السوري باسل خياط «جوكر» الدراما العربية

  • 6/21/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ما يُقدّمه الممثل السوري باسل خيّاط في «30 يوم» يستحقّ التأمّل في أداء هذا الممثل الذي لم يُمنح حقّه بعد. من واجبنا أن نتعاطى مع فنانين بهذا المستوى من الإبداع بشيءٍ من الجديّة والرزانة، على غرار ما يكتبه النقّاد الغربيون عن مبدعيهم، كاشفين نقاط قوّتهم وضعفهم، بغية دفعهم الى استكمال مسيرتهم بخطى ثابتة وواثقة. فالنقدُ التلفزيوني العربي يكاد يكون غارقاً في الانفعالية والأفكار الانطباعية. يُغدقُ أحدهم المديح لفنانٍ ما فيما يُسهب «ناقد» آخر في ذمّ فنان آخر بلا مبرّرات علمية تدعم هذا الرأي أو ذاك. لذا تظلّ المقالات الفنية النقدية أشبه بآراءٍ خاصة لا تُحدث تغييراً جذرياً، إذ يتبنّى الفنان كلاماً يصبّ في مصلحته ويتجاهل النقد السلبي بحجة أنّه نقد هدّام تكتبه أقلام مريضة لتُرضي فشلها أو تودّداً إلى أصحابٍ من الكار نفسه. شارك على مدار خمسة عشر عاماً تقريباً في أهم الأعمال السورية والعربية المشتركة قبل أن يدخل مصر ويعمل مع أهمّ نجومها، لكنّ إبداعه يفوق حظّه. فلم تُسند اليه حتى الآن أدوار البطولة الأولى، كما حدث مع صديقيه تيم حسن وقصي خولي، وإن كانت أدواره دائماً أساسية ومؤثرة وفاعلة. لكنّ تجربته في المسلسل المصري «30 يوم» (تأليف مصطفى جمال هاشم ومن إخراج حسام علي) لا بد أن تُحدث انقلاباً في حياته المهنية. الدور ليس جديداً على باسل خيّاط وحده، وإنما على الدراما العربية ككلّ. قد يكون «30 يوم» لباسل خيّاط كما كان مسلسل «ذات» للممثلة نيللي كريم التي أدّت الشخصية أداء تمثيلياً مختلفاً يعتمد على التعبيرات الداخلية للنفس، بعيداً من المبالغة شكلاً وتعبيراً. واستطاعت خلال سنوات قليلة أن تؤسّس خطاً جديداً يلتقي فيه التياران، الطبيعي والنفسي.   غريب الأطوار توفيق أو سامح، إسمان لرجلٍ واحد يلعب دوره باسل خيّاط. يطرق باب عيادة الدكتور النفساني المشهور طارق حلمي. يدخل إليه بملابس سوداء ونظارتين شمسيتين تمنحان الشخصية غموضاً، يُضاف الى فصاميته الواضحة منذ البداية: «إسمي سامح أو توفيق، مش مهم. زي ما تحبّ». يُحدّث الطبيب بثقة عالية عن اهتمامه بالموسيقى والجاز، لا سيّما فرانك سيناترا وأرمسترونغ. يُخبره أنّه ليس مريضاً وإنما قصده ليُفيده عن تجربة نفسية استحدثها بعنوان «كيف تقتل إنساناً ويظلّ على قيد الحياة». يختار شخصاً معيناً ويضعه على مدار ثلاثين يوماً تحت ضغط اختبارات نفسية مرهقة ليختبر كيفية تصرّفه إزاء هذا النوع من المواقف. الشخص المختار هو الدكتور طارق نفسه والتجربة تبدأ من لحظة انتهاء اللقاء بينهما (1 نوفمبر). لكلّ يوم رقمه وقصته. في اليوم الأول، يختار توفيق (باسل خيّاط) أن يُجرّب الدكتور طارق (آسر ياسين) بابنته، الشخص الأول في حياته، فيخطفها من داخل البيت بأسلوب لا يخطر على بال أحد. في اليوم الثاني، يوزّع له شريط فيديو جنسي كاشفاً أنّ الزوج «المخلص» (طارق) متزوج من امرأة ثانية. في اليوم الثالث يفضحه أمام شقيقه وشقيقته بأنّه باع أرض والدهم من دون علمهما فيُفرّق بين الإخوة الثلاثة... هكذا تظلّ لعنات الشخص الغريب تُلاحق طارق من دون أن يعلم (أو أن نعلم) السبب الكامن وراء هذا الأذى. فكرة المسلسل جديدة لكونه يدخل في عالم خطير ومعقّد اسمه «علم النفس». يقوم العمل على التشويق المتواصل إلا أنّ تكرار الأحداث ومعرفة المشاهد المسبقة بأنّ هذا الغريب سيستمرّ في تدمير الطبيب على مدار شهر كامل يولّد حالة من الملل، لا سيما أمام مُصادفات وأحداث قد تبدو أحياناً غير مقبولة منطقياً، إلاّ في حال وجود سرّ لن يُكشف قبل الحلقة الأخيرة. لذا، فإن العمل كان يمكن أن يظهر في شكل أفضل لو أنه صوّر على طريقة السينما، بإيقاع سريع يشدّ أعصاب المشاهد على مدار ساعتين.   