لندن: «الشرق الأوسط» يشتري الأجانب حصة تكاد تصل إلى نصف العقارات السوبر في لندن سنويا بأسعار لا يستطيع سكان لندن تخيلها أو المنافسة فيها. ويترك الأجانب هذه العقارات السوبر خالية معظم فترات العام، لأنهم لا يسمحون بتأجيرها، بينما يقتصر استخدام هذه العقارات في الفترات القصيرة التي يوجدون خلالها في العاصمة البريطانية. وأخيرا شنت بعض الأوساط الإعلامية حول ما تسميه «فضيحة مستثمري الشراء من أجل الإغلاق»، معتبرة أن هذه الاستثمارات ضارة على لندن في أكثر من صعيد. ولا تقتصر هذه الظاهرة على لندن وحدها، فالكثير من العواصم العالمية تعاني من ظاهرة المستثمرين الأجانب الغائبين عن عقاراتهم. وهم قطاع من الأثرياء الذين يعملون على مستوى دولي ويتنقلون باستمرار من مدينة لأخرى ويقيمون أحيانا في عقارات يملكونها أو في فنادق فاخرة. ويتوجه الهجوم الإعلامي البريطاني بصفة خاصة إلى شركات تطوير العقار التي تركز في مشروعاتها الجديدة على قطاع العقارات السوبر الموجه للأجانب والذي لا يستطيع سكان لندن المنافسة فيه. وهم يعتبرون أن هذا التوجه يرفع أسعار العقار اللندني اصطناعيا من ناحية ويحرم العاملون في لندن في السكن فيها ويضطرهم إلى سكن الضواحي البعيدة. هناك جوانب سلبية أخرى وهي أن المستثمر غير المقيم لا يدفع ضرائب دخل ولا ينفق استهلاكيا في المدينة وأحيانا يكون معفيا من ضرائب المجلس المحلي، ولذلك فإن تأثيره على الاقتصاد المحلي يكون سلبيا بالمقارنة مع ساكن مقيم في العقار. وتبدو الشوارع المحيطة بالعقارات الفاخرة مهجورة في معظم الأحيان. وتلجأ بعض إدارات الخدمات المحلية إلى تقليص الخدمات لتراجع الطلب عليها، فيحرم أهل المنطقة من خدمات تعليم وعلاج وبريد وأيضا يتراجع افتتاح منافذ تجارية بأنواعها. ولا يوجد أي تفاعل اجتماعي بين أصحاب العقارات السوبر وبين المجتمعات المحلية لأنهم ينظرون إليها كاستثمار بحت، وأحيانا كتقليد لمشتريات الأثرياء الآخرين. الأثرياء من ناحيتهم يعتبرون شراء العقارات المتعددة في مدن كبرى مثل لندن وباريس ونيويورك وهونغ كونغ من ضرورات العمل الدولي وتأمينا لتقلب العملات المختلفة أو للظروف السياسية في بلدانهم الأصلية. ولكن التأثير كان واضحا في لندن بحيث انقسمت المدينة إلى طبقة أثرياء يمثلون نحو 10 في المائة من سكان لندن ويملكون 270 ضعفا من يملكه أفقر 10 في المائة من سكان المدينة. ولعل أبرز أمثلة العقارات السوبر الخاوية في لندن مشروع «وان هايد بارك» الفاخر الذي يصل ثمن الشقة الواحدة فيه إلى 214 مليون دولار. فالإحصاءات الرسمية من سجل الأراضي البريطانية يشير إلى أن 76 شقة في العقار قد بيعت بالفعل حتى شهر يناير (كانون الثاني) 2013 بقيمة إجمالية تصل إلى 2.7 مليار دولار. ولكن 12 شقة فقط تم تسجيلها بأسماء أشخاص، منهم كريستيان كاندي الذي يسكن في الطابق السادس، وهو أحد مطوري العقار. أما بقية الشقق فهي مملوكة لشركات غير معروفة الهوية تنتشر من كاليفورنيا إلى تايلاند، والكثير من مناطق الأفشور مثل جزر الكايمان ولختنشتاين. ويقول مدير شركة عقارية مجاورة للموقع إن الملاحظة الغريبة