عملها في قناة البغدادية العراقية كمدير فني عزل خيرية المنصور عن عالمها السينمائي الذي أحبته، لكنها استطاعت خلاله إخراج فيلم عن الجيش العراقي.العرب سلام الشماع [نُشر في 2017/06/18، العدد: 10667، ص(8)]المنصور تتربع على عرش المخرجة السينمائية الأولى والوحيدة في بلاد الرافدين عمان - لم تخب نبوءة المخرج المصري الكبير يوسف شاهين بالانطلاق الصاروخي للمخرجة العراقية خيرية المنصور، يوم أخذ بيدها من المحلية إلى العربية، ولكنها، الآن، تعبر حدود العربية باقتحامها العالمية، ومازالت تتسيد عرش المخرجة السينمائية الأولى والوحيدة في العراق من دون منافس. تنشغل المنصور، حالياً، بكتابة سيناريو لفيلم روائي سياسي طويل وجديد لصالح شركة أميركية، وسبق لها أن أخرجت ثلاثة أفلام تسجيلية للشركة نفسها عن التعليم بعنوان “رايز”، كما أنتجت عنها شركة أميركية أخرى فيلماً بطول سبع دقائق لحساب إدارة مهرجان قابس الدولي في تونس الذي تم تكريمها فيه عن مجمل أعمالها السينمائية، وعرض لها فيلم “الثلج لا يمسح الذاكرة”. المنصور هي المرأة العراقية الوحيدة، التي اقتحمت ميدان الإخراج السينمائي وبرعت فيه وقدمت فيلمين روائيين طويلين وعشرات الأفلام القصيرة بالإضافة إلى مسلسلين تلفزيونيين، حتى عدّها النقاد علامة بارزة في السينما العراقية وضمير المشاهد العراقي، بخاصة بعد فلمها الشهير 6/6 (ستة على ستة) الكوميدي، الذي كان بطله الفنان قاسم الملاك، وهو الفيلم الذي وصفه النقاد السينمائيون بأنه نقلة نوعية في تأريخ السينما الكوميدية العراقية وأحد أهم أفلام الكوميديا العراقية إلى الآن. سينما القصيدة العربية تقول المنصور لـ”العرب” عن عملها “إنجازاتي عديدة في السينما قيّمها النقاد. لكن يبقى المهم أنني راضية عمّا قدمته إلى السينما العراقية، لأن العراق احتضنني وقدم إليّ الكثير، وكان عليّ أن أعطيه بقدر عطائه لي، وخير دليل تكريمي الأخير في السنة الماضية بمهرجان قابس الدولي في تونس عن مجمل أعمالي السينمائية سواء للسينما العراقية أم العربية”، وتضيف المخرجة العراقية التي اهتمت بالشعر إلى جانب ولعها بالصورة “لي أفلام وثائقية أقف عندها معتزة بها، منها فيلم عن الشاعرة نازك الملائكة التي عايشتها في بيتها، وسينمتي للقصيدة الشعرية في فيلم اللوحة الأخيرة، إذ حولت قصيدة الشاعر الكبير حميد سعيد عن الفنانة التشكيلية العراقية الشهيدة ليلى العطار إلى فيلم أخذ منّي وقتاً وجهداً استثنائيين، وفيلم ‘حدث في العامرية’، وآخرها فيلمي الروائي ‘الثلج لا يمسح الذاكرة’، الذي يدور حول احتلال العراق، وهو أول فيلم عراقي ينتج في مصر ليجسد بشاعة الاحتلال الأميركي للعراق”. تهديدات الميليشيات تدين المنصور، المولودة في شهر مارس 1955، بنجاحها في مجال السينما إلى نشأتها في أسرة يسارية متوسطة الحال تحب القراءة، ما أتاح لها أن تقضي سنيّ مراهقتها في القراءة، إذ كانت تذهب إلى المكتبة المركزية في الديوانية لاقتناء الكتب بتوجيه من أسرتها. فقرأت مؤلفات جورجي زيدان لتقوية التعبير وكانت تحصل على معدل جيد في مادة التعبير، وكانت في سباق مع أصدقائها للانتهاء من قراءة القصص، وكان للأفكار اليسارية لأسرتها الفضل بتشجيعها في أيّ مجال ثقافي. مثلت مسرحيات عديدة على مسارح الإدارة المحلية في مدينتها الديوانية، منها مسرحية “البيت” لنورالدين فارس إخراج هادي رديف. واستمرت الحال إلى أن أنهت الثانوية العامة، وكانت تكتب في مجلتي “المتفرّج” و”الفكاهة” البغداديتين الساخرتين، وتحرّر صفحة في مجلة “الفكاهة” باسم فتاة المنصور. غادرت المنصور العراق بعد احتلاله وإثر تهديد ميليشيا منظمة بدر، المرتبطة بإيران، لها ولأسرتها، متسللة إلى إقليم كردستان شمالي العراق، ومنه إلى القاهرة لتعمل مديرة لقسم