جنوب أفريقيا من أكثر الوجهات السياحية تشويقاً

  • 6/18/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

منير يونس | إلى جنوب أفريقيا مهما طال السفر. إنها الآن بين الوجهات السياحية الأكثر تشويقاً لما تزخر به من مقومات متنوعة تجعل من هذا البلد تجربة فريدة من نوعها. تتعين الإشارة أولاً إلى أن جنوب أفريقيا تجمع الحداثة وروح العصر إلى حياة الأدغال والبراري، فيها مرافق وبنى تحتية هي الأكثر تطوراً في القرن الأفريقي، ومدنها مثل جوهانسبرغ وبريتوريا وكيب تاون ودروبان تضج بالمدنية بكل أبعادها الغربية المعاصرة، أما ريفها فيمنح زائره دخولاً إلى عوالم أخرى جديرة بكل تجليات الصور النمطية التي تحظى بها القارة السمراء من حيث الغرابة والبدائية المحببة، وصولاً إلى الحياة البرية الجامحة التي يقل نظيرها حول العالم، ففيها %6 من إجمالي الثدييات والزواحف حول العالم، و%10 من الأنواع النباتية والأسماك والطيور النادرة، وهي مملكة أزهار تضم 9600 نوع نباتي، %70 منها لا ينمو في العالم إلا فيها وأبرزها زهرة بروتي العملاقة التي اتخذت رمزاً وطنيا. وتزخر البلاد بثقافات متنوعة في مزيج أفريقي وأوروبي وآسيوي منحها لقب «أمة قوس قزح». وتتميز جنوب أفريقيا حالياً بجذبها لسياحة الصيد والقنص في مزارع ومحميات تقدم لعشاق السفاري أمتع ما يمكن أن يتخيلوه من المغامرات في لحظات غامرة بالمفاجآت في عالم يعيد إلى الأذهان صورة ما قبل التطور العمراني والمدني الذي شهده العالم على مر العصور. ولعل الأكثر إثارة في السفاري خوض غمار الصيد كما لو كان ذلك الطريقة الوحيدة للحصول على قوت العيش، فضلاً عن جرعات الأدرينالين التي تشعل الجسم والعقل خلال مطاردة حيوان شرس أو مفترس أو بري جامح. ورب معترض على هذا الأسلوب، لا سيما من المدافعين عن التنوع البيئي وعن الحيوانات وحياتها الحرة، بعيداً عن الإنسان وغطرسته، إذ يواجه صيد الحيوانات معارضة رافضة لهذه الهواية السياحية والترفيهية التي تقدم المتعة على ما سواها وقد تسبب في نفوق أنواع نادرة. ولحل هذه المعضلة، قامت مزارع ومحميات في جنوب أفريقيا تجمع بين الهدفين. ومن تلك المحميات «كوالاتا» التي تبعد عن جوهانسبرغ نحو 3 ساعات في جبال وانربرغ في محافظة لمبوبو. تمتد على مساحة آلاف الهكتارات، وهي جزء من محمية أكبر مصنفة دولياً، حيث الأدغال والأنهار والجبال والوديان في تنوع بيئي كامل جاذب لمحبي الطبيعة الساحرة، وفيها منشآت لإقامة الأفراد والعائلات في أجواء ريفية مرحبة بكل ضيف. ويقول القائمون على تلك المحمية: ينظر الكثيرون سواء من أفراد أو جمعيات إلى صائدي الحيوانات البرية نظرة سلبية، واصفين الصيد بأنه اغتيال متوحش لكائنات تريد العيش بسلام في بيئة متوازنة. لكن حقيقة الأمر تختلف في كوالاتا، فخلال عدة عقود استطاعت المحمية تطوير سياحة الصيد في جنوب أفريقيا من دون اخلال بالتنوع، لا بل ساهمت وتساهم في اغناء ذلك التنوع لخلق بيئة ملائمة لكثير من الحيوانات المفترسة فيها وغير المفترسة. فلدى المحمية برنامج دؤوب وحثيث لزيادة أعداد الحيوانات فيها لتبقى محمية طبيعية غنية، وذلك البرنامج يقوم على رعايات خاصة للتكاثر وضمان البقاء، حتى أن حيوانات كثيرة ما كانت لتعيش في كوالاتا لولا ذلك البرنامج الحريص على اغناء الحياة البرية ودمج عناصرها وكائناتها في برية ألفوها واستساغوا العيش فيها. وفي المحمية كل المشاهد والمناخات البرية الملائمة لعدد من الحيوانات بأنواع كثيرة ممنوعة من الصيد العشوائي عبر قوانين وضوابط تسمح بصيد فئات محددة من تلك الحيوانات مثل المعرضة للنفوق الاجباري لكبر سنها أو عدم قدرتها على تقديم أي فائدة