ألا يبدو أننا نسقط في هوة تراجع سحيقة عندما يناقش رجال دين على شاشات التلفزيون لون شعر حواء عند زواجها من آدم، أو نوعية الكلب الذي كان يرافق أهل الكهف إن كان سلوقيا أو شيشانيا، بدلا من مواضيع أكثر جدوى.العرب كرم نعمة [نُشر في 2017/06/19، العدد: 10668، ص(24)] قبل أربعة عقود تلقى المعلق الرياضي العراقي مؤيد البدري رسالة من مشاهد في برنامجه التلفزيوني الشهير "الرياضة في أسبوع" عندما كانت الرسالة تمتلك مواصفاتها التعبيرية وليست كرسائل اليوم الجاهزة والمرتبكة والناقصة في أغلب الأحوال، ولأنها رسالة كان عليه الاهتمام بها بالرغم من سطحيتها المريعة! سأل المشاهد عما إذا كان الحكم سيحتسب هدفا عند انشطار الكرة، نصف داخل الهدف والنصف الآخر خارجه! لم يحتر البدري بخبرته الرياضية وتجربته الجامعية، وقال إن كرة القدم ليست قطعة حلوى وإنما لها وزن وقطر محسوب وتخضع للتجريب قبل استخدامها، ومقابل سذاجة السؤال كان يرد على أن مناقشته تتأتى من فكرة تنبيه المشاهدين آنذاك إلى طبيعة ما يجب أن يفكروا فيه من أسئلة! مع ذلك لا يقبل القانون احتساب الهدف إلا بدخول الكرة كاملة خط المرمى. لم تكن تمر الكثير من تلك الأسئلة الساذجة في الشاشات آنذاك، لاعتبارات أعزوها إلى حساسية إعلامية عالية ورصانة كانت قائمة إلى حد ما، بينما أتاح الفضاء المفتوح اليوم حرية التهريج واستصغار عقول الجمهور، أسهم فيها مقدمو البرامج بنفس القدر الذي كان يفكر به صاحب السؤال عن كرة القدم المشطورة. ألا يبدو أننا نسقط في هوة تراجع سحيقة عندما يناقش رجال دين على شاشات التلفزيون لون شعر حواء عند زواجها من آدم، أو نوعية الكلب الذي كان يرافق أهل الكهف إن كان سلوقيا أو شيشانيا، بدلا من مواضيع أكثر جدوى. وفي جلسة حوارية عن التسطيح الذهني المتصاعد على شاشات التلفزيونات العربية بسبب رجال الدين، عبر متحدث عن استغرابه الشديد وهو يرى الفتاوى الجنسية على موقع أحد المراجع الكبار في العراق، واصفا إياه بمستشار لمجلة “بلاي بوي” من القرن السابع عشر! فهذا المرجع الذي يحرم مصافحة المرأة يفتي بأدق تفاصيل العملية الجنسية معها! لا يكمن الإسفاف عند مطلقي الأسئلة الساذجة فحسب، بل بمن يديرون البرامج على الشاشات وخصوصا رجال الدين والدعاة منهم، عندما تتحول المعرفة لديهم إلى صفسطة تاريخية ملتبسة ونزول بالوعي الإنساني إلى درجات الانحطاط، وإلا هل يستحق أن نستقطع من وعي الجمهور مساحة على الشاشة من أجل أن نختلف أو نتفق على لون شعر حواء! لأنه لم يحدث أن عاد ميت إلى الحياة! فإن كل ما يمس ما بعد الموت يبقى تخمينا وأهواء لا ينبغي الخلاف بشأنها لعدم وجود شهود عيان عليها، وهذا يعني -على الأقل- انتهاء تجارة رجال الدين على الشاشات. كرم نعمة
مشاركة :