الأفلام الوثائقية في قناة النهرين المصرية. إذ قدمت سلسلة أفلام تلفزيونية زادت عن الـ65 فيلماً بعنوان “بروفيل” من إنتاج القناة، كان أبرزها عن الفنانين العراقيين يوسف العاني وجعفر السعدي وَعَبَدالخالق المختار وآسيا كمال. كما أخرجت المنصور سلسلة من الأفلام، لا تحصى، بعنوان حكاية تشكيلية عن أهم الفنانين التشكيليين في العراق، وأنجزت سلسلة أخرى من الأفلام بعنوان “طيور مهاجرة” عن المبدعين العراقيين الذين شردتهم الميليشيات الطائفية من العراق ليطلبوا الأمان في بلدان العالم.المنصور هي المرأة العراقية الوحيدة التي اقتحمت ميدان الإخراج السينمائي وبرعت فيه وقدمت فيلمين روائيين طويلين وعشرات الأفلام القصيرة بالإضافة إلى مسلسلين تلفزيونيين. قدمت استقالتها من قناة النهرين لتلتحق بقناة “البغدادية” العراقية كمدير فني، وهذا المنصب، كما تقول، عزلها عن عالمها السينمائي الذي أحبّته، لكنها استطاعت خلاله إخراج فيلم عن الجيش العراقي، الذي حلّ بقرار من الحاكم المدني الأميركي على العراق بول بريمر وعدّ أهم فيلم ينصف الجيش العراقي، كما أنجزت، خلال المدة نفسها، فيلماً عن النحات العراقي الراحل محمد غني حكمت وأكملت سيناريو فيلمها عن الشاعر مظفر النواب على أمل تصويره في سوريا ولكنها تركت قناة البغدادية. تذكر أنها، بعد خروجها من قناة البغدادية، أخرجت فيلمها الروائي “الثلج لا يمسح الذاكرة”، الذي تناول احتلال العراق وأنتجته شركة “ون شوت” المصرية، بعده أنتجت 16 فيلماً وثائقياً من إخراجها في سلسلة “مبدعون راحلون”. تقول المنصور “مرضت، بعد ذلك، ولكن مرضي لم يمنعني من إنجاز كتابي ‘شرنقة شاهين الحريرية’ عن تجربتي مع المخرج يوسف شاهين”، مضيفة “درست يوسف شاهين لوحدي، قبل معرفتي به، ودرست أفلام فليني وغيره، فأحببت السينما، ووجدت في عالمها السحري مبتغاي إذ أستطيع أن أقول، من خلالها، ما أريد سواء مباشرة أم بالترميز، وأن أدافع عن الحق بصفة سحرية مبهرة، وأن أترجم ما أريد أن أقوله وأوصل أفكاري إلى المتلقي أينما كان في هذا العالم الواسع”. جاءت الفرصة الذهبية للمنصور عندما عملت مساعدة للمخرج توفيق صالح في فيلم “الأيام الطويلة” فتعلمت منه وسألته عن كل شيء يخص السينما، وفِي إحدى زيارات يوسف شاهين إلى العراق زار توفيق صالح في موقع التصوير. تقول المنصور “كنت أرتعش من الرهبة كيف سألتقي هذا العملاق؟ كان الجوّ عاصفاً ثلجياً في شمال العراق مما اضطر شاهين أن يمكث معنا يومين.. عرفته أكثر وناقشت معه فيلم ‘العصفور’ وبدا على شاهين أنه معجب بما أقول، فقاطعني والتفت إلى توفيق صالح قائلاً باللهجة المصرية: أنا عاوز البت دي تعمل معي. والتفت إليّ وسألني: تشتغلي معي؟ فكاد أن يغمى عليّ من الفرح”. تتابع “شاهين هو الذي صقلني سينمائياً وعلّمني ماهية السينما فكراً وأداة ووضع قدمي على الطريق الصحيح، بدأت معه من كتابة السيناريو في فيلم ‘حدوتة مصرية’ إلى كتابة السيناريو التنفيذي (الديكوباج) والتصوير إلى نهاية الفيلم حتى عرضه. عاملني كإحدى بنات أسرته، وتحملت المسؤولية وعمري 22 سنة ونجحت وواصلت العمل معه كمساعدة في أربعة أفلام سينمائية هي حدوته مصرية وإسكندرية كمان وكمان والمصير وكلها خطوة”. بنت الرافدين تروي المنصور أنها أخرجت أول فيلم وثائقي قصير باسم “بنت الرافدين” وعرضت السيناريو على شاهين فوضع لمساته عليه، وحصد الفيلم جوائز محلية وعلى مستوى العالم في مهرجان موسكو السينمائي حصد الجائزة الثانية، وقال لي شاهين “إنها خطوة تبشر بالخير..”