إعادة الأنهار إلى منابعها

  • 6/19/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

خيري منصورمهما حدث للنهر في مجراه فهو لا يعود إلى المنبع، وحين تقام في وجه تياره السدود يشتبك معها ويقفز عنها باتجاه المصب، وما يصح على الأنهار يصح على التاريخ، لكن بدرجة أشد تعقيداً، وليس معنى ذلك أن للتاريخ حتمية تقتاده وتحدد له سهم البوصلة.لكن القول إن عقارب الساعة لا تدور إلى الوراء رغم مجازيته هو تعبير دقيق عن التدفق والتقدم إلى أمام سواء تعلق الأمر بالثقافة أو التحرر والتمدن، وحين تظهر موجات متوحشة تحاول إعادة النهر إلى منابعه تدفع ثمن رهانها الأخرق ولو بعد حين. فالبشر يدافعون ببسالة عن كل ما أنجزه أسلافهم، ولا يرفعون الرايات البيض أمام الأنياب والمخالب حتى لو كان الدم يقطر منها!وحين يعرّف بعض العلماء العلم بأنه تاريخ الأخطاء فإن المقصود بذلك أنه تراكم من المحاولات المتعاقبة، وأن كل فشل ينطوي على قدر من النجاح، وهذا ما عبر عنه أديسون حين قال إنه في المرات التي فشل فيها نجح في أن يجعل من يأتون بعده يتجنبون أخطاءه وبالتالي، يختصرون الوقت والجهد!بالطبع هناك جدلية تاريخية تتجسد في الصراع المزمن بين من يخطو إلى الأمام ومن يشده إلى الوراء.وربما لهذا السبب كان التقدم بطيئاً إلى حد ما لكنه عميق، والمثل الإنجليزي القائل: المياه العميقة تسير ببطء له دلالات حضارية تتجاوز كلماته ودلالاتها المعجمية. ولو أحصينا عدد الموجات المضادة للحضارات لوجدنا أنها كثيرة، لكنها لم تمكث في ذاكرة التاريخ لأنها ما إن تنحسر وتتلاشى يطويها النسيان.أما المفارقة فهي في ظهور مثل هذه الموجات في الألفية الثالثة وبعد أن بلغ الإنسان هذا الحد من التطور العلمي والوعي بالعالم، وبعد أن استكمل بناء الدولة والقانون!وحسناً فعل أسلافنا العرب عندما وصفوا من يضعون العصي في الدواليب لإعاقة التقدم بالكلب الذي يعوي وراء القافلة، وأخيراً يبح صوته ويصمت فيما تواصل القافلة المسير!والإنسان الذي دفع ثمناً أسطورياً لاكتشافه سر النار ونزف دمه ثمناً لاكتشاف حريته، هو نهر آدمي، يجري نحو مصبه ولن يعاد إلى المنبع.

مشاركة :