"لقد أتيحت لي زيارة قصيرة إلى الغرفة المصرية في متحف اللوفر بباريس. يجب أن أزورها أكثر من مرة، توجد هناك نقوش مصرية وأبو هول حقيقي، إنه عالم أشبه بالخيال". كانت هذه الكلمات جزء من رسالة عالم النفس الشهير سيغموند فرويد إلى زوجته. لم يخفِ فرويد انبهاره بالحضارة المصرية القديمة في الكثير من كتاباته، بل في حياته الشخصية، فكان يضع تماثيل الآلهة المصرية على مكتبه، واعترف لأحد أصدقائه أنه قرأ في علم المصريات أكثر مما قرأه في علم النفس خلال فترة من حياته. لم يكن فرويد حالة استثنائية في ذلك الوقت، فمع بداية القرن العشرين، انتشرت حالة من الـ"إيجيبتومنيا" (Egyptomania)، أي الهوس بالحضارة المصرية القديمة ومظاهرها، بدأ عقب الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، ووصل الولع إلى أوجه في أواخر القرن الـ19، وبداية القرن الـ20. تنوعت مظاهر الولع، فظهر الطابع المصري القديم في شتى مجالات الحياة، حيث تأثرت به الآداب والفنون والثقافة الشعبية وحتى الأزياء وتسريحات الشعر. تروي المرؤخة بلانش ليندن في كتابها "Silent City on a Hill" مظاهر التأثر الأميركي بالحضارة المصرية خلال القرن الـ19، فتقول "إن الأسلوب المصري أسر خيال أرباب الثقافة الأمريكية، الذين سعوا في ذلك الوقت لإيجاد رموز جديدة تمثل أمّتهم". وتضيف: "العديد من الأمريكيين ساووا دولتهم بمصر، فهي حضارة أولى قادرة على منحهم نموذجاً ثقافياً بدل الذي ورثوه عن الإنجليز، فسمّوا نهر المسيسبي بالنيل الأمريكي، وسموا مدن جديدة على طول ضفافه، بأسماء مثل ممفيس والقاهرة والكرنك وطيبة".أقوال جاهزة شاركغردما هو سرّ الحضارة الفرعونية التي سحرت مخيلة الغرب عبر العصور؟ شاركغردعشرات الأعمال الفنية التي استلهمت قصصها وأزياءها وعمارتها من تاريخ الفراعنة وبعكس ما يعتقده البعض أن الولع بمصر القديمة لم يبدأ إلا بالحملة الفرنسية على مصر، فإن التاريخ القديم لمصر جعلها نموذج إلهام بل وولع للشعوب والحضارات القديمة كاليونان والرومان.بداية القصة عندما أتى هيرودت إلى مصر سائحاً في عام 450 ق.م.، لم يصدق عينيه، عندما رأى النيل والأهرامات والآلهة المصرية. وأحد أهمّ أسباب انبهاره كان غنى مصر وقدمها. يقول عالم المصريات بوب برير مؤلف كتاب Egyptomania: Our Three Thousand Year Obsession، "في عام 450 ق.م.، كانت تعتبر مصر قديمة التاريخ لأهل ذلك العصر، فاليونان كانوا وافدين جدد حينها، والكتابة اليونانية كان عمرها قرون قليلة، فيما كانت الكتابة المصرية عمرها [بضع] آلاف السنين". ذكر هيرودت أنّ في مصر معالم لم يُوجد مثلها في البلاد الأخرى، وقد أسرته الأشياء التي تأسرنا حتى الآن كالآثار والمومياوات. ويوضح برير، "إن هيرودت كان يُقِّدر مصر، ويعيز تقريباً معظم جوانب الحضارة اليونانية إلى المصريين، فقال إن اليونانين تعلموا كيفية البناء بالحجر من المصريين، كما كان يفخر بادعائه أن الآلهة اليونانية القديمة تم استمدادها من الآلهة المصرية، وعزا أيضاً أصول النظام التشريعي اليوناني إلى نظيره المصري". كما يضيف برير أنّ بعد هيرودوت بمئة سنة تقريباً، "نسب أفلاطون اختراع الكتابة إلى مصر". امتد الهوس بالمصريات ليصل إلى الإسكندر الأكبر، الذي استطاع السيطرة على مصر عام 330 ق.م.، حيث توج نفسه فرعوناً وبنى المعابد للآلهة المصرية، ثم انتقل الهوس إلى البطالمة، فصوروا أنفسهم دائماً في صور الفراعنة القدامى على جدران المعابد، وصولاً إلى آخر ملكة وهي كليوبترا.