للحياة البرية عموماً. وبفضل محميات كهذه تكاثرت الحيوانات في جنوب أفريقيا خلال الــ25 سنة الماضية وزاد عددها على عشرات الملايين بفضل سياسة تنظم الحماية والصيد معاً، وتعرض الصيادين المخلين لمساءلة قانونية. وبات هذا القطاع أرضاً خصبة لاستثمارات القطاع الخاص الذي أخذ على عاتقه اثراء هذا التنوع رغم صيد الحيوانات المسنة فيه أو تلك التي تفنى لأسباب طبيعية. ويتسنى للسائح محب الصيد أن يحظى بمرافقة أصحاب اختصاص محترفين يعرفون ما الذي يمكن صيده في ممارسة للهواية بانسجام مع قوانين المحميات، فالصياد المرافق المحترف يعرف الحيوانات التي لا تتآلف مع قطعانها والأخرى المضرة بالحياة البرية الهانئة لا سيما الأنواع المفترسة، وأنواع الحيوانات الأخرى والمدمرة للبيئة والنباتات، مقابل حيوانات يمنع صيدها بتاتاً، كما يمنع صيد أنثى الحيوان أو الحيوان صغير السن أو النادر المهدد بالانقراض وغيرها من الممنوع صيدها لسبب أو آخر. ويخوض السياح هواة الصيد التجربة كاملة مع ما تعنيه من تعقب ومطاردة وانتظار في كمائن سواء ليلاً أو نهاراً فضلاً عن المشي الطويل الممتع في الجبال والوديان، بمحاذاة الأنهار أو في سفوح التلال في غمرة الأشجار والادغال أو في السهول والبطاح الممتدة. فبعد الحجز، وعند الوصول إلى جوهانسبرغ يكون في الاستقبال أحد العاملين في المحمية لينقل السائح ومرافقيه إلى تلك البقعة التي يقضي فيها إجازته بين السفاري الصيد والترفيه. في الطريق إلى هناك تشدك المناظر الطبيعية المتزاوجة بانسجام مع البنية التحتية المتطورة، تستغرق الرحلة نحو 3 ساعات، منها نحو 45 دقيقة في طرق غير معبّدة موغلة بين المزارع. هنا يبدأ التشويق بشعور غريب ينتابك وأنت تتحضر لمكان بعيد عن المدينة. يخيل إليك انك ستعيش مغامرة تعود بك إلى البدائية الأولى، وتحديداً إلى حيث عليك نسيان من أين أتيت؛ لأنك هنا في حضرة الأدغال والجبال والوديان والأنهار وسط أنواع حيوانات كثيرة تعيش في مكانها الطبيعي منذ آلاف السنين. تتهيب قليلا، لكنك تسترجع قواك وملء قلبك شغف لخوض المغامرة كاملة، عند الوصول تجد في استقبالك فريقاً كاملاً في خدمتك خلال إقامتك في الصباح حتى آخر الليل. مجموعة من الناس بين بيض وسود يهتمون بالشاليه الخشبي الذي يكون تحت تصرفك بغرفه ومطبخه وكل وسائل الراحة الممكنة. تضع أمتعتك وتخرج إلى الشرفات المطلة على نهر صغير، تصدح على ضفافه العصافير لتطربك. وضمن البرنامج حفل استقبال في غداء أو عشاء حول النار في مناخ بارد قليلاً، منعش كثيراً. تنظر فوقك لترى النجوم في أبهى حللها تتلألأ، حتى يخيّل إليك أنها فوق رأسك تماماً تستطيع مد اليد لقطفها، وخلال الإقامة تتكرر الأمسيات الساهرة حول موائد النار وأطيب المأكولات، لا سيما اللحوم المشوية بروائحها الذكية. يبدأ برنامجك في عدة ساعات من التدريب على استعمال بنادق الصيد المزودة بالمناظير. فتطلق النار على أهداف قريبة ثم بعيدة لتكتشف أنك ماهر من حيث لا تدري. في الأيام التالية تخرج إلى البراري على متن سيارة دفع رباعي خاصة وصولا إلى حيث يجب، لتنزل وتبدأ المغامرة. يرافقك أشخاص محترفون بينهم الشاطر في تعقب اثر الحيوانات سواء الغزلان والوعلان منها أو الخنازير وغيرها. يطلب منك الصمت والمشي بتؤدة وهدوء. يسترق السمع لكل الأصوات ليتبين منها أي الحيوانات في المحيط القريب. وتلحقه في ذلك لاعبا الدور كاملا، فتدب في جسمك جرعات حماس بالغ لكنه مضبوط بعناية بانتظار ملاقاة الفريسة الموعودة. وربما تمشي لساعات طويلة لكنك مأخوذ بالتجربة وملء رئتيك هواء عليل منعش يبعث فيك حياة جديدة. وعند رؤية الطريدة تحبس أنفاسك وتستعد بكل حواسك واحاسيسك