إعداد:عبير حسين«الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول طريق الشفاء» كانت هذه إحدى أهم النصائح الذهبية التي خلفها الشيخ الرئيس، أمير الأطباء وأبو الطب الحديث العلامة الفيلسوف «ابن سينا»، الذي يصادف اليوم ذكرى رحيله عن عالمنا في العام 1037.تجاوزت قيمة مؤلفات ابن سينا عصره بعدة قرون، فشهد له الجميع بأنه من كبار علماء الإنسانية، لم تتوقف إسهاماته العلمية عند حدود الابتكار والاكتشاف بل تجاوزها ليصبح من أول «علماء المستقبليات». لم يكتف بكونه أول من كتب عن الطب في العالم، فبقي كتابه «القانون في الطب» المرجع الرئيسي في تعليم الطب والجراحة لمن بعده لمدة تجاوزت 7 قرون، وحرصت على تدريسه كليات الطب في جامعات العالم، خصوصاً الأوروبية منها، حتى أواخر القرن التاسع عشر.كان«الشيخ الرئيس» منذ صغره متقد الذكاء، شغوفاً بالمعرفة، حفظ القرآن الكريم كاملاً ولم يتجاوز عمره العاشرة، ثم برع في علوم الفقه والأدب والفلسفة في الرابعة عشر، ونبغ في علوم الطب والأدوية عند وصوله السابعة عشرة.تحتفظ ذاكرة التاريخ بأول علامات نبوغه حين عهد والده بتعليمه إلى أحد علماء بخارى المتخصصين بعلوم الفلسفة والمنطق وهو«أبو عبدالله النائلي» الذي كان أول من أدرك قدرات تلميذه الفذة، فتفرغ لتعليمه وحده بعدما وجده يجيب على الأسئلة المنطقية إجابات صائبة لم تخطر على بال أحد قبله.بزغ نجم ابن سينا طبيباً بارعاً ولم يتجاوز عمره الثامنة عشرة، بعد نجاحه في علاج السلطان نوح بن منصور الساماني من داء عجز عن مداواته كبار الأطباء في ذلك الوقت، وكانت هذه فرصته الذهبية التي سمحت له بالالتحاق ببلاط السلطان الذي وضع مكتبته الخاصة تحت تصرف ابن سينا الذي سارع بقراءة أهم مخطوطاتها وكتبها المترجمة عن اليونانية والرومانية فكانت النافذة الأولى التي نهل منها شمس المعرفة والعلوم والتي كان لها أكبر الأثر بعد ذلك في تشكيل أفكاره سواء العلمية أو الفلسفية، ونجح بعدها في تقديم أعظم الخدمات للإنسانية التي فاقت عصرها بالقياس إلى إمكانات ذلك العصر ومدى ما وصلت إليه العلوم حينها. في كتابه «القانون في الطب» كان ابن سينا أول من اكتشف طفيلة «الإنكلستوما» التي سماها «الدودة المستديرة» ووصفها بالتفصيل للمرة الأولى، وتحدث عن الأعراض المرضية التي تتسبب الإصابة بها. كما تطرق إلى أنواع الديدان الطفيلية التي تعيش بعيداً عن القناة الهضمية فكان أول من تحدث عن ديدان العين، والفلاريا (المسببة لداء الفيل). كما كان أول من وصف الالتهاب السحائي، وأول من فرّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ، وبين ذلك الناتج عن سبب خارجي. وإليه يرجع الفضل الأول في اكتشاف السكتة الدماغية، وله سبق ابتكار علاج القناة الدمعية بإدخال مسبار معقم فيها. كما كشف ابن سينا لأول مرة طرق العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجدري والحصبة، كما أظهر براعة خاصة في علم الجراحة. وعلى الرغم من أن الطب والأدوية كانت المجال الأكثر شهرة للشيخ الرئيس، فإنه ترك تراثاً ضخماً من 270 كتاباً تتنوع بين مختلف العلوم، ومن أهمها الفلسفة والمنطق والموسيقى والشعر والأخلاق والطب النفسي. وفي علم النباتات أجرى ابن سينا المقارنات العلمية الرصينة بين جذور النباتات وأوراقها وأزهارها، ووصفها وصفاً علمياً دقيقاً ودرس أجناسها، والتربة والعناصر المؤثرة في نمو النبات فيها. أما في الفيزياء فكان ابن سينا من أوائل العلماء الذين مهّدوا لعلم الديناميكا الحديثة وإليه يرجع الفضل في وضع القانون الأول للحركة، والذي يقول إن الجسم يبقى على حالته من السكون أو الحركة في خط مستقيم ما لم تجبره قوى خارجية على تغيير هذه الحالة.
مشاركة :