مصر في عيون الرومان بدأ الرومان في التعرف على الحضارة المصرية مع قدوم كليوبترا إلى روما في عام 46 ق.م. وأيضاً بعد سقوط مصر في يد الرومان عقب معركة أكتيوم البحرية، والتي انتصر فيها أكتافيوس على كليوبترا وأنطونيوس. يقول برير في كتابه، إن أكتافيوس جلب مسلتين مصريتين إلى روما، تأكيداً على الاستمرارية بينه وبين الفراعنة، وليقول بأن مصر أصبحت مقاطعة رومانية تحت سيطرته. من هنا بدأ التشبه بمظاهر الحضارة المصرية القديمة في بعض الجوانب، حيث انتشرت "ثقافة إيزيس"، التي أصبحت معبودة رومانية، فكانت النساء تضع تمثال الآلهة المصرية القديمة في بيوتهن ويرتدين قوارير صغيرة حول رقابهن بداخلها مياه النيل. كما يقول برير بأنّ أصل الهالة التي وضعها الرومان على رأس العذراء مريم أم المسيح عيسى بعد تحولهم للمسيحية، يعود إلى قرص الشمس الذي كان يعلو رأس إيزيس كما كانت تظهر في الآثار المصرية القديمة. كان الإمبراطور هادريان من أكثر الأباطرة الرومان تعلقاً بمصر، حيث استغرقت رحلته التي كانت في عام 130م، أكثر من 8 شهور، زار خلالها هرم سقارة ومدينة ممفيس وبنى معبداً لعبادة آبيس المصري. إلا أنّ مأساة حدثت خلال هذه الرحلة وغرق أنطونيوس عشيق الإمبرطور في مياه النيل، وغلب الحزن على هادريان فأمر ببناء مدينة أنطينوبوليس قرب المكان الذي توفي فيه تكريماً لعشيقه، والتي وثق آثارها العلماء الفرنسيون الذين أتوا برفقة نابليون خلال الحملة الفرنسية على مصر. عندما عاد هادريان إلى روما، أضاف جناحاً مصرياً في قصره خارج المدينة، وهناك أمر بنحت تمثال لأنطونيوس على هيئة الملوك المصريين القدامى.نابليون يحي الحضارة المصرية مجدداً تعاقب الغزاة على مصر بعد الرومان، لكن لم يلتفت أحدٌ للإرثِ الحضاريّ الفرعونيّ، حتى أتى نابليون في حملته على مصر سنة 1789 م. إعادة الاهتمام بالحضارة المصرية جاء عقب فكّ العالم الفرنسي شامبليون لرموز حجر رشيد، والتعرف على الكتابة الهيروغليفية، التي فتحت الباب على مصراعية لاكتشاف أسرار هذه الحضارة. أنتج المرافقون لنابليون خلال الحملة الفرنسية كتابين اعتبرا من أهم المراجع فيما يخص حضارة مصر القديمة في ذلك العصر، هما كتاب "وصف مصر"، وكتاب آخر للعالم فيفان دينون اسمه "رحلة في مصر العليا والسفلى"، ومن خلالهما تعرفت أوروبا على هذه الحضارة، وبدأت موجة جديدة من الـEgyptomania. أحد أهم القطع الأثرية التي أبهرت دينون، هي دائرة الأبراج المتواجدة في معبد الدندرة والتي وصفها في كتابه، وفي عام 1821 جاء سباستيان سولنيه إلى مصر وطلب من محمد علي خلع الدائرة، وبالفعل تم خلعها ونقلها إلى فرنسا، حيث اشتراها لويس الثامن عشر بمبلغ 150 ألف فرانكي، لتوضع بعدها في المكتبة الوطنية بباريس قبل أن يتمّ نقلها إلى متحف اللوفر. وفي عام 1828م، أتى شامبليون في رحلته إلى مصر حيث لقي ترحيباً واسعاً عقب إنجازه المتمثّل في فك رموز حجر رشيد واللغة المصرية القديمة، وهناك طلب من محمد علي مسلة كانت أمام معبد الأقصر، وبالفعل حصل شامبليون على مبتغاه، وتم نقل المسلة إلى فرنسا، ونصبها في ميدان الكونكورد بباريس عام 1833 أمام الآلاف من المتفرجين. لم تكن هذه هي المسلة الوحيدة التي تم نقلها أوروبا، فقد تم إهداء مسلات من جانب مصر إلى أمريكا وأوروبا، كمسلة كليوباترا في لندن ونيويورك.