، وعندما عدت إلى القاهرة حاملة سيناريو فيلم روائي طويل هو “6/ 6” وقرأته معه سطراً سطراً أبدى غضبه عليّ لأني سأبدأ بفيلم كوميدي، ولكني قلت له إنه لن يخرج عن مدرستك الشاهينية، وعندما شاهد الفيلم بعد انتهاء التصوير في إحدى زياراته إلى العراق على المفيولا، قبل عرضه، شعرت بالخوف وهربت منه لكنه أخذني في حضنه، وقال لي “مش خسارة فيك التعب يا بت”، وأحتفظ بوثيقة نشرتها جريدة الثورة البغدادية أعلن فيها عن رأيه بالفيلم، وبعدها واصلت العمل بين الفيلم الوثائقي والروائي وقطعت أشواطاً طيبة، وقدمت حصيلة جيدة من الأفلام التي أعتز بها والتي حصلت على جوائز عدة”. تتحدث المنصور عن فيلمها التسجيلي الذي تناول الشاعرة نازك الملائكة فتقول “أردت من فيلم الملائكة أن أنصف الشاعرة التي ظلمها الكثير من النقاد، وأن أهدي إلى أحبائها فرصة يطلّون بها على حياة واحدة من أكبر أدباء العرب في العصر الحديث”.المخرجة العراقية المميزة تهتم بالشعر إلى جانب ولعها بالصورة حقوقية سرقتها السينما كان يمكن أن تكون المنصور محامية مرموقة أو قاضية لولا مصادفة حصلت في حياتها. تقول “دخلت الأكاديمية مصادفة إذ كنت قدمت إلى كلية الحقوق وكان ابن جيراننا فلاح جابر طالباً في أكاديمية الفنون الجميلة وذهبت لزيارته وأقنعني أن أخوض اختبار الأكاديمية ولن أخسر شيئاً لا سيما وأني اعتليت خشبة المسرح خلال دراستي المتوسطة والثانوية، فدخلت الاختبار غير جادة وظهر اسمي ضمن المقبولين، وفي الوقت نفسه ظهر قبولي في كلية الحقوق، ففضلت أكاديمية الفنون الجميلة”، وتضيف “فِي الصف الأول مثلت في فرقة الفن الحديث مسرحية ‘بغداد الأزل’، إذ أسند إليّ دور بسيط (كومبارس)، ثم تم تعييني في الفرقة القومية للتمثيل بأجور يومية خلال دراستي في الأكاديمية، ومثلت مع الفنان الكبير الأستاذ إبراهيم جلال مسرحية ‘دائرة الفحم البغدادية’، ومع الفنان محسن العزاوي مسرحية ‘الغزاة’، بدور كومبارس، إذ كنت أقول كلمة أو كلمتين فقط، ثم مثلت في التلفزيون والإذاعة تمثيليات عدة أذكر منها ‘رياضيات معاصرة’ وهي من إخراج رشيد ياسين حيث أديت دور الطالبة المشاكسة، ثم “الذئب” التي كانت من إخراج الفنان خليل شوقي وغيرها، واستمر الحال كذلك إلى أن تركت التمثيل وبدأت أقرأ عن السينما، فوجدت فيها عالمي الذي أحبه”. تدير خيرية المنصور، حالياً، موقعاً إلكترونياً اسمه “الصدى نت” وهو موقع سياسي ثقافي فني أسسته، ويضم نخبة من كتاب الوطن العربي، هدفه جمع شمل المثقفين بعد أن فرقتهم السياسة، كما تقول. ومن المهرجانات التي اشتركت فيها المنصور مهرجان أكاديمية الفنون الجميلة 1985 ومهرجان القاهرة السينمائي 1986 ومهرجان الإسكندرية السادس، ومهرجان أسبوع السينما العراقية في الكويت، ومهرجان أسبوع الفيلم العراقي في الأردن، ومهرجان النصر والسلام العربي في العراق، ومهرجان المرأة في نيروبي، ومهرجان البندقية في إيطاليا، وكذلك مهرجان طاشقند السينمائي، والمهرجان العربي الأول للفيديو، كعضو في لجنة تحكيم، وأيضاً مهرجان الإسكندرية الدولي، ومهرجان المبدعات العراقيات في سوسة تونس، ومهرجانات الإذاعة والتلفزيون في مصر للسنوات 1995 ـ 1999 ـ 2000 ومهرجان فيلم هاوس ـ أسبانيا 2001 ومهرجان قرطاج السينمائي تونس 2002، فضلاً عن الكثير من المهرجانات المحلية في العراق سواء اشتركت فيها بأفلام أم كانت فيها عضو لجنة تحكيم. وفي هذا الوقت تعكف المنصور على تأليف كتابين الأول عن فيلم “المصير” ليوسف شاهين، وهو الكتاب الثاني عن شاهين بعد كتابها الذي كتبته عن تجربتها معه في فيلم “حدوته مصرية” وكان بعنوان “شرنقة شاهين الحريرية” الذي ترجم إلى اللغة الانكليزية، والثاني سيكون بعنوان “سجني باختياري” وهو عن الشاعرة نازك الملائكة من خلال معايشتها معها في إخراج فيلم عن حياتها، وتقول إنها ستنصف الملائكة في هذا الكتاب كما أنصفتها في الفيلم الذي أنجزته عنها، وبالإضافة إلى ذلك فهي مستمرة في الكتابة عن السينما والأدب في كثير من المواقع الإلكترونية.
مشاركة :