وتجرب حظك في ما اتيت لأجله لانه فريد من نوعه ولا يشبه أي سياحة أخرى قمت بها من قبل… ها أنت تشبه أجدادك وأجداد أجدادك، تشبه من عاش على هذه الأرض مطاردا (بفتح الراء) ومطاردا (بكسر الراء) يحدوك هاجس البقاء وحافز الفوز حتى تغمرك نشوة الانغماس الكامل في أمنا الطبيعة. وبعد صولات وجولات في تجربة السفاري والصيد تأتي مرحلة أخرى هي عملية الاستفادة من الحيوان المصطاد على أكمل وجه من دون أي هدر، وذلك بخلاف الصيد العشوائي في بلدان أخرى، حيث لا يعبأ الصيادون بلحوم الحيوانات لأنهم يصطادون بحثاً عن جلد ثمين أو قرون أو أنياب عاجية، أما في كوالاتا فالمسألة لها طقوس مختلفة تماماً، وبما أن الصيد تحت ضوابط فإن الاستفادة من اللحوم تحصل وفق أسس وقواعد لا هدر فيها بتاتاً، لا بل هناك توزيع على جمعيات خيرية ودور أيتام، كما يحصل السائح على متعته من صيده في حفلات حول النار للشواء في أجواء خاصة تمنحه الرضا الكامل والترفيه المميز.. وهذا يشعره بمكافأة ما بعد يوم أو أيام طويلة في المطاردة والصيد. ويذكر أن على عاتق المحميات، مثل محمية كوالاتا، توسيع رقعة تواجدها وحدود استثمارها على حساب المساحات التي يستغلها الصيادون العشوائيون المدمرون للبيئة، والمخربون للتنوع الحيواني والنباتي. فمثلا هناك من يصطاد باستخدام أسلحة سامة، وآخرون يستخدمون أساليب همجية ممنوعة، لذا بات على عاتق المحميات المنظمة والمرخصة والمضبوطة بالقوانين والإجراءات السليمة توسيع تواجدها لتضم مساحات إضافية إلى كيانها.. وهكذا حتى تضيق المساحات لا بل تضمحل أمام الصيادين العشوائيين. كما أن على المحميات القانونية واجب إبلاغ السلطات عن كل استغلال وإخلال، وبذلك تحولت محميات مثل «كوالاتا» إلى شرطي بيئي بامتياز لحماية الحياة البرية التي تحرص سلطات جنوب أفريقيا على جعلها جاذبة لسياحة تتميز بها عن كل الدول الأخرى في هذا المضمار. وحقق ذلك نجاحا، حيث يبلغ حجم هذه السوق 150 مليون دولار سنويا. وتتطور مرافق الاستقبال والضيافة على نحو يرضي كل الأذواق لا سيما في شاليهات خشبية ريفية أنيقة، وفي مرافق متعة وترفيه وقضاء أفضل الأوقات في محيط ينقل السائح إلى أجواء فريدة لطالما حلم فيها منذ طفولته أو رآها فقط على شاشات التلفاز والسينما. ويتطور هذا القطاع، الذي يعمل فيه محترفون من الطراز الأول، يعرفون كيف يقدمون خدمات مميزة بأفضل وأسهل وأبسط الأدوات المنسجمة مع البيئة والمناخ والطبيعة الخلابة المكتفية بذاتها بلا أي بهارج أو زبارج. ويمكن للسائح الصياد الحصول على أجزاء من الحيوانات المصطادة، كما يمكنه طلب التحنيط والاستمتاع بصور عن ذكرى لا تنسى. ويقول أحد القائمين على محمية كوالاتا: نعمل على مساعدة كل راغب في القدوم إلى جنوب أفريقيا بهدف الصيد البري. نوفر له كل المعلومات اللازمة لاختيار الحيوانات المناسبة للصيد. وكل ذلك وفقا لمعايير دولية معترف بها. ونقدم له كل الإيضاحات العملية والقانونية. فعملية الصيد ليست مجرد حمل سلاح أو إطلاق نار على كل ما يمكن قتله. وعلى السائح الاستفادة القصوى من المحترفين الذين يرافقونه في رحلة السفاري. هؤلاء المرافقون معتمدون وأصحاب خبرات ولهم باع طويلة في هذا العمل. وهم أبعد ما يكون عن أولئك المعتدين على الطبيعة وكائناتها الذين يسطون على البراري لقتل ما طاب لهم لمجرد بث صورة على وسائل التواصل الاجتماعي تسيء لهذا القطاع بشكل بالغ. أما محميات مثل «كوالاتا» فهي ضمن منظومة معترف بها رسميا في جنوب أفريقيا، هي جمعية الصيادين المحترمين.. وفيها يقضي السائح الصياد أفضل لحظات يمكن ان يتخيلها لتبقى في ذاكرته مدى الحياة! رفاه الاقامة يحلو السهر

مشاركة :