إحياء المعمار المصري مع تعرف العالم الغربي على الحضارة المصرية وتوافد العلماء على مصر لدراسة حضارتها القدمية، بدأت موجة من إحياء المعمار المصري القديم في أوروبا وأمريكا. كان أول بناء بنى على الطراز المصري أعقاب الحملة الفرنسية على مصر، هو مبنى Karlsruhe Synagogue في ألمانيا عام 1798، والذي يرى البعض أنه أول مبنى بنيَ على الطراز المصري منذ انتهاء عصر الفراعنة. وفي فرنسا تم بناء أول مبنى مزين بالزخارف المصرية القديمة عام 1828 في شارع Place du Caire بباريس. وكان المبنى يتضمن رؤوس للإلهة حتحور. بالإضافة إلى بناء نافورة "Fountaine du Fellah" في باريس أيضاً في تلك الفترة، وضع فيها تمثال شخص يرتدي الزي فرعوني، وكان مستوحى في الأصل من تمثال "أنطونيوس". هرم زجاجي بني في ساحة متحف اللوفر في باريس عام 1989. وفي روسيا تم بناء بوابة Tsarskoe Selo على الطراز المصري القديم عام 1829. وفي بريطانيا، بنيت القاعة المصرية عام 1812 على الطراز المصري، وكان الهدف منها حفظ وعرض الآثار، إلا أنها هدمت في 1905، كما تم تصميم العديد من المباني داخلياً على الطراز المصري القديم. وفي الولايات المتحدة، يلاحظ العديد من الإنشاءات أواسط القرن الـ19، أهمها نصب واشنطن الذي اكتمل بنائه في عام 1884، حيث اتخذ شكل مسلة مصرية قديمة، كما طرح بناء نصب آخر للرئيس إبراهام لينكولن على شكل هرم لاحقاً، لكن تم استبداله بتصميم مختلف. وتنتشر في الولايات المتحدة مبانٍ على الطراز المصري القديم، من أشهرهم مبنى كلية الطب في جامعة فرجينيا، والذي تم بنائه عام 1845، كما تم بناء محطات شرطة وبوابات طرق ومقابر على الطراز الفرعوني. لم تتوقف الـ Egyptomania في المعمار حتى الأن، فمن يذهب إلى لاس فيغاس في الولايات المتحدة، لا تخطئ عينه فندق Luxor المصمم على شكل هرم، حيث يقف أمامه تمثال كبير لأبي الهول، وكلاهما حديث، تم الانتهاء من بنائهما في 1993.الثقافة والمجتمع "سيكون من غير اللائق أنْ أعودَ من مصر، بدون مومياء في يدٍ وتمساحٍ في الأخرى"، كانت هذه رسالة الأرستقراطي الفرنسي، أبوت فرديناند دي غيرامب عام 1833 إلى والي مصر أنذاك محمد علي باشا، حيث اعتاد السيّاح أن يعودوا من مصر إلى أوطانهم حاملين مومياوات. وفي نصف القرن الـ19، انتشرت حفلات "إزالة أكفان المومياوات" في بريطانيا خلال العصر الفكتوري. كانت تقام هذه الحفلات عقب عودة السائح إلى وطنه، وكان يدعوا إليها أصحاب المقامات الرفيعة، فبعد تناول الطعام والشراب، يقوم الحضور إلى الطاولة لإزالة الكفن الذي يلف المومياء المصرية القديمة، كما كانت تقام هذه الحفلات في الأماكن العامة. ومع ازدياد الولع بمصر القديمة، وتفطن التجار وأصحاب الشركات لانجذاب الناس لمظاهر هذه الحضارة، بدأت المصانع والشركات بوضع شعارات ورموز مرتبطة بالحضارة المصرية القديمة على المنتجات، مثل أبو الهول والأهرامات والملوك القدامى، وكانت الملكة كليوبترا أحد أهم هذه الرموز، باعتبارها رمزاً للجمال.