لا شك أن المناظرات الثقافية مؤشر حيوي للحالة الفكرية لأي مجموعة بشرية، لذلك، عندما تكون مناظرة حول موضوع الاختلاط بين رجلي دين سعوديين، فإن المشهد يكون صحياً وحيوياً للغاية، لأنه في اللحظة التي تم الاجتماع فيها يكون الإقصاء خارج دائرة النقاش، لأن ذلك يعني قبول كل طرف بأن للآخر حقاً في المعرفة، وحقاً في الرأي، وحقاً في الاجتهاد، وهو ديدن الحياة بأن يكون الاختلاف من صفاتها وأسمائها. المناظرة حصلت بين الدكتور أحمد الغامدي، والدكتور سليمان العجلان. الأول أطلق فتوى بـ «جواز» الاختلاط لأن الحرمة في وقوع الخلل وليس في فعل الاختلاط ذاته، بينما يرى العجلان عكس ذلك. بالنسبة إليَّ، كأحد أفراد المجتمع الذي يقع عليه فعل التحريم أو الجواز، أرى أن فطرتي تميل إلى الوسطية، حيث إن الاختلاط كحالة اجتماعية ليس حراماً في حد ذاته إلا إذا ما كان هناك خلل في فعل الاختلاط ذاته. منطق سليم، مثل منطق قدمي الإنسان، يسير عليهما ليذهب إلى المسجد أو إلى أماكن الرذيلة، لا يعني ذلك حرمة القدمين ونفتي بجواز بترهما. وفي المقابل، متفهم تماماً للإطار الفكري الذي يقدمه العجلان، لأن الفتوى هنا لا تخلو من سياقها الاجتماعي أيضاً، حيث السعوديون وتراكمهم القبلي في العادات والتقاليد ليكون الفقه مأخوذاً بقوة المجتمع، ليصبح السؤال: هل السعوديون جاهزون فعلاً للاختلاط المجتمعي النقي؟ فيكون الجواب لحماية الفضيلة من وجهة نظر المعسكر الثاني، الذي يقول بحرمة الاختلاط، بينما يرغب المعسكر الأول في ممارسة الحياة بعيداً عن القانون الاجتماعي والفقهي على أن يتم النظر إلى كل حالة على حدة. المحير هنا، أن كلا المعسكرين محق في نظرته، لذلك نحتاج إلى مزيد من المناظرات الحيوية.
مشاركة :