بيروت: «الشرق الأوسط» دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي النواب إلى أن يتوقفوا عن أي عمل تشريعي عملا بالمادة 75 من الدستور، وأن ينتخبوا فورا رئيسا للجمهورية بحكم المادتين 73 و74، محذرا من أن «الممارسة الحالية في عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية تنتهك الدستور والميثاق الوطني معا، وهذا أمر مرفوض بالمطلق ومعيب بكرامة المجلس النيابي والشعب والوطن». وطالب الراعي، خلال كلمة ألقاها أمس أثناء انعقاد «سينودس الكنيسة المارونية المقدس السنوي» النواب بأن يبادروا إلى عقد جلسات يومية، لا أسبوعية، حتى انتخاب الرئيس، من أجل حفظ كرامتهم، واحترام كرامة الشعب وكرامة لبنان، داعيا إياهم إلى أن يلتزموا بما يفرضه الميثاق الوطني وهو توزيع السلطات العليا بين رئيس للجمهورية ماروني ورئيس لمجلس النواب شيعي، ورئيس لمجلس الوزراء سني. ولم يتمكن البرلمان اللبناني خلال ست جلسات من انتخاب رئيس جديد خلفا للرئيس السابق ميشال سليمان الذي انتهت ولايته في 25 مايو (أيار) الماضي. ولم تنجح البطريركية المارونية التي جمعت الأقطاب الموارنة الرئيسيين، قبل انتهاء ولاية سليمان، في حثهم على التوافق على مرشح مشترك، في وقت يصر كل من فريقي «8 و14 آذار» على إيصال مرشحه إلى سدة الرئاسة. وأدى الشغور الرئاسي إلى شل عمل باقي المؤسسات، إذ يرفض مسيحيو فريق «14 آذار» مدعومين من تيار المستقبل التشريع في ظل شغور الرئاسة، وهي الموقع المسيحي الأول في لبنان، في وقت أبدى نواب عون مرونة في المشاركة في جلسات البرلمان لتسيير الأمور المعيشية وفي مقدمتها سلسلة الرتب والرواتب التي تمنح موظفي القطاع العام والمدرسين زيادة على رواتبهم. ويتخوف المسيحيون، وفق ما يعبر عنه البطريرك الراعي مرارا، من أن يؤدي استمرار عمل المؤسسات بغياب الرئيس إلى ضرب الميثاقية. وقال الراعي أمس إن «التمادي في النزاعات والاتهامات، وبالطبع بنسب متفاوتة في المسؤولية، أدى إلى تعطيل المؤسسات الدستورية، وصولا إلى العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وزج البلاد في الفراغ المميت»، مجددا إدانته لهذه الممارسة «المناقضة للديمقراطية»، والتي «تنتهك الميثاق الوطني، لجهة إقصاء المكون المسيحي الماروني عن الرئاسة الأولى». وفي موازاة ترشيح فريق «14 آذار» لرئيس حزب القوات سمير جعجع، واشتراط رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون التوافق على شخصه للرئاسة، يستمر رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط بترشيح النائب هنري حلو، في وقت لاقت مواقفه الأخيرة أول من أمس لناحية رفضه دعم عون وجعجع، وقوله «إننا نحتاج إلى رئيس دولة قوي وليس رئيسا مسيحيا قويا»، سلسلة من ردود الفعل. وجاء أبرزها على لسان رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، الذي قال أمس: «لا شيء اسمه موقع مسيحي أول بل ممثل للمسيحيين وليأتوا بمن يمثل فعليا المسيحيين»، موضحا «أننا نفتش عن ممثل حقيقي للمسيحيين». وجدد فرنجية بعد لقائه عون أمس تأكيد دعمه للأخير «في كل المراحل»، ورأى «أننا نخوض معه معركة واحدة»، مضيفا: «لو كنا نملك 65 صوتا، هل كان فريق (14 آذار) سيشارك في الجلسات ويصوت؟ أعتقد أنه كان سيقاطع هو أيضا، ولو بقينا نصوت ستة أشهر ستبقى الأصوات نفسها». وأكد فرنجية «أن الرئيس يمكن أن يأتي بعد أزمة أو بالتوافق، وسيكون هناك انتخاب رئيس ماروني قوي ونحن نتمنى أن يأتي بالتوافق». وأكد أنه «إذا تعطل مجلس النواب بطريقة سياسية ستعطل الحكومة أيضا بطريقة سياسية»، مبديا الاستعداد «لخوض معركة نيابية، لكن لنكن حريصون في الدرجة الأولى على مصلحة البلد». وفي سياق متصل، عد الوزير السابق شكيب قرطباوي، المحسوب على عون، أنه «ليس من مصلحة جنبلاط انتخاب رئيس قوي للجمهورية»، مؤكدا أن «الرئيس المقبل للجمهورية يجب أن تكون له قواعد شعبية وأن يستطيع التوافق مع بقية اللبنانيين». ورأى قرطباوي، في حديث إذاعي أمس، أن «المعطيات تؤكد أن أحدا لا يريد رئيسا وفاقيا وبالتالي فإن الانتخابات في حكم المؤجلة»، وعد أنه «لا يجوز التصرف وكأن شيئا لم يكن أو أن البلد يسير بشكل طبيعي»، لافتا في الوقت ذاته إلى أنه «من حق مجلس النواب والحكومة التشريع واتخاذ القرارات وإنما في الحالات الضرورية والاستثنائية فقط». وفي الإطار ذاته، شدد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش، المحسوب على حزب الله، على أن «الاستحقاق الرئاسي أمر أساسي لا يمكن لأحد أن يتعامل معه بخفة أو كأن شيئا لم يحصل»، لافتا إلى أن «استمرار الخلافات السياسية سينعكس على ملء هذا الموقع المهم، ولكن لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى تعطيل باقي المؤسسات». وقال فنيش، في حديث لوكالة «أخبار اليوم» الخاصة في لبنان، إنه «ليس هناك دستوريا من نص يحول دون قيام المجلس النيابي بدوره التشريعي، خصوصا وأن رئيس المجلس بادر إلى تحديد مواعيد لانتخاب رئيس الجمهورية»، محذرا من «انسحاب تعطيل مجلس النواب إلى مجلس الوزراء، ما يؤدي إلى تهديد لكيان الدولة والنظام والمؤسسات وبالتالي تهديد مصالح اللبنانيين، من هنا تأتي أهمية التواصل والحوار». وفي موازاة إشارة فنيش إلى أن «هناك حوارا بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر حول الاستحقاق الرئاسي وكل الملفات الداخلية»، مشجعا على «الاستفادة من هذا الحوار ونسعى إلى وفاق واسع»، أكد النائب في كتلة عون سيمون أبي رميا، استمرار المفاوضات مع تيار المستقبل. وقال إن «الحوار معه عميق ويتخطى مفهوم المحاصصة، ليركز على هواجس كل الأطراف، وأهمها تأمين الشراكة الوطنية الحقيقية وتحقيق التوازن السياسي بين مختلف شرائح المجتمع». من ناحيته، أكد النائب في كتلة المستقبل عمار حوري أن الحوار لا يزال مستمرا ودقائقه محصورة جدا بين المتحاورين وهو انعكس إيجابا على الوضع العام في تشكيل الحكومة أو التعيينات أو الخطة الأمنية، لكنه أوضح أن موقفنا في موضوع رئاسة الجمهورية بالذات واضح ونحن نحاور تحت سقف «14 آذار» ولن يكون لنا أي قرار خارج «14 آذار». وشدد حوري، في حديث إذاعي، على أن «أولوية انتخاب رئيس للجمهورية تتقدم على أي أولوية أخرى، وهذا الانتخاب سيفتح آفاقا واسعة أمام الكثير من الإيجابيات ويعيد نمط الحياة السياسية في البلد إلى حيث يجب أن تكون».
مشاركة :