وعقب اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون كاملة في 1922، بدأت موجة جديدة من الـ Egyptomania، أثرت على الموسيقى والفنون وصناعة الأفلام وحتى الملابس وصناعة الأثاث. فقام مصممي الجواهر كالشركة الفرنسية Van Cleef and Arpels، بتصنيع الأقراط والأساور والدبابيس والمعلقات مزينة بالزخارف المصرية القديمة، كالنسور والخنافس المجنحة. كما تمّ تصميم العديد من الأزياء في هذا الوقت على الطراز المصري، كما تأثرت تسريحات الشعر النسائية بلمسات مصرية قديمة. وتم تصنيع الآثاث والكراسي وأغلفة الكتب والاكسسوارات، وحتى عابرات المحيطات، على الطراز المصري القديم، هذا بالإضافة إلى تأثّر الأفلام في ذلك الوقت بمصر القديمة، وشمل التأثير أفلام الرعب مثل The Mummy في 1932، وحتى رقصة الإغراء المصرية في فيلم Metropolis عام 1927. ومن مظاهر تأثر الثقافة الشعبية الأميركية بهذه الموجة من الـEgyptomania، قيام الرئيس الأميركي في ذلك الوقت هيربرت هووفر، بتسمية كلبه بـ"توت"، كما سمى الساحر الأميركي تشارلز كارتر نفسه باسم Carter The Great، على اسم مكتشف مقبرة الملك توت، هوارد كارتر. وفي العام 1923، اشتهرت أغنية باسم Old King Tut، غناء بيلي جونز وإرنس هير، وتقول كلمات الأغنية، "لقد فتحوا قبره في اليوم الآخر وقفز فرحاً، لقد علموا الكثير عن التاريخ القديم". جدير بالذكر أن التأثر الأميركي بالحضارة المصرية أقدم من ذلك، ففي 1782، تم اعتماد أختام على شكل هرم نصف مكتمل تأثراً بالأهرامات المصرية، تمّ طبعه على الدولار الأميركي. وكذلك اقترح كلٌّ من بنجامين فرانكلين، الأب المؤسس للولايات المتحدة، والرئيس الأميركي الثالث، توماس جيفرسون، صورة فرعون على عجلة حربية وهو يمر عبر المياه المنقسمة في البحر الأحمر، لطبعها على الدولار، في إشارة إلى قصة موسى وفرعون.الأدب والفنون كان لمصر القديمة تأثيراً واضحاً على الأعمال الفنية في أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، إذ حملت العديد من الأعمال الفنية والأدبية طابعاً مصرياً، مثل رواية "رومانسية مومياء" لتيوفيل غوتيه، وأوبرا عايده للموسيقار الإيطالي فردي، بالإضافة إلى القصة القصيرة "Lot No. 249" عام 1892، والتي تتحدث عن المومياوات المصرية القديمة، والعديد من المسرحيات التي روت قصة كليوباترا في أنحاء أوروبا. ومع انطلاق السنيما في بداية القرن العشرين، كان لمصر القديمة وجود ملحوظ في العديد من الأعمال الفنية، كفيلم La Roman de la momie عام 1911 والمستوحى من رواية غوتيه، وفيلم "الوصايا العشر" الذي أنتج عام 1923، ثم أعيد إنتاجه لاحقاً في 1956، ثم الفيلم الأشهر Cleopatra لإليزابيث تايلور. وفي عام 1962، تم إنتاج فيلم To Kill a Mockingbird، المستوحى من رواية بنفس الاسم، وفيه أظهر الكاتب ولعه بالحضارة المصرية بشكل خفي، وكان أحد مشاهد الفيلم هو الإلهام للأغنية الشهيرة Walk Like an Egyptian لفريق Bangles عام 1986، كما جاء في كتاب Egyptomania: A History of Fascination, Obsession and Fantasy، للمؤرخ، رونالد فريتز. وفي تسعينيات القرن الماضي، تم إنتاج العديد من الأفلام المرتطبة بالحضارة المصرية القديمة، مثل الجزء الأول والثاني من The Mummy، وفي السنين الأخيرة حملت العديد من الأفلام مشاهد وقصص من الحضارة المصرية القديمة، وكان آخرهم The Exodus: Gods and Kings، بالإضافة إلى العديد من الأغاني مثل أغنية Dark Horse للمغنية كاتي بيري، وقارب الكليب الملياري مشاهدة على يوتيوب.لماذا هذا الولع؟ جزء من جدارية "تطور الحضارات" الموجودة في سقف مكتبة الونغرس الأمريكي تظهر بداية الحضارة الإنسانية في مصر، وتقدم أمريكا على أنها وريثتها كتتويج لحضارات العالم. يقول رونالد فريتز، إنّ العديد من العلماء يجدون ظاهرة الهوس بالمصريات غير قابلة للشرح، إن التاريخ المصري الموغل في القدم جعلها عنصر جذب للمولعين بالمصريات. لفترة طويلة، يقول فريتز، "تم الاعتقاد أن مصر هي أقدم حضارة في العالم"، ذلك الانطباع، بحسب رأيه، استمر رغم أن أعمال التنقيب الأركيولوجية في الشرق الأوسط خلال الـ75 الأخيرة بيّنت أنّ مصر هي واحدة من حضارات عدة قدمت اسهامات هامة للإنسانية. ويضيف فريتز في كتابه، "يبدو أن قدم مصر أعطى أولوية ثقافية لكل مجموعة أو أمة في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا والأمريكتين (خصوصاً المجموعات المهمشة في هذه المجتمعات)، في الرغبة أن يكونوا جزءاً من هذه الحضارة". أكمل القراءة ويعتقد عالما الآثار مايكل رايس وسالي ماكدونالد، أن أفكار عالم النفس كارل يونغ، الخاصة باللاوعي الجمعي للإنسانية الذي يحتوي على الخرافات والأنماط البدائية، قد يقدم تفسيراً نظرياً للـEgyptomania في الثقافة المعاصرة. إن الأنماط البدائية، هي الصور والأفكار التي تواجدت في الجنس البشري والتي تتكرر معه عبر الأجيال، ومثال على هذه الأنماط، صورة الرجل العجوز في الميثيولوجيا اليونانية، الحكيم الذي رعى تيليماكوس أثناء غياب أوديسيوس وتشيرون، والتي تكررت في العديد من القصصص والأساطير، وصولاً إلى صورة غاندالف في فيلم Lord of the Rings. وهكذا فإن الأنماط البدائية لصورة الألهة العظمى، تمثلها الإلهة المصرية إزيس، تقف وراء دور المرأة الداعمة والراعية، التي تكررت في صورة العديد من المعبودات في العديد من الأديان. إن رايس وماكدونالد، يشيران إلى أن الثقافة المصرية القديمة تمثل منبعاً غنياً للأنماط البدائية والأساطير، وهذا الجانب هو الذي عمّق حالة الانسحار التي أبهرت المهتمين بالحضارة المصرية القديمة. بينما يقول عالم المصريات الأمريكي جون بريير في مقال له في مجلة Archeology، أن السر وراء الـ Egyptomania يرتكز على ثلاث نقاط، السعي المصري للخلود، والإيمان أن المصريين لديهم معرفة سرية أو عميقة، والتهرب من الواقع.ولع المصريين بتاريخهم القديم في كتابه Egyptology, Egyptomania, Egyptian Modernity، يقول إليوت كولّا أنّه لا يمكن فصل ظاهرة الهوس بالحضارة الفرعونية عن أبعادها السياسية، لأنها شكلت حلقة صراع بين الغرب والمصريين، وبين المصريين أنفسهم. فكان السؤال: من يمتلك حقّ ادعاء النسب للحضارة الفرعونية؟ مع بدايات عمليات التنقيب، ساهم علم الآثار والبحث في التاريخ القديم في تشكيل ممارسات وقيم استعمارية في مصر، ولم يخفَ ذلك على المصريين الذين احتجوا بقوة على هذا التوجه. كنوع من المقاومة لادعاء الغرب استمرارية ثقافته مع الفراعنة، بدأت موجة سياسية الطابع، ثقافية التعبير، لإحياء الفراعنة على أنهم أجداد المصريين، ومنها انبثق عدد من الأشعار والمنحوتات والأفلام والعمارة التي جاءت لتأكيد التواصل بين المصريين وتاريخ الفراعنة. كما استخدمت الطبقة الارستقراطية في مصر هذا التنافس لصالحها، وفي نفس الوقت أثار الولع بالتاريخ المصري القديم غضب الجماعات الإسلامية التي حاربته. وفي شبكة هذه الصراعات، تكونت أفكار وتصورات للتاريخ كانت أساساً في تشكيل الهوية الوطنية المصرية. اقرأ أيضاًكيف كان يعيش أثرياء المصريين في زمن الفراعنة؟ماذا لو كنا نستطيع الاستماع إلى الموسيقى الفرعونية؟"الحلم المصري": عندما كانت مصر مقصد علماء فرنسا كريم مجدي صحفي مصري ومعد افلام وثائقية، مهتم بالقضايا التاريخية والتراث. كلمات مفتاحية الفراعنة الفن علم الآثار التعليقات
مشاركة :