يقترب رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي رويدا رويدا من لحظة إعلانه عن تطهير كامل التراب العراقي من دنس عصابات داعش. ويترقب الكثير من الأطراف المحلية والدولية إجراءات العبادي في مرحلة ما بعد داعش، حيث تبرز تحديات كبيرة يتوجب على حكومته مواجهتها. فإعمار المدن المحررة وإعادة النازحين بعد توفير الأمن والخدمات لمناطقهم يتصدر أولى تلك التحديات. وتزداد كلفة الإعمار لتتجاوز الـ 100 مليار دولار على أقل تقدير ما يستوجب توفير آليات دقيقة لمنع تعرض تلك المبالغ لحالات من الفساد كالاختلاس والهدر والضياع. ويعتبر الفساد الذي يعاني منه العراق من أخطر العوامل التي أدت لظهور داعش واحتلالها لثلثي أراضيه. فالفساد أنهك مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية لحساب تعزيز سطوة الإرهاب وسقوط آلاف الضحايا. ولم تقتصر مسألة الإرهاب على العراق فحسب فقد انتشر خطره ليضرب بقاع العالم ما عزز القناعة دولياً بأن مكافحة الفساد في العراق لم تعد هماً محلياً وإنما هي قضية أمن عالمي ايضاً. من هذا المنطلق فقد تسلم رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي العديد من الوثائق والملفات المتعلقة بالفساد خاصة ما يتعلق بعقود جولات التراخيص النفطية وصفقات السلاح بالإضافة لملف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والبنك المركزي وغيرها. ويعمل في العراق حالياً العديد من المحققين الدوليين على تلك الملفات ما سيساهم في توجيه الاتهامات لكبار الفاسدين المسؤولين عن اختفاء مئات المليارات من الدولارات من أموال العراق وتوقف آلاف المشاريع الاستثمارية. لذلك فإن أبرز ملامح مرحلة ما بعد داعش ستكون المواجهة المرتقبة بين العبادي وحيتان الفساد. وسيكون العبادي أمام تحد كبير لإثبات قدرته على ذلك خاصة وأنه قد أعلن في بداية تسلمه لحقيبته الوزارية عن استعداده لتقديم حياته ثمناً لذلك. ولا نبالغ إذا ذكرنا أن مستقبل العراق لعقود من الزمن سيكون رهناً بمكافحة الفساد ونجاح العبادي في توفير السلم والوئام الاجتماعي وتعزيز الشعور بالمواطنة. بالمقابل من ذلك فإن الخيار الآخر سيكون بقاء الأحزاب الفاسدة ومزيداً من النزاعات المذهبية والعرقية والعشائرية. إن الملفات التي تسلمها العبادي من جهات دولية ستساعده في تضييق الخناق على كبار الفاسدين تمهيداً لملاحقتهم دولياً. لذلك يجب ألا يكون سعي العبادي لبناء الثقة والتحالفات قبيل فترة الانتخابات مبرراً لفقدان ثقة المجتمع الدولي الداعم لحكومته. و إذا أراد العبادي أن يدعم نصره العسكري بآخر يعيد العراق إلى موقعه الحقيقي إقليمياً ودولياً فعليه أن يكون صارماً في محاسبة من تثبت إدانته من مسؤولين حتى لو كانوا من حزبه. مواجهة يبدو أنها ستكون من أبرز ملامح توجهات العبادي في المرحلة المقبلة التي لا تقل خطورة عن مرحلة داعش. صادق حسين الركابي
مشاركة :