يونايتد إيرلاينز رقم 93، والتي تحطمت في بنسلفانيا. وحتى أوائل يونيو لم يكن قد استلم أشرطة المقابلة، ولكن وصلته عدة رسائل غامضة من مجهولين تطلب المال نظير تسليم الأشرطة، ولم يكن قد أخبر أحدا عما جرى له في كراتشي. وفي أوائل نوفمبر، اعتبرت الإدارة الأميركية قناة الجزيرة كقناة مساندة لابن لادن. وتوجه الرئيس بوش الذي كان قد التقى آل ثاني عندما زار أميركا في 4 أكتوبر، إلى مدير «سي آي أيه» جورج تينيت لطلب مساعدته. - الصديقان: جورج وحمد كان من المعروف على نطاق واسع أن تينيت والأمير حمد بن خليفة كانا قريبين من بعض. تينيت كان قد زار قطر عدة مرات منذ توليه قيادة «سي آي أيه». والأمير كان رجل تينيت. نجح تينيت في الحصول على ثقة قادة الدول العربية، وهي الثقة التي كان ينظر لها - بحق - في الأشهر الأولى بعد هجمات 11 سبتمبر من بين أثمن كنوز الولايات المتحدة. وكان تينيت يعرف أن آل ثاني في موقف حرج بين التزاماته كحليف للولايات المتحدة من جهة وعالم عربي غير مستقر من جهة أخرى. كما أن نظراءه من قادة مختلف الدول العربية غاضبون من نقد الجزيرة القاسي لهم في السنوات الأخيرة، ولم يجدوا أي تجاوب من آل ثاني. 13 نوفمبر 2001 كان يوما حافلا سقطت فيه كابول وأصبحت تحت سيطرة قوات التحالف الشمالي، وكانت هناك احتفالات في شوارع المدينة – ضرب صاروخ أميركي مكتب قناة الجزيرة بكابول وأزاله تماما من على سطح الأرض. وكان صحفيو الجزيرة خارج المكتب يغطون سقوط المدينة. وقال مدير عام الجزيرة محمد جاسم العلي: «هذا المكتب معروف من قبل الجميع، الطائرات الأميركية كانت تعرف موقع المكتب». وأضاف: «إنهم يعرفون أننا نبث من هناك». وكان كلامه - في الواقع - صحيحا. وكان هناك شعور بالارتياح داخل «سي آي أيه»، والبيت الأبيض، لأنه تم إرسال رسالة إلى قناة الجزيرة واستلمت. - فودة يقدم تقريرا إلى رؤسائه في صباح يوم 14 يونيو 2002، كانت تفاصيل أكبر خبطة صحفية وإعلامية في تاريخ الجزيرة تدخل مبنى الجزيرة. لقد وصل فودة إلى الدوحة، ومعه ملاحظاته واعترافات خالد ورمزي وبدون الأشرطة الموعودة، لأنه شعر أنه ينبغي أخيرا تقديم تقرير إلى رؤسائه. وأثناء تناول الغداء في ذلك اليوم في النادي الدبلوماسي الفخم على كورنيش الدوحة، سرد فودة السلسلة الطويلة من الأحداث التي جرت في باكستان واجتماعه مع خالد ورمزي لمحمد جاسم العلي رئيس التحرير في قناة الجزيرة. هتف العلي وعيناه جاحظتان: «غير معقول!». وقال إنه يجب عليهما أن يبلغا من هو أعلى رتبة، ويخبرا نائب رئيس مجلس إدارة الجزيرة، وهو ما فعلاه بعد ظهر ذلك اليوم. - حمد بن ثامر آل ثاني في صباح اليوم التالي أي تحديدا في 15 يونيو 2002، اجتمعا مع رئيس إدارة الجزيرة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني (ابن عم الأمير). ولمدة نصف ساعة سرد فودة ما جرى، حتى قاطعه الشيخ بسؤال: «الأشرطة! متى ستستلمها؟» وشرح فودة له قصة عدم وصول الأشرطة. وسأل الشيخ حمد: «كم عدد الذين يعرفون عن هذه القصة حتى الآن؟». أجاب فودة: فقط من في هذه الغرفة. وقال الشيخ حمد «اكتموا الخبر ولا تجازفوا بكشفه لأحد». ثم قال حمد لفودة: «دعني أعرف إذا كنت بحاجة إلى أية ترتيبات أمنية خاصة».
مشاركة :