لهذا المبنى تكون ليلا، حيث تبدو كل المنازل المحيطة له مضاءة، بينما نوافذ العقار السوبر سوداء كالليل لعدم وجود سكان فيه. كما يضيف تريفور أبرامسون الخبير العقاري الذي يعمل في لندن منذ السبعينات، أن لندن في الستينات كانت تشبه باريس الآن، وكان السياح الأجانب يقضون فيها بعض الوقت ويرحلون. ثم توالت بعد ذلك الغزوات العقارية بداية من اليونانيين بعد سقوط الملكية فيها ثم الأميركيين من لوس أنجليس والعرب بعد عام 1973، والإيرانيين بعد عام 1979 وسقوط الشاه، وأخيرا الروس والصينيين. وتوقف النشاط لفترة في الثمانينات ثم انطلق بجنون بعد انفتاح ثاتشر وموجة التخصيص التي بدأتها. وفي حين تأرجحت كفة الاقتصاد البريطاني بين الصعود والهبوط، ظلت كفة العقار في لندن منطلقة بلا هوادة منذ ذلك الحين. أحد المشروعات الأصغر حجما من «وان هايد بارك»، وهو مشروع لبرج بيضاوي اسمه مشروع «بيزييه» بالقرب من منطقة «أولد ستريت»، انتهى العمل في المشروع في عام 2010 ليوفر 127 شقة في القطاع السوبر على 14 طابقا. وفي حين بيعت كل الشقق بأسعار بلغت حدود 5.5 مليون إسترليني (8.25 مليون دولار)، فإن ثلث الشقق فقط مسجلة في سجل الانتخاب المحلي الذي يعني أن بها سكانا دائمين. ويشكو أهالي حي أيزلنغتون الذي يقع فيه هذا المشروع الفاخر بأنهم يعانون من أزمة إسكان في المنطقة في الوقت الذي تبدو فيه هذه البناية الفاخرة خاوية على عروشها طوال شهور العام. ويقول النائب البرلماني عن الحي جيمس موراي إنه سوف يرفع المسألة في البرلمان ضد الشركات التي تركز في أعمالها على قطاع الإسكان السوبر لغير المقيمين وتغفل حاجات السكان في الإسكان الشعبي والمتوسط. وهو يطالب بمنع الأجانب من شراء العقارات وتركها خالية ويسعى لقانون يجبر شركات العقار ببناء وحدات اقتصادية توازي الوحدات الفاخرة في مشاريع المستقبل وإلا فيجب عدم منحها تراخيص بناء. من ناحية أخرى، ترصد الحكومة البريطانية نشاط شراء العقارات في لندن من الأجانب، والذي قدرته بنحو 5.2 مليار إسترليني (7.8 مليار دولار) في عام 2011 ارتفاعا من حجم 5.5 مليار دولار في عام 2010. وهو تيار متوقع له أن يستمر لأن الأجانب يعتبرون لندن الملاذ الآمن لاستثماراتهم. ولذلك قررت وزارة الخزانة البريطانية زيادة ضريبة التمغة على العقارات التي تزيد قيمتها على مليوني إسترليني (ثلاثة ملايين دولار). وهناك شركات عقارية تدافع عن المشترين الأجانب الغائبين بالقول إنهم يدفعون قيمة عقاراتهم لبائعين بريطانيين يستفيدون من هذه الأموال بشراء قصور ريفية بعيدا عن العاصمة، كما أن ارتفاع قيمة العقار يعم على أحياء بكاملها ويفيد قيمة العقار فيها بغض النظر عن وجود أصحاب العقارات السوبر فيها أو غيابهم. وبعيدا عن وجهات النظر من الجانبين، فإن الأمر المؤكد هو أن نشاط شراء الأجانب للعقارات السوبر والفاخرة في لندن سوف يستمر ويتصاعد في المدى المنظور للكثير من الأسباب، لعل من أهمها أن لندن تعمل في مناخ حر وشفاف وتعتبر ملاذا آمنا للاستثمار الأجنبي يضمن فيه الأجانب حقوقهم بالكامل حتى لو بقوا خارج البلاد لسنوات طويلة.
مشاركة :