انشغل المسلمون بعد صلح الحديبية بنشر الدعوة إلى الله، وعرض تعاليم الإسلام على القبائل الموجودة في محيط الجزيرة العربية، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم سفراء إلى الملوك والأمراء في الممالك التي تقع على تخوم الجزيرة العربية، وأصبح الإسلام منفتحاً على العالم كله؛ وأثمرت هذه الدعوات والسفارات نتائج ملموسة، وأصبح الإسلام قوة فتية، واكتسب كل يوم مساحة جديدة تضاءلت معها مساحات الكفر، وتصدعت أمامها قواعد الشرك والوثنية.أما قريش فقد ظلت على جمودها القديم في إدارة سياستها، ولم تكن واعية لخطورة الأحداث التي تجري من حولها، ولم تدرك تبدل الأحوال الذي أحدثتها الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية، وتوشك أن تؤثر في العالم كله، وجرها فقدان الوعي هذا إلى خطأ جسيم أفقدها الصلح مع النبي، وأصبحت المواجهة العسكرية بينهما حتمية، حيث أغارت بنو بكر -وهم في حلف مع قريش- على خزاعة، وكانوا أحلافاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن قريشاً أعانت بني بكر، وقتلوا 20 رجلاً من خزاعة. وهرعت خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأخبروه بما كان من بني بكر، وبمن أصيب منهم، وبمناصرة قريش بني بكر عليهم، ووقف عمرو بن سالم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في مسجده فقال: حلف أبينا وأبيه الأتلدا يا رب إني ناشدٌ محمدا وقتلونا ركَّعاً وسُجَّدا هم بيتونا بالوتير هجّدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نُصرت يا عمرو بن سالم! لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب». وإدراكاً من قريش لخطورة الجرم الذي اقترفته أرسلت أبا سفيان إلى المدينة لإعادة الصلح وإطالة أمده، وعندما وصل إلى المدينة ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض حاجته، أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجبه، فاستعان بكبار الصحابة، مثل: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي حتى يتوسطوا بينه وبين رسول الله، فأبوا جميعاً، فعاد أبو سفيان إلى مكة من غير أن يحظى بأي اتفاق أو عهد، وكان هذا بمثابة إعلان من الرسول عن استعداده للتحرك العسكري تجاه مكة، وضرب موطن الوثنية في الجزيرة العربية. لقد تغيرت موازين القوى في الجزيرة العربية، وأصبح للإسلام رهبة بين القبائل التي تحيط بالمدينة، كما أصبح يملك أنصاراً يفدونه بالنفس، وتكونت لدى المسلمين ثروة تمكنهم من تجهيز الجيش الكبير الذي يرهبون به عدوهم، تكونت من البعوث والسرايا التي أرسلها النبي بعيد صلح الحديبية، واغتنم النبي الفرصة التي ضعف فيها أعداء الإسلام، وجهز جيشاً كبيراً لم تشهد له الحجاز مثيلاً من قبل، كان قوامه 10 آلاف مقاتل، واستطاع النبي أن يشن حرباً نفسية وإعلامية عظيمة قبل وصوله إلى مكة، وكان ثمرتها أن اختبأ كل فرسان مكة خلف أبوابهم خشية جند الإسلام.;
مشاركة :