أدب الاعتراف بقلم: مفيد نجم

  • 6/20/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الكتابة العارية التي نواجه فيها أنفسنا ونواجه القارئ هي الكتابة التي ما زالت مفقودة.العرب مفيد نجم [نُشر في 2017/06/20، العدد: 10669، ص(15)] أدب الاعتراف الذي شكل تراثا مهما في الأدب الغربي لم يستطع حتى الآن أن يحظى باهتمام الكتاب والكاتبات العرب على الرغم من الفورة الكبيرة التي تشهدها الكتابة الروائية عربيا. وعلى خلاف ما تمارسه الرواية الغربية من تأثير واضح على الكتابة الروائية العربية راهنا، فإن أدب الاعتراف ظل خارج دائرة التأثير عليها. ثمة أسباب اجتماعية وثقافية معروفة تجعل الكاتب/ة يبتعد عن هذه المغامرة، يأتي في مقدمتها سطوة العرف الاجتماعي والأخلاقي. الكاتب/ة الغربي لا يواجه هذا التحدي بسبب مناخ الحرية ومنظومة القيم الأخلاقية السائدة في مجتمعه. الكاتب/ة العربي تلزمه شجاعة استثنائية لكسر هذا التابو والدخول في هذه المنطقة المحرمة. الكثير من الروائيين/ات العرب لجأوا إلى التخفي وراء شخصيات أعمالهم لكتابة جزء من سيرتهم الذاتية التي تنطوي على نوع من الاعترافات. محاولة التماهي بين الكاتب/ة وشخصياته سمحت له بقول ما يعجز عن الاعتراف به بوصفه جزءا من سيرته الذاتية. غادة السمان المعروفة بجرأتها في مقاربة التابو الجنسي نشرت رسائل حب غسان كنفاني وأنسي الحاج إليها، لكنها لم تنشر رسائلها إليهم أو إلى آخرين. المرأة الكاتبة تخضع غالبا لنوع من التأويل يتم فيه التماهي بينها وبين شخصيات رواياتها من قبل القارئ. هذا السلوك يعكس رغبة القارئ في التلصص على عالم الكاتبة السري من خلال كتاباتها، ما يضاعف مشكلتها مع الكتابة ومع المتلقي في آن معا. رغم ذلك امتلك العديد منهن الشجاعة الكافية وكتبن عن الحياة الجنسية والغرامية لشخصياتهن، لكن بوصفها جزءا من معاناة المرأة الاجتماعية في مجتمع ما زال يكبلها بالقيود. الكاتب العربي عموما ليس معنيا بهذا التأويل بل ربما وجد في مقاربته نوعا من تأكيد فحولته. أدب الاعتراف يتجاوز موضوع الجنس إلى شتى مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عاشها الكاتب/ة. الشجاعة هنا لا تقتصر على الاعترافات المتعلقة بموضوع الجنس. الكاتب/ة العربي عاش تجربة غنية في أزمنة عربية عاصفة، تعددت فيها مستويات التجربة وأسرارها ومواقفها وتحولاتها، لكن ما من شجاعة دفعت بهذا الكاتب/ة إلى كتابة اعترافاته. في علم النفس التحليلي تلجأ الشخصية غالبا إلى حذف المواقف والأشياء التي تشكل مصدر شعور بالألم والتوتر. الكاتب/ة العربي في ابتعاده عن أدب الاعتراف يخضع نفسه لهذه الآلية النفسية، لأنه لا يريد الاعتراف بالجانب المخفي من سيرته الخاصة أمام نفسه والقارئ معا. الكتابة العارية التي نواجه فيها أنفسنا ونواجه القارئ هي الكتابة التي ما زالت مفقودة. شهادة الكاتب/ة على نفسه وعلى زمن عربي حافل بالأسرار والتحولات هي ما يفتقده هذا الأدب. كاتب سوريمفيد نجم

مشاركة :