جدة -عبدالله صقر يعتبر المجتمع الإماراتي من أكثر المجتمعات تمسكاً بعاداته وتقاليده، وأكثر حرصاً على الحفاظ على تراثه وهويته الوطنية، وهو ما يظهر جلياً فيما يخص تلك العادات المرتبطة بشهر رمضان, تبدأ الاستعدادات قبل أيام من الشهر الفضيل بتحضير مستلزماته، وتجهيز المجالس لاجتماع العائلة والجيران، ثم شراء وتجهيز «المير»، وهي عادة إماراتية أصيلة، تقدم فيها الهدايا للأهالي والأصدقاء، كنوع من صلة الرحم. أما من ناحية التراث الشعبي الإماراتي فرمضان فهي مشابهة لما نراه اليوم من مظاهر فرح الصغار والتكافل الاجتماعي وصلة الأرحام، ولا تزال عادة التزاور، بين الأهل والجيران، من أبرز العادات الباقية حتى اليوم. كان الاحتفال بمجيء رمضان يبدأ من ليلة النصف من شعبان، «حق الليلة»، وقضت العادة في الإمارات بأن يتجمع الأطفال بعد صلاة المغرب بملابسهم التقليدية، فالبنات بالملابس المطرزة والصبيان ب«الكندورة» والطاقية المطرزة بخيوط الذهب، يحملون على رقابهم كيساً من القماش يسمى «الخريطة»، ويمشون جماعات تتوقف على البيوت وتبدأ بترديد الأهازيج لحث أهل البيت على منحهم المكسرات والحلويات، وهم ينشدون: «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم». وإذا أهلّ رمضان، تتردّد على ألسنة الناس مقولةٌ ” رمضان كريم وعساكم من عوّاده ” ، يهنئون فيها بعضهم على حلول الشهر الكريم ،ويظهرون فيها فرحتهم وابتهاجهم بموسم الخيرات والبركات ، ذلك هو الشعور الرمضاني في دولة الإمارات العربية المتحدة. تنتشر في الإمارات موائد الإفطار الجماعي، حيث يجتمع أهل الحي في مكان واحد للإفطار، فتأتي النساء جالبات ما صنعن من وجبات،حسب المقدرة، ويتشارك الجميع في تناول الأرز والهريس والمحلى والعصيدة واللقيمات، ومن الحلويات الخبيصة والبثيثة و الخنفروش والبلاليط * اكلات رمضانية وفيما يتعلّق بالأكلات الرمضانية ، فإن الهريس يأتي في مقدّمها ، حيث تعتبر هذه الوجبة على قائمة الوجبات المفضلة عند أهل الإمارات ، ولا تكاد تخلو مائدة منها ، كما تشتهر المائدة الإماراتية بالثريد والسمبوسة والأرز بمختلف أنواعه المكبوس والبرياني ، إلى جانب الحليب واللبن والعصائر المختلفة ، ويوجد من يقوم بتفضيل اللبن مخلوطا بالحليب ، وبطبيعة الحال تأثّرت المائدة الإماراتية بأكلات الشعوب الأخرى نتيجةً للتداخل الحضاري بين سكّان الإمارات ، ومن هنا دخلت لقمة القاضي والجيلي وغيرهما مما هو مشهور ومعروف. ومن الملامح المميزة لهذا الشعب الكريم ، كثرة الخيام في الشواطيء والبراري للجلوس هناك والترويح عن النفس بعد إتمام العبادة ، ويتلذّذ الناس بهجر البنيان والعودة إلى الأصالة ، وعادة ما تكون هذه المجالس مجهّزة بوسائل الراحة ، ويدور فيها الحديث عن مختلف جوانب الحياة ، ويفضّل الكثيرون ممارسة أنواع الرياضة لتساعدهم على هضم المأكولات ، وتحقيقا للمتعة والترفيه ، ومن أشهر هذه الألعاب ، كرة القدم وكرة الطائرة. تنتشر المجالس المعروفة باسم (الميلس) أو (الديوانية)، خلال الشهر الكريم، ويجلس صاحب الدار في صدر مجلسه لاستقبال زائريه. ويوجد في الإمارات ما يُسمّى بالمهرجانات الرمضانيّة ، وهي مهرجانات شرائيّة تُنصب فيها الخيام ، ويأتي فيها البائعون من الداخل والخارج ، ويتقاطر الناس من كل مكان ليشاهدوا الجديد والغريب من البضائع والمنتجات ، لا سيما الباعة الصينيون الذين تميزوا عن غيرهم بالأدوات المبتكرة والمتميزة ، ويصاحب هذه المهرجانات تواجد ألعاب ترفيهية للأطفال ، وأماكن مخصّصة لبيع المطعومات والمشروبات المختلفة ، وفي بعض المهرجانات تُخصّص زوايا تراثية تُعرض فيها صور الحياة من الماضي ، وطرق وأساليب الحياة في الماضي مما يعيد إلى الأذهان أصالة حياة الآباء والأجداد. واشتهرت أيضاً العديد من الألعاب الشعبية الخاصة بالشهر الكريم، مثل لعبة الخاتم بين لاعبين أو لاعبتين، ولعبة الصوير وهي من الألعاب الجماعية، ولعبة المدافع، والمريحانة «المسحر» أبرز ما يميز رمضان، ويُسمّى في بعض البلدان «المسحراتي»، وهو رجل لم يعيّنه أحد، نذر نفسه لتنبيه الناس بموعد السحور، يمر على البيوت، حاملاً طبلاً صغيراً يطرقه خمس طرقات وهو يردد: «قُم يا نايم قم.. قومك أخير من نومك». ويقول رشود: يطوف «المسحر» طوال شهر رمضان على البيوت من دون أجر أو ثناء، وفي ليلة العيد، يطوف على البيوت ليتلقى مكافأة عمله، ويستقبله الناس بالترحاب ويتبادلون معه التهاني، ويغدقون عليه العطايا والهدايا، ومن عطاياهم تكون زكاة فطرهم.
مشاركة :