أوزكان أكيول، كاتب هولندي شاب من أُصول تركية، يكتب دورياً في صحف هولندية يومية وله كتب مطبوعة، وأصبح من الوجوه المألوفة في التلفزيون الهولندي، حيث يظهر كثيراً للحديث عن الشأن التركي، وأحياناً حول قضايا الاندماج في المجتمع الهولندي. لذا، لم ينتظر كثيراً كي يظهر في برنامج تلفزيوني خاص به. لقد منح التلفزيون الهولندي الرسمي أكيول فرصة تقديم برنامج تسجيلي من خمس حلقات بعنوان «أبناء عمومة أوس»، وهو يُعرض حالياً على شاشة القناة الثانية الهولندية. يرتكز بناء البرنامج على المهمة التي يأمل أكيول بتحقيقها، هو الذي ولد في هولندا لأبوين تركيين مهاجرين. لم يقابل جميع أقربائه الذين بقوا في تركيا، ويريد التعرف عليهم وعلى حياتهم. وهو أيضاً يرغب في قراءة الوضع التركي اليوم، بعد الانقلاب الفاشل، وتصاعد نفوذ الرئيس أردوغان، وما يُقال عن محاولاته لـ «أسلمة» البلاد. ويبحث البرنامج في علاقة تركيا اليوم مع الغرب، والتي عكرتها مشكلات جديّة مع ألمانيا وهولندا. حتى أن أكيول نفسه ذكر في حوار تلفزيوني- خلال الترويج لبرنامجه هذا - أنه اضطر للكذب على الناس في بعض المناطق التي زارها في تركيا، ذلك أنه عندما كان يسأل عن جنسية فريقه الفنيّ الهولندي الذي كان يرافقه، كان يجيب بأنهم من بلجيكا وليس من هولندا. يبدأ الكاتب الشاب رحلته من قرية أهله التي سمع الكثير عنها من حكايات والديه، ومن الذكريات القليلة التي تجمعت لديه حين كان يزورها طفلاً. يصل أكيول الى القرية التي كانت تسد طرقها الثلوج. لكنّ صورة القرية الرومنطيقية في ذهنه تتبدد عندما يرى بنفسه الظروف الصعبة التي يعيش فيها أهلها. يذهب أكيول الى مقبرة القرية حيث دفن شقيقه الذي مات طفلاً. ويقوم الكاتب في مشهد مؤثر بالتوصية على شاهد حجر قبر جديد بدلاً من ذلك القديم الذي ضاعت حروفه، من أجل أن يضعه على قبر شقيقه الذي كانت وفاته الدافع وراء هجرة العائلة بعيداً من فقر محيطهم وقلّة الفرص المتاحة فيه. يتبع أكيول طريق والديه، فيذهب الى المدينة الصغيرة التي انتقلوا إليها بعد تركهم القرية، ومن هناك يبدأ المهمة الأخرى باستشراف الواقع التركي اليوم، عبر حواراته مع أقربائه، وتقاطعاته مع أتراك عاديين في الطريق. كما يذهب الكاتب الى مدينة أنقرة حيث يعيش قسم من عائلته، والى أنطاليا التي تسكنها مجموعة من أولاد عمه. ومن المدينة الساحلية تلك، يحقق في أثر الأحداث السياسية الأخيرة في قطاع السياحة في تركيا، التي عانت كثيراً في العامين الأخيرين، وبدأ بعضهم بتغييرات كبيرة في طبيعة الخدمات التي يقدمونها لتناسب السائح العربي الذي بات يحلّ محل السائح الأوروبي التقليدي. ينحدر الكاتب الهولندي من عائلة تركية علوية، وهذا ما يؤثر الى حد كبير في رؤية أفرادها لما يحصل في تركيا، كونهم يخشون صعود التيارات المتشددة في المجتمع التركي، ويتمسكون في المقابل بقيم مؤسس الجمهورية التركية الحديثة كمال أتاتورك. كما أنّ أحداث التاريخ البعيد والقريب والقمع، تجعلهم أكثر حذراً من التغييرات الكبيرة التي يشهدون عليها. فالبرنامج يذهب الى بناية في المدينة القريبة من القرية التي أتى منها أهل المخرج، والتي قتلت فيها قبل سنوات مجموعة من الأتراك العلويين، وما زالت الذكرى تلك تُخيم على الحيّ، إذ منع أكيول وفريقه الفنيّ من دخول البناية. يتعثر البرنامج بالحساسيات التركية الجديدة، ففي وسط مدينة صغيرة علقت لوحة تذكر بما قامت به هولندا «الفاشية» عندما منعت تجمعاً للحزب التركي الحاكم في هولندا قبل أشهر، وعندما يحاور أكيول عابرين أمام اللوحة تلك، يتفق الجميع على عداء الغرب المتأصل لتركيا، والذي يشحنه التاريخ الطويل الدامي بين الدولة العثمانية وأوروبا. لكنّ المخرج، حين يدير كاميرته على أتراك آخرين، يعبّر كثيرون منهم عن قلقهم الشديد تجاه ضعف الدولة التركية العلمانية، ويكشف بعضهم أنه يفكر بالهجرة الى إحدى دول العالم الغربي، الذي يُشتم اليوم على المنابر وفي الساحات في تركيا.
مشاركة :