عبدالمقصود خوجة.. حتى لا ننساه في ضجيج الحياة

  • 6/20/2017
  • 00:00
  • 44
  • 0
  • 0
news-picture

*عندما يُكتبُ تاريخُ الكلمةِ في بلادنا، فسوف يكونُ فيه متَّسعٌ لشخصيَّاتٍ عديدةٍ، ومن بين تلكَ الأسماءِ التي ترسَّخ وجودُها في حياتِنا الثقافيَّةِ والفكريَّةِ والأدبيَّةِ، يأتي اسمُ الشيخ عبدالمقصود خوجة في الطليعةِ من تلك الأسماء، فلقد ساهمتْ اثنينيَّتُهُ في ربطِ الأجيال الصاعدة بجيلِ الروَّادِ، وأزعمُ أنَّ الرائدَ عبدالمقصود كان يسعى لجمعِ ذلك التراث -أيّ الإنتاج الفكريّ والأدبيّ لأولئك الروَّاد- من مظانِّه المتعدَّدةِ، وخصوصًا لما كان ينشره جيلُ الروَّاد من شعرٍ ونثرٍ في صحيفةِ صوت الحجاز، حيث كانت النزعةُ الأدبيَّة تطغى على ما كان يُنشر في الصحافةِ -آنذاك- وكان حريصًا على قراءةِ ما يقدَّم له من مقالاتٍ وبحوثٍ، وتمحيصه والتدقيق فيه، ولعلِّي شخصيًّا لمستُ تلك النزعة المرهقة كثيرًا، عندما قام بجمعِ ما أبدعه الأديبُ الكبير حمزة شحاتة، وشكَّل لجنةً خاصَّةً لهذا الأمر، وخصوصًا لجهة ما كان يجري في السَّاحة -آنذاك- أي قبل حوالى قرن من الزمن، من سجال شعريٍّ بين الرائدين شحاتة والعواد، وكان المرحومُ الأديبُ عبدالسلام الساسي يحفظُ قصائدَ تلك المعركة، ويترنَّم بها، ولولا النسخةُ المخطوطةُ الوحيدةُ من ذلك الإنتاجِ الأدبيِّ، والموجودة في مكتبةِ المرحومِ الأستاذِ محمد نور جمجوم؛ لفقدنَا جزءًا هامًّا من تراثِنَا الأدبيِّ، الذي حرص عزيزُنا عبدالمقصود بعدَ حصولِهِ على ذلكَ الإنتاجِ الشعريَّ ألاَّ ينشر منه ما يدخل في باب الخصوصيَّات، آخذًا في الاعتبارِ اختلاف السياقات الاجتماعيَّةِ والفكريَّةِ من حقبةٍ لأخرى.* كان عبدالمقصود حفيًّا بشخصيَّاتٍ عديدةٍ من هؤلاء الروَّاد، وخصوصًا أولئك الذين كانُوا يرتبطُونَ برباطِ المودَّةِ والقربى بوالدِه الأديب محمد سعيد عبدالمقصود، مثل عبدالله بلخير، وأحمد ملائكة.وأتذكَّرُ من اللمحاتِ الإنسانيَّةِ التي اتَّصفت بها شخصيَّتُه أنَّه أقام عزاءً خاصًّا في داره، عندما تُوفي المرحوم الملائكة؛ ممَّا يمكن أن يدخلَ في باب بر الوالدين، بإكرامِ أصدقائِهم وأحبابِهم.وممَّا يندرجُ ضمن هذا المنحى الإنسانيِّ لدى الرائدِ الخوجة، أنَّه إذا سمعَ بتعرُّضِ أحدِ روَّاد اثنينيَّتِه لعارضٍ صحيٍّ يبادرُ بالسؤال عنه. وقد أخبرني الزميلُ الأستاذ الدكتور محمد خضر عريف أنَّه اضطرَّ قبل سنواتٍ لدخولِ المستشفى، وإجراء عمليَّةٍ طبيَّةٍ، فكان عبدالمقصود -جزاه اللهُ خيرًا- يزورُه كلَّ يومٍ طوالَ مدَّةِ وجودِهِ بالمستشفى.* ظلَّت الاثنينيَّةُ لمدَّةِ تزيد عن ثلاثين عامًا معْلَمًا ثقافيًّا وفكريًّا تجاوز حدودَ السَّاحةِ المحليَّةِ إلى السَّاحةِ العربيَّةِ، فكان صاحبُها -رعاه الله- حريصًا على تكريمِ الروَّاد من شخصيَّاتٍ مختلفةٍ، وقام بتكريمِ المرأةِ إلى جانبِ الرجل في هذه المسيرة، التي طبعت الحياةَ الاجتماعيَّة والفكريَّة في بلادِنا بطابعِ الوفاءِ والعرفانِ، وهو الأمر الذي يغفل عنه البعضُ، خصوصًا إذا ما أضحى البعضُ من الباحثين والمبدعين في منأى عن الأضواءِ، وضجيجِ الحياةِ، فتنساهم الذاكرةُ، أو تغفل عنهم، ويكون لذلك أثره السلبيّ على نفوسِهم، بينما يأتي التكريمُ ليبعثَ فِي نفوسِهم الأملَ، وحبَّ الحياةِ.* لقد اختفى الرائدُ عبدالمقصود لأسبابٍ، أو بواعثَ تخصُّه من السَّاحةِ، ولكنَّهُ يظلُّ حاضرًا في نفوسِ محبيه، وعارفي فضله من أربابِ الكلمةِ وسواهم، وجديرٌ بنَا في هذَا الشهرِ الكريم أنْ نرفعَ أكفَّ الضراعةِ للمولى -عزَّ وجلَّ- أن يحفظَهُ لأهلِهِ وأبنائِهِ ومحبيه، وأن يكافئه جزاءَ ما قدَّم للساحةِ الأدبيَّةِ من أيادٍ بيضاء، وكثير منها في الخفاءِ، وقليل منها في العلنِ.

مشاركة :