أبعاد الدور من شاهد الحلقة الأولى من «30 يوم» يُدرك أنّ انطلاقة المسلسل بدت سينمائية بامتياز، ويمكن اعتبارها أفضل حلقة أولى خلال هذا الموسم الدرامي. لكنّ منظومة الثلاثــيــن حلقة أفــسدت كثيراً مــن بديع ما شاهدناه في البداية، وإن كان المشاهد ما زال مشدوداً لمعرفة السرّ وراء شـرّ هذا الإنسان الغريب الأطوار. فهل هو رجل ســادي؟ أم ضحيـة سابــقة؟ أم أنــه ضمير الطبيب الذي نكتشف يوماً تلو آخر أنه أساء الى أشخاص كثيرين؟ يقوم قانون التمثيل على أساس الإحاطة بأبعاد الشخصية الثلاثة: «البعد المادي» (الملابس، الشكل، الحركات) و «البعد النفسي» (المشاعر، النظرات، الاختلاجات) و «البعد الاجتماعي» (الهوية، المكانة، الوضع العائلي)... ولا يمكن الفنان المبدع أن يتشرّب الدور إن لم يعشه بأبعاده. هذا ما فعله باسل حين قدّم شخصية المريض نفسياً ممسكاً بأبعاد الدور، فكان هو الشرير العصري المرتّب، المعبّأ بالرموز. ملابسه السوداء، نظارتاه الشمسيتان، ضحكته الهزلية، حركة أصابعه، مشيته البهلوانية... تقدح عيناه ناراً حين يفكّر بألاعيب ذهنية شرسة، ثم يضحك حين يتلذّذ بتدمير الآخر قبل أن يقصد الملهى الليلي مساءً ويُغمض عينيه ليعزف على الساكسوفون أجمل مقطوعات الجاز. وقد أحسن في ترجمة ذاك الفصام النفسي بين شخصيتي «المجرم» (توفيق) و «المزيكاتي» (سامح) معتمداً على تعابير ولازمات تخص كل شخصية منهما. وإن ظلّت الثغرة عند باسل خياط متمثلة في لهجته المصرية، لا سيما في كيفية نطقه كلمة «دكتور» التي حافظ فيها على المدّة اللفظية السورية فأثارت جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي. من أفضل مقومات الحلقة الأولى أنّ المخرج انتبه فيها الى ضرورة التركيز على تفاصيل باسل الجسمانية والنفسية. فاختار المخرج الشاب حسام علي الـ «كلوز آب» على يديه حين يصفّق وعلى أصابعه عندما يُحرّكهما كأنه يعزف على البيانو، وعلى وجهه حينما يضحك ضحكته القوية والمتقطعة. كان باسل هادئاً جداً وبسيطاً في أدائه الذي كشف منذ البداية على أنّه يخفي داخله سايكوبات شرير وذكي وفكاهي وسادي. كثيرون قاربوا بين شخصية سامح/ توفيق وشخصية «الجوكر» (الشرير الضاحك) الذي لعب دوره كثيرون في السينما، ولعلّ أشهرهم جاك نيكلسون (1989) في فيلم تيم بورتون الشهير، والممثل الشاب هيث ليدجر الذي توفي قبل أن ينتهي من تصوير آخر مشاهده، هو الذي قال إنّ شخصية الجوكر جعلته عاجزاً عن النوم أكثر من ساعتين خلال اليوم بعدما غرق فيها حتى صارها. ومع أنّ باسل لم يعتمد لعبة الماكياج التي تُميّز شخصيات «جوكر» الهوليوودية غير أنه استطاع بنظراته الماكرة وابتسامته التي ترسم في نهاية شفتيه قوسين صغيرين أن يذكّرنا به. واللافت أنّ أحداً لم يجرؤ على تجسيد شخصية جوكر عربياً على رغم شهرتها العالمية. ومن المؤكّد أنّ اختيار باسل خيّاط لهذا الدور هي نُقطة تُحسب للمخرج والمسؤولين عن العمل. قد تجد في النصّ ثغرات كثيرة أهمها تقديم باسل خياط على أنّه شخص طبيعي يعيش حياة عادية لكنه يتمتع بقدرة هائلة على تحريك مصائر البشر واللعب بحياتهم. لكنّ الحكم النهائي يظلّ مرهوناً بالحلقة الأخيرة. فهل يكون هو الضمير الذي ينتقم من صاحبه أم الضحية التي تنتقم من جلادها